امرؤ القيس
امرؤ القيس بن حُجر بن الحارث الكندي (501 م - 540 م) كان شاعرا
عربيا جاهليا عالي الطبقة من قبيلة كندة، يُعد رأس شعراء العرب وأعظم شعراء العرب
في التاريخ يُعرف في كتب التراث العربية باسم " الملك الضليل"
و" ذي القروح".
نشأته
ولد في بطن عاقل في نجد ونشأ ميالا إلى الترف واللهو شأن أولاد
الملوك وكان يتهتك في غزله ويفحش في سرد قصصه الغرامية، وهو يعتبر من أوائل
الشعراء الذين أدخلوا الشعر إلى مخادع النساء. كان كثير التسكع مع صعاليك العرب ومعاقرا
للخمر. (520 سلك امرؤ القيس في الشعر مسلكاً خالف فيه تقاليد البيئة، فاتخد لنفسه
سيرة لاهية تأنفها الملوك كما يذكر ابن الكلبي حيث قال: كان يسير في أحياء العرب
ومعه أخلاط من شذاذ العرب من طيء وكلب وبكر بن وائل فإذا صادف غديراً أو روضة أو
موضع صيد أقام فذبح وشرب الخمر وسقاهم وتغنيه قيانة، لايزال كذلك حتى يذهب ماء
الغدير وينتقل عنه إلى غيره. التزم نمط حياة لم يرق لوالده فقام بطرده ورده إلى
حضرموت بين أعمامه وبني قومه أملا في تغييره. لكن حندج استمر في ما كان عليه من
مجون وأدام مرافقة صعاليك العرب وألف نمط حياتهم من تسكع بين أحياء العرب والصيد
والهجوم على القبائل الأخرى وسلب متاعها.
ديانته
كان دين امرئ القيس الوثنية وكان غير مخلص لها. فقد روي أنه لما
خرج للأخذ بثأر أبيه مر بصنم للعرب تعظمه يقال له ذو خلصة. فاستقسم بقداحه وهي
ثلاثة: الآمر والناهي والمتربص. فأجالها فخرج الناهي. فعل ذلك ثلاثاً فجمعها
وكسرها. وضرب بها وجه الصنم. وقال: "لو كان أبوك قتل ما عقتني".
موت والده
كان لموت والده حجر على يد بني أسد أعظم الأثر على حياته ونقلة
أشعرته بعظم المسؤولية الواقعة على عاتقه. رغم أنه لم يكن أكبر أبناء أبيه, إلا
أنه هو من أخذ بزمام الأمور وعزم الانتقام من قتلة أبيه لإنه الوحيد الذي لم يبك
ويجزع من إخوته فور وصول الخبر إليهم. يروى أنه قال بعد فراغه من اللهو ليلة مقتل
أبيه على يد بني أسد: ضيعني صغيرا, وحملني دمه كبيرا. لا صحو اليوم ولا سكر غدا.
اليوم خمر وغدا أمر أنشد شعرا وهو في دمون ( وادٍ بالقرب من دوعن بحضرموت ) قال
فيه.
تطاول الليل علينا دمون *** دمون إنا معشر يمانون
وإنا لأهلنا محبون
فلبس رداء الحرب في اليوم التالي وإتجه صوب بني أسد فخافوا منه
وحاولوا استرضاءه إلا أنه لم يرض وقاتلهم حتى أثخن فيهم الجراح وفاحت رائحة الجثث.
وذكر الكلبي: أن امرأ القيس أقبل براياته يريد قتال بني أسد حين قتلوا أباه، فمر
على تبالة وبها ذو الخلصة (صنم من أصنام العرب) وكانت العرب تستقسم عنده، فاستقسم
فخرج القدح الناهي، ثم الثانية، ثم الثالثة كذلك، فكسر القداح وضرب بها وجه ذي
الخلصة وقال: عضضت بأير أبيك لو كان أبوك المقتول لما عوقتني. ثم أغار على بني أسد
فقتلهم قتلا ذريعا. ويروي اليعقوبي أن إمرأ القيس قصد بني أسد في أول الأمر ولكنه
أوقع بــقوم من بني كنانة فصاح قائلا: " ياللثارات" مزهوا بما ظنه ثأرا
من قتلة أبيه. فأجابه القوم: " والله ما نحن إلا من كنانة "
نهاية حياته
لم تكن حياة امرؤ القيس طويلة بمقياس عدد السنين ولكنها كانت
طويلة وطويلة جدا بمقياس تراكم الأحداث وكثرة الإنتاج ونوعية الإبداع. لقد طوف في
معظم أرجاء ديار العرب وزار كثيرا من مواقع القبائل بل ذهب بعيدا عن جزيرة العرب
ووصل إلى بلاد الروم إلى القسطنطينية ونصر واستنصر وحارب وثأر بعد حياة ملأتها في
البداية باللهو والشراب ثم توجها بالشدة والعزم إلى أن تعب جسده وأنهك وتفشى فيه
وهو في أرض الغربة داء كالجدري أو هو الجدري بعينه فلقي حتفه هناك في أنقرة في سنة
لا يكاد يجمع على تحديدها المؤرخون وإن كان بعضهم يعتقد أنها سنه 540م، وقبره يقع
الآن في تلة هيديرليك بأنقرة
هناك قصة تقول أن الإمبراطور جستنيان غضب من إمرو القيس بعد
مغادرته القسطنطينية،لأنه اكتشف أنه إغرى واحدة من أميراته, وأرسل رسولا مع سترة
مسمومة قدمت في شكل هدية، وأن إمرو القيس ارتدى السترة واشتدبه المرض من جراء
السم.
ويقال بأن الروم، أي البيزنطيين، نصبوا له تمثالاً بعد مماته، كان
قائماً حتى سنة 1262 وهذا ما أورده ابن
العديم بأن الخليفة المأمون قد مر بتمثال امرئ القيس بالقرب من أنقره أثناء غزوه
للصافئة، وكذلك أخبر الزوزني بكتابه شرح المعلقات السبع.
لقد ترك خلفه سجلا حافلا من ذكريات الشباب وسجلا حافلا من بطولات
الفرسان وترك مع هذين السجلين ديوان شعر ضم بين دفتيه عددا من القصائد والمقطوعات
التي جسدت في تاريخ شبابه ونضاله وكفاحه. وعلى الرغم من صغر ديوان شعره الذي يضم
الآن ما يقارب مئة قصيدة ومقطوعة إلا أنه جاء شاعراً متميزاً فتح أبواب الشعر وجلا
المعاني الجديدة ونوع الإغراض واعتبره القدماء مثالا يقاس عليه ويحتكم في التفوق
أو التخلف إليه.
ولذلك فقد عني القدماء بشعره واحتفوا به نقداً ودراسة وتقليداً
كما نال إعجاب المحدثين من العرب والمستشرقين، فأقبلوا على طباعته منذ القرن
الماضي، القرن التاسع عشر في سورية ومصر وفرنسا وألمانيا وغيرها من البلدان التي
تهتم بشؤون الفكر والثقافة.