القائمة الرئيسية

الصفحات

سيــرة الرســول صلى الله عليه وسلم


بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة :
الحمد لله و سلام على عباده الذين اصطفى ، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا و يرضى ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة من أخلص له قلبه و انجابت عنه أكدار الشرك و صفا ، و أقر له برق العبودية ، واستعاذ به من شر الشيطان و الهوى ،    وتمسك بحبله المتين المنزل على رسوله الأمين محمد خير الورى صلوات الله و سلامه عليه دائماً إلى يوم الحشر و اللقا ، و رضي الله عن أصحابه و أزواجه و ذريته و أتباعه أجمعين ، أولي البصائر و النهى .
أما بعد :
فإنه لا يجمل بأولي العلم إهمال معرفة الأيام النبوية و التواريخ الإسلامية ، و هي مشتملة على علوم جمة و فوائد مهمة ، لا يستغني عالم عنها ، و لا يعذر في العرو منها . و قد أحببت أن أعلق تذكرةً في ذلك لتكون مدخلاً إليه و أنموذجاً و عوناً له و عليه ، و على الله اعتمادي ، و إليه تفويضي واستنادي ، و هي مشتملة على ذكر نسب رسول الله عليه الصلاة و السلام ، و سيرته و أعلامه ، مما يمس حاجة ذوي الأرب إليه ، على سبيل الاختصار إن شاء الله تعالى .




الفصل الأول :
 التعريف بحياة الرسول الكريم r

·    المبحث الأول : نسب ومولد الرسول r
·    المبحث الثاني : نشأته وشباب الرسول r
·    المبحث الثالث : زواج الرسول r من خديجة بن خويلد
·    المبحث الرابع : نزول الوحي على رسول الله r
المبحث الأول :  نسبه :
هو أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب, ينتهي نسبه إلى عدنان من ولد إسماعيل نبي الله ابن إبراهيم خليل الله عليهما السلام، وأمه آمنة بنت وهب, وينتهي نسبها إلى عدنان  من ولد إسماعيل نبي الله ابن إبراهيم خليل الله عليهما السلام.  يقول عليه الصلاة والسلام: " إن الله اصطفى كنانة من ولد اسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم "  (صحيح  مسلم) فهو بهذا النسب يكون خير أهل الأرض نسباً، وشهد له أعداؤه بذلك .
أبوه: هو عبد الله بن عبد المطلب، أمّه "فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب".كان عبد الله أحسن أولاد عبد المطلب وأعفّهم وأحبّهم إليه، وأصغرهم من بين أولاده،  وهو الذبيح، الذي فداه أبوه بمائة من الإبل.
أمّه: هي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، أمّها "برّة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب".كانت آمنة تُعد يومئذٍ أفضل امرأة في قريش نسبًا وموضعًا، وكان أبوها سيّد بني زهرة نسبًا وشرفًا.
أعمامه وعمّاته: هم العباس، وحمزة، والزبير، والمقوَّم، والحارث، والغيداق، وقُثم، وعبد الكعبة، وجَحْل (واسمه المغيرة)، وأبو لهب (واسمه عبد العزَّى)، وأبو طالب (واسمه عبد مناف)، وضرار. وأما عمّاته، فهنّ عاتكة، وأميمة، وأروى، وأم حكيم (وهي البيضاء)، وبرّة، وصفيّة. ولم يسلم منهم إلا حمزة والعباس وصفية، واختُلف في عاتكة وأروى.
أخواله وخالاته:لم يكن لمحمد أخوال وخالات إلا"عبد يغوث بن وهب"،وكان محمد يقول عن سعد بن أبي وقاص«هذا خالي فليرني امرؤ خاله»وذلك لأجل أن سعدًا كان من بني زهرة وكانت أم النبي أيضًا منهم.
مولده
وقد كان مولده يوم الإثنين 12 ربيع الأول من عام الفيل ،في قبيلة قريش التي كان العرب يجلونها ويكنون لها كل تقدير واحترام في مكة التي تعتبر المركز الديني لجزيرة العرب، حيث الكعبة المشرفة التي بناها إبراهيم أبو الأنبياء وابنه إسماعيل عليهما السلام، حيث كان العرب إليها يحجون وبها يطوفون، توفي أبوه وهو لا يزال في بطن أمه، وبعد ولادته توفيت والدته، فعاش يتيماً, كفله جده عبدالمطلب فلما توفي جده كفله عمه أبو طالب.
وكانت قبيلته والقبائل التي حولها تعبد أصناماً صنعوها  من الشجر وبعضها من الحجر وبعضها من الذهب, ووضعت حول الكعبة واعتقدوا بأن بيدها النفع والضر، كانت حياته r كلها صدق وأمانة، ما عهد عليه غدر ولا كذب، ولا خيانة ولا خداع، عرف بين قومه بالأمين فكانوا يضعون  عنده أماناتهم، ويحفظون عنده ودائعهم إذا أرادوا سفرا، وعرف بينهم بالصادق  لما عرف عنه من الصدق فيما يقول ويحدث به، وكان حسن الخلق طيب الكلام فصيح اللسان، يحب الخير للناس، أحبه قومه، يعظمه ويجله القريب والبعيد، جميل المنظر, لاتمل العين من رؤيته عليه الصلاة والسلام، فهو جميل الخَلق والخُلق بكل ماتحمله هذه الكلمة من معانٍ، قال عنه ربه تبارك وتعالى : y7¯RÎ)ur] 4n?yès9 @,è=äz 5[OŠÏàtã.
المبحث الثاني :   نشأته :  
كان أوّل من أرضعته بعد رضاعه من أمّه بأسبوع ثويبة مولاة أبي لهب ،وكان من عادة العرب أن يلتمسوا المراضع لمواليدهم في البوادي، فجاءت نسوة من بني سعد بن بكر يطلبنَ أطفالًا يرضعنهم فكان محمد من نصيب حليمة بنت أبي ذؤيب لتُرضعه مع ابنها "عبد الله" في بادية بني سعد. فلما جاء محمد إلى باديتهم عادت منازل حليمة مخضرّة وأغنامها ممتلئة الضرع. عاش محمد معها سنتين حتى الفطام وقد كانت حليمة تذهب به لأمه كل بضعة أشهر لزيارتها، فلما انتهت السنتين عادت به حليمة إلى أمّه لتقنعها بتمديد حضانته خوفًا من وباء بمكة وقتها ولبركة رأتها من محمد، فوافقت آمنة. وعندما بلغ سن الرابعة، وقيل الخامسة .
تُوفيت أمّه، وهو ابن ست سنوات أثناء عودتهم من زيارة لأخواله من بني عدي بن النجار، بمكان يسمى الأبواء، فحضنته أم أيمن، وحملته إلى جدّه عبد المطلب ليكفله بعد ذلك ليعيش معه بين أولاده. وفي السنة الثامنة من عمره، توفي جده عبد المطلب، بعد أن اختار له أبا طالب ليكفله، ويقوم بشؤونه.
شبابه :لم يكن عمّه أبو طالب ذا مال وفير، فاشتغل محمد برعي الغنم يأخذ عليه أجرًا مساعدةً منه لعمّه، قال «ما بعث الله نبيًا إلا رعى الغنم. فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: نعم، كنت أرعاها على قراريط (أجزاء من الدراهم والدنانير) لأهل مكة».
وفي الثانية عشر من عمره، سافر مع عمه أبي طالب إلى الشام للتجارة، فلما نزلوا "بصرى" في الشام مرّوا على راهب اسمه "بحيرى"، وكان عالمًا بالإنجيل، فجعل ينظر إلى محمد ويتأمّله، ثم قال لأبي طالب «ارجع بابن أخيك إلى بلدك واحذر عليه اليهود فوالله إن رأوه أو عرفوا منه الذي أعرف ليبغنه عنتًا، فإنه كائن لابن أخيك شأن عظيم نجده في كتبنا وما ورثنا من آبائنا»
لُقّب محمد في مكة "بالأمين"،فكان الناس يودعون أماناتهم عنده. كما عُرف عنه أنه لم يسجد لصنم قطّ، رغم أنتشار ذلك في قريش، ولم يشارك شبابهم في لهوهم ولعبهم،وإنما كان يشارك كبرائهم في حربهم ومساعدتهم بعضًا بعضًا، ففي الرابعة عشر من عمره، وقيل في العشرين من عمره، حدثت حرب الفجار بين كنانة وقيس عيلان، وشارك محمد مع قريش ضمن بني كنانة لكون قريش من كنانة، وأما خصومهم قيس عيلان فكان منهم قبائل هوازن وغطفان وسليم وعدوان وفهم وغيرهم من القبائل القيسية، فشارك محمد فيها.
ولمّا أصاب الكعبة سيل أدّى إلى تصدّع جدرانها، قرر أهل مكة تجديد بنائها، وفي أثناء ذلك اختلفوا فيمن يضع الحجر الأسود في موضعه، فاتفقوا على أن يضعه أول شخص يدخل عليهم، فلما دخل عليهم محمد وكان عمره خمسًا وثلاثين سنة، قالوا «هذا الأمينُ، قد رَضينا بما يقضي بيننا»،فأمر بثوب فوضع الحجر في وسطه وأمر كل قبيلة أن ترفع بجانب من جوانب الثوب ثم أخذ الحجر فوضعه موضعه.
المبحث الثالث  :زواج النبي r بخديجة :
كانت خديجة بنت خويلد امرأةً تاجرةً ذات شرف ومال، فبلغها عن محمد ما بلغها من أمانته، فعرضت عليه أن يخرج بمالها إلى الشام متاجرًا وتعطيه أفضلَ ما كانت تعطي غيره من التجّار، فقبل وخرج ومعه غلامها "ميسرة"، فقدما الشام فنزلا في سوق بصرى في ظل شجرة قريبة من صومعة راهب يُقال له "نسطورا"، فاطلع الراهب إلى ميسرة وقال له «ما نزل تحت هذه الشجرة قطّ إلا نبيّ»، وكان ميسرة إذا اشتد الحرّ يرى ملكين يظلانه من الشمس وهو على بعيره. فلما أقبل عائدًا إلى مكة قدم على خديجة بمالها وقد ربحت ضعف ما كانت تربح.
بعد ذلك عرضت خديجة عليه الزواج بواسطة صديقتها "نفيسة بنت منيّة"، فرضي بذلك، وعرض ذلك على أعمامه، فخرج معه عمّه حمزة بن عبد المطلب حتى خطبها من عمّها "عمرو بن أسد"،وقيل بل خطبها له أبو طالب.
ثم تزوجها بعد أن أصدقها عشرين بكرة، وكان سنّه خمسًا وعشرين سنة وهي أربعين سنة، وقيل بل كانت خمسًا وعشرين سنة، أو ثمانية وعشرين سنة.وكانت خديجة أول امرأة تزوجها محمد ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت بعد ما بقيت معه خمسًا وعشرين سنة، عشرًا بعد المبعث وخمس عشرة قبله.
أنجب محمد من خديجة كل أولاده إلا إبراهيم. وحين تزوج خديجة، أعتق حاضنته أم أيمن فتزوجها "عبيد بن زيد من بني الحارث"، فولدت له أيمن،فصحب محمدًا حين بُعث وتوفي شهيدًا يوم حنين، وقيل يوم خيبر. وكان زيد بن حارثة لخديجة فوهبته لمحمد، فأعتقه وزوجه أم أيمن بعد النبوة فولدت له أسامة، وتوفيت بعدما توفي محمّد بخمسة أشهر.

المبحث الرابع :  نزول الوحي عليه r :
لما بلغ محمد سنَّ الأربعين، اعتاد أن يخرج إلى غار حراء في جبل النور على بعد نحو ميلين من مكة، وذلك في كل عام، فيأخذ معه الطعام والماء ليقيم فيه شهرًا بأكمله ليتعبد ويتأمّل.
 ويعتقد المسلمون بأنه في يوم الاثنين، 17 رمضان أو 24 رمضان، أو 21 رمضان, نزل الوحي لأول مرّة على محمد وهو في غار حراء، تروي عائشة بنت أبي بكر قصة بدء الوحي
 أول ما بدأ به رسول الله r من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنّث فيه الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزوّد لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحقّ وهو في غار حراء، فجاءه المَلك فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقاريء. قال: فأخذني فغطّني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقاريء، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقاريء، فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَق، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ،عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ "
فرجع بها رسول الله r يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال: زمّلوني زملّوني، فزمّلوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي. فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتُقرِي الضيف، وتُعين على نوائب الحقّ.
 فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، ابن عم خديجة، وكان امرءًا تنصّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عمّ، اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله r  خبر ما رأى، فقاله له ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله به على موسى، يا ليتني فيها جذع، ليتني أكون حيًا إذ يُخرجك قومك، فقال رسول اللهr : أوَ مخرجيّ هم؟ قال: نعم، لم يأتِ رجل قطّ بمثل ما جئتَ به إلا عُودِي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا .
وبعد تلك الحادثة، فَتَر عنه الوحي مدة، قيل أنها أربعون ليلة وقيل أقلّ من ذلك، ورجّح البوطي ما رواه البيهقي من أن المدة كانت ستةَ أشهر، حتى انتهت بنزول أوائل سورة المدثر. ثم بدأ الوحي ينزل ويتتابع مدة ثلاثة وعشرين عامًا حتى وفاته. فكان أول ما نزل من القرآن بعد أول سورة العلق، أول سورة القلم، والمدثر والمزمل والضحى والليل.




الفصل الثاني :
 الدعوة النبوية الشريفة والهجرة 

·    المبحث الأول : الدعوة سراً وجهراً
·    المبحث الثاني : الهجرة إلى الحبشة
·    المبحث الثالث : الخروج إلى الطائف
·    المبحث الرابع : رحلة الإسراء والمعراج
·    المبحث الخامس : الهجرة إلى المدينة
·    المبحث السادس : تأسيس الدولة الإسلامية

المبحث الأول : بداية الدعوة :  أولا : الدعوة سراً
محمدًا r بُعث للناس كافة، فقد قال عن نفسه «أنا رسولُ من أدركتُ حيًا، ومن يولد بعدي»، فبعد نزول آيات سورة المدثر، بدأ يدعو إلى الإسلام الكبيرَ والصغيرَ، والحر والعبد، والرجال والنساء، فكان أوّل النّاس إيمانًا به بحسب الرواية السنية زوجته خديجة بنت خويلد، ثمّ ابن عمّه علي بن أبي طالب، وكان صبيًا ي وهو يومئذٍ ابن عشر سنين ثم أسلم زيد بن حارثة مولى محمد ثم أسلم صديقه المقرّب أبو بكر بن أبي قحافة، وقيل بل أسلم قبل علي بن أبي طالب.
 ولمّا أسلم أبو بكر أظهر إسلامه فكان أول من أظهر الإسلام في مكة، وجعل يدعو إلى الإسلام من وثِقَ به من قومه ممن يجلس إليه، فأسلم بدعائه عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص.
وكان محمد  r في بداية أمره يدعو إلى الإسلام مستخفيًا حذرًا من قريش مدة ثلاث سنين. وكان من أوائل ما نزل من الأحكام الأمر بالصلاة، وكانت الصلاة ركعتين بالصباح وركعتين بالعشيّ ،فكان محمد وأصحابه إذا حضرت الصّلاة ذهبوا في الشِّعاب فاستخفوا بصلاتهم من قومهم.
وكان المسلمون الأوائل يلتقون بمحمد سرًا، ولما بلغوا ثلاثين رجلاً وامرأةً، اختار لهم محمد «دار الأرقم بن أبي الأرقم» عند جبل الصفا ليلتقي بهم فيها لحاجات الإرشاد والتعليم.[وبقوا فيها شهرًا،لحين ما بلغوا ما يقارب أربعين رجلاً وامرأةً، فنزل الوحي يكلف الرسول بإعلان الدعوة والجهر بها.
ثانياً : الدعوة جهراً
بعد مرور ثلاث سنوات من الدعوة سرًا، بدأ محمد بالدعوة جهرًا بعدما تلقّى أمرًا من الله بإظهار دينه، عن علي بن أبي طالب أنه قال: «لما نزلت «وأنذر عشيرتك الأقربين» جمع رسول الله r  قرابته، فاجتمع له ثلاثون رجلاً، فأكلوا وشربوا، فقال لهم: من يضمن عني ديني ومواعيدي ويكون معي في الجنة ويكون خليفتي في أهلي؟ فقال علي: أنا».ويروي ابن عباس فيقول:
محمد r لمّا أنزلت «وأنذر عشيرتك الأقربين» صعد رسول الله r على الصّفا فقال: يا معشر قريش! فقالت قريش: مالك يا محمد؟ قال: أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بسفح هذا الجبل أكنتم تصدقونني؟ قالوا: نعم، أنت عندنا غير متَّهم، وما جربنا عليك كذبًا قطّ. قال: فإنّي نذيرٌ لكم بين يدي عذابٍ شديدٍ، يا بني عبد المطلب! يا بني عبد مناف! يا بني زهرة! إنّ الله أمرني أن أُنذر عشيرتي الأقربين، وإنّي لا أملك لكم من الدنيا منفعة ولا من الآخرة نصيبًا، إلا أن تقولوا لا إله إلا الله. فقال أبو لهب: تبًا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله تبارك وتعالى «تبت يدا أبي لهب وتب» فاشتدت قريش في معاداتها لمحمد وأصحابه، وتصدّوا لمن يدخل في الإسلام بالتعذيب والضرب والجلد والكيّ، حتى مات منهم من مات تحت التعذيب، قال ابن مسعود «أول من أظهر الإسلام بمكة سبعة: رسول الله r وأبو بكر، وبلال وخباب وصهيب وعمار وسمية. فأما رسول الله r وأبو بكر فمنعهما قومهما، وأما الآخرون فأُلبسوا أدرع الحديد ثم صُهروا في الشمس وجاء أبو جهل إلى سمية فطعنها بحربة فقتلها».
 حتى محمدًا r قد ناله نصيب من عداوة قريش، من ذلك ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص «بينما رسول الله r يصلي بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله r ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقًا شديدًا، فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه ودفع عن رسول الله r  وقال: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبيّنات من ربّكم».
وقد كان من أشدّهم معاداة لمحمد وأصحابه أبو جهل، وأبو لهب، والأسود بن عبد يغوث، والحارث بن قيس بن عدي، والوليد بن المغيرة وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، حتى دعا على بعضهم قائلاً: «اللهم عليك بعمرو بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد .
المبحث الثاني : الهجرة إلى الحبشة :
لما اشتد البلاء على المسلمين، أذن لهم محمد بالهجرة إلى الحبشة عند الملك أصحمة النجاشي، قائلاً لهم «إنّ بأرض الحبشة ملكًا لا يُظلَم أحدٌ عنده، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجًا ومخرجًا مما أنتم فيه»، فخرج 11 رجلاً و4 نسوة، على رأسهم عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت محمد، في شهر رجب من سنة خمس من البعثة (8 ق هـ)، وكان رحيل هؤلاء تسللًا في الليل، خرجوا إلى البحر وقصدوا "ميناء شعيبة"، وكانت هناك سفينتان تجاريتان أبحرتا بهم إلى الحبشة، فكانت أول هجرة في الإسلام.
ولما رأت قريش أنّ أصحاب محمد قد أمنوا في الحبشة، بعثوا عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص محمّلين بالهدايا للنجاشي وبطارقته علّه يخرج المسلمين من دياره، فدعى النجاشي المسلمين، وقام جعفر بن أبي طالب مدافعًا عن المسلمين، فقرأ على النجاشي بعضًا من سورة مريم، فبكى النجاشي، وبكت أساقفته حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال لهم النجاشي «إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فلا والله لا أسلمهم إليكما، ولا يُكادون - يخاطب عمرو بن العاص وصاحبه».وقد هاجر معظم الذين هاجروا إلى الحبشة إلى المدينة المنورة، بعد أن استقر الإسلام فيها، وتأخر جعفر ومن معه إلى فتح خيبر سنة 7 هـ
المبحث الثالث : الخروج إلى الطائف :
بعدما اشتد الأذى من قريش على محمد وأصحابه بعد موت أبي طالب، قرر محمد الخروج إلى الطائف حيث تسكن قبيلة ثقيف يلتمس النصرة والمنعة بهم من قومه ورجاء أن يسلموا، فخرج مشيًا على الأقدام ومعه زيد بن حارثة، وقيل بل خرج وحده،وذلك في ثلاث ليال بَقَيْن من شوال سنة عشر من البعثة (3 ق هـ)، الموافق أواخر مايو سنة 619م، فأقام بالطائف عشرة أيام لا يدع أحدًا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه، فلم يجيبوه، وردّوا عليه ردًا شديدًا، وأغروا به سفهاءهم فجعلوا يرمونه بالحجارة حتى أن رجلي محمد لتدميان وزيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى جُرح في رأسه .
فانصرف محمد من الطائف راجعًا إلى مكة وهو محزون لم يستجب له أحد من أهل البلد،فلما بلغ "قرن الثعالب" بعث الله إليه جبريل ومعه ملك الجبال، يستأمره أن يطبق الأخشبين على أهل مكة، وهما الأخشبين، وهما جبلا مكة يحيطان بها، فرفض ذلك قائلاً: «بل أرجو أن يخرج الله عز وجل من أصلابهم من يعبد الله عز وجل وحده لا يشرك به شيءًا».
ثم تقدم في طريق مكة حتى بلغ "وادي نخلة"، وأقام فيه أيامًا، وخلال إقامته هناك استمع نفر من الجن إليه وهو يقرأ القرآن وهو يصلي بالليل،فنزلت ﴿وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجن يستمعون القرآن﴾.ثم تابع مسيره، فدخل مكة في جوار المطعم بن عدي، وهو ينادي «يا معشر قريش إني قد أجرت محمدًا، فلا يهجه أحد منكم»، حتى وصل محمد للكعبة وصلى ركعتين وانصرف إلى بيته والمطعم بن عدي وولده محيطون به.
المبحث الرابع :الإسراء والمعراج :
بعد رحلة الطائف، حدثت للنبي محمد رحلة الإسراء والمعراج بحسب التراث الإسلامي، فقيل أنها كانت ليلة 27 رجب بعد البعثة بعشر سنين (3 ق هـ)، وجمهور المسلمين من أهل السنة يؤمنون بأن هذه الرحلة كانت بالروح والجسد معًا يقظةً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وكانت قد حدثت له حادثة شق الصدر للمرة الثالثة قبل أن يركب البراق،بصحبة جبريل. فنزل في المسجد الأقصى وربط البراق بحلقة باب المسجد، وصلّى بجميع الأنبياء إمامًا. ثم عُرج به إلى فوق سبع سماوات مارًا بالأنبياء آدم، ويحيى بن زكريا وعيسى بن مريم، ويوسف، وإدريس، وهارون وموسى وإبراهيم.وانتهى إلى سدرة المنتهى ورأى الجنة والنار. ورأى ربّه بعيني رأسه ،وفُرض عليه الصلوات الخمسة بعد أن كانت خمسين صلاة.
ثم انصرف في ليلته عائدًا راكبًا البراق بصحبة جبريل، فوصل مكة قبل الصبح، فلما أصبح أخبر قومه برحلته فاشتد تكذيبهم له وأذاهم، وسألوه أن يصف لهم بيت المقدس، فتمثّل له بيت المقدس حتى عاينه، فبدأ يخبرهم عن آياته، ولا يستطيعون أن يردوا عليه شيئًا، وأخبرهم عن عيرهم في مسراه ورجوعه، وأخبرهم عن وقت قدومها، وأخبرهم عن البعير الذي يقدمها، وكان الأمر كما قال. وصدّقه بكل ما قاله أبو بكر فسُمي يومئذ بالصّدّيق.
المبحث الخامس : الهجرة إلى المدينة :
لما اشتد البلاء على المسلمين بعد بيعة العقبة الثانية، أذن محمد لأصحابه بالهجرة إلى المدينة المنورة، فجعلوا يخرجون ويخفون ذلك، فكان أول من قدم المدينة المنورة أبو سلمة بن عبد الأسد، ثم قدم المسلمون أرسالاً فنزلوا على الأنصار في دورهم فآووهم ونصروهم. ولم يبقَ بمكة منهم إلا النبي محمد وأبو بكر وعلي بن أبي طالب أو مفتون محبوس أو ضعيف عن الخروج.
ولما رأت قريش خروج المسلمين، خافوا خروج محمد، فاجتمعوا في دار الندوة، واتفقوا أن يأخذوا من كل قبيلة من قريش شابًا فيقتلون محمد فيتفرّق دمه في القبائل. فأخبر جبريل محمد بالخبر وأمره أن لا ينام في مضجعه تلك الليلة، فأمر محمد عليًا أن ينام مكانه ليؤدي الأَمانات التي عنده ثم يلحق به. واجتمع أولئك النفر عِند بابه، لكنه خرج من بين أيديهم لم يره منهم أحد، وهو يحثوا على رؤوسهم التراب تاليًا آيات من سورة يس. فجاء إلى أبي بكر، وقد كان أبو بكر قد جهز راحلتين للسفر، فأعطاها محمد لعبد الله بن أرَيْقِط، على أن يوافيهما في غار ثور بعد ثلاث ليالٍ، ويكون دليلاً لهما، فخرجا ليلة 27 صفر سنة 14 من النبوة، الموافق 12 سبتمبر سنة 622م،وحمل أبو بكر ماله كلّه ومعه خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف،فمضيا إلى غار ثور فدخلاه وضربت العنكبوت على بابه بعش، وجعلت قريش فيه حين فقدوه 100 ناقة لمن يردّه عليهم، فخرجت قريش في طلبه حتى وصلوا باب الغار، فقال بعضهم «إن عليه العنكبوت قبل ميلاد محمد» فانصرفوا.
 ومكث محمد وأبو بكر في الغار ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر، حتى خرجا من الغار 1 ربيع الأول، أو 4 ربيع الأول.وبينما هما في الطريق، إذ عرض لهما سراقة بن مالك وهو على فرس له فدعا عليه محمد فرسخت قوائم فرسه، فقال «يا محمد أدع الله أن يطلق فرسي وأرجع عنك وأرد من ورائي»، ففعل فأطلق ورجع فوجد الناس يلتمسون محمد فقال «ارجعوا فقد استبرأت لكم ما ههنا» فرجعوا عنه.
دخول المدينة :
وصل محمد قباء يوم الإثنين 8 ربيع الأول، أو 12 ربيع الأول، فنزل على كلثوم بن الهدم، وجاءه المسلمون يسلمون عليه، ونزل أبو بكر على خبيب بن إساف] وأقام علي بن أبي طالب بمكة ثلاث ليال وأيامها حتى أدّى الودائع التي كانت عند محمد للناس، حتى إذا فرغ منها لحق بمحمد فنزل معه على كلثوم بن هدم.
 وبقي محمد وأصحابه في قباء عند بني عمرو بن عوف 4 أيام، وقد أسس مسجد قباء لهم، ثم انتقل إلى المدينة المنورة فدخلها يوم الجمعة 12 ربيع الأول، سنة 1 هـ الموافق 27 سبتمبر سنة 622م، وعمره يومئذ 53 سنة. ومن ذلك اليوم سُميت بمدينة الرسول r ، بعدما كانت يثرب، ويعبّر عنها بالمدينة مختصرًا أو المدينة المنورة. ولما دخل المدينة، راكبًا ناقته القصواء، تغنّت بنات الأنصار فرحات:
طلع البدر علينا         من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا              ما دعا لله داع
واعترضه الأنصار يكلمونه بالنزول عليهم، فيقول لهم «إنّها مأمورة فخلّوا سبيلها»، حتى انتهت فبركت في مربد لغلامين يتيمين من بني النجار، فأمر ببناء مسجد عليه، وهو المسجد النبوي الآن، ثم جاء أبو أيوب الأنصاري فحطّ رحله فأدخله منزله فقال محمد «المرء مع رحله»، وجاء أسعد بن زرارة فأخذ بزمام راحلته، فكانت عنده،وخرجت جوارٍ من بني النجّار فرحات بقدومه وهنّ يضربن بالدف ينشدن: «نحن جوار من بني النجار، يا حبّذا محمد من جار».
وكان أول شيء يتكلم به في المدينة أن قال «يا أيّها الناس، أفشوا السّلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلّوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام».وبعد أيام وصلت إليه زوجته سودة بنت زمعة، وبنتاه فاطمة وأم كلثوم، وأسامة بن زيد، وأم أيمن، وخرج معهم عبد الله بن أبي بكر بعيال أبي بكر، ومنهم عائشة، وبقيت زينب عند أبي العاص، لم يمكنها من الخروج حتى هاجرت بعد غزوة بدر، بعد أن وقع زوجها أسيرًا لدى المسلمين، ثم أُطلق سراحه شرط أن يترك زينب تهاجر للمدينة.
وقد اتّخذ عمر بن الخطاب من مناسبة الهجرة بداية التاريخ الإسلامي، لكنهم أخّروا ذلك من ربيع الأول إلى محرم لأن ابتداء العزم على الهجرة كان في محرم، إذ كانت بيعة العقبة الثانية في أثناء ذي الحجة، فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هلال محرم، فكان بداية التاريخ الإسلامي والمسمى بالتقويم الهجري. بينما يرى الشيعة أن التاريخ الهجري قد وُضع في زمن محمد، وقد أرّخ به محمد نفسه أكثر من مرة.
المبحث السادس : تأسيس الدولة الإسلامية :
كان أول أمر بدأ به النبي محمد بناء المسجد، فاختار له المكان الذي بركت فيه ناقته، فاشتراه من غلامين كانا يملكانه بعشرة دنانير أدّاها من مال أبي بكر بحسب أهل السنة، فبُني المسجد وسُقف بجريد النخل، وجُعلت أعمدته خشب النخل، وفرشت أرضه بالرمال والحصباء، وكان محمد ينقل معهم اللبن في بناءه، وجُعل له ثلاثة أبواب، وجُعل طوله من القبلة للمؤخرة 100 ذراع، وفي الجانبين مثل ذلك أو دونه، وجُعلت قبلته للمسجد الأقصى حتى نزل الأمر بتحويل القبلة إلى الكعبة بعد ستة عشر شهرًا من الهجرة (2 هـ)، برغبة من محمد.
وقد بنى بيوتًا إلى جانبه، وهي حجرات أزواجه، حيث انتقل إليها بعد تكامل البناء من بيت أبي أيوب الأنصاري بعد أن مكث عنده من شهر ربيع الأول إلى شهر صفر 2 هـ. وبعدما صرفت القبلة إلى الكعبة بشهر نزل فرض شهر رمضان في شعبان على رأس ثمانية عشر شهًرا من الهجرة، وأمر محمد في هذه السنة بزكاة الفطر وذلك قبل أن تفرض الزكاة في الأموال.
وبعد قدومه بخمسة أشهر، آخى بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك، وكانوا 90 رجلًا، نصفهم من المهاجرين، ونصفهم من الأنصار، حتى لم يبقَ من المهاجرين أحد إلا آخي بينه وبين أنصاري. قال محمد لهم «تآخوا في الله أخوين أخوين»، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب وقال «هذا أخي»،فكان الأنصار يقتسمون أموالهم وبيوتهم مع المهاجرين، وكانوا يتوارثون بعد الموت دون ذوي الأرحام إلى حين غزوة بدر، فرد التوارث إلى ذوي الرحم وبقيت الأخوّة.وذكر البلاذري أن محمد قد آخى بين المهاجرين أنفسهم في مكة قبل الهجرة، وأيّد حدوثها الشيعة، بينما رجح ابن القيم وابن كثير من أهل السنة عدم وقوعها.
ثم نظّم محمد r العلاقات بين سكان المدينة المنورة، وكتب في ذلك كتابًا اصطلح عليه باسم دستور المدينة أو الصحيفة، واستهدف هذا الكتاب توضيح التزامات جميع الأطراف داخل المدينة من مهاجرين وأنصار ويهود، وتحديد الحقوق والواجبات، كما نص على تحالف القبائل المختلفة في حال حدوث هجوم على المدينة.
 وعاهد فيها اليهود ووادعهم وأقرّهم على دينهم وأموالهم.وقد احتوت الوثيقة 52 بندًا، 25 منها خاصة بأمور المسلمين و27 مرتبطة بالعلاقة بين المسلمين وأصحاب الأديان الأخرى، ولا سيما اليهود وعبدة الأوثان، لذلك رجح بعض المؤرخين أن تكون في الأصل وثيقتان وليست وثيقة واحدة، كُتبت الأولى (معاهدة اليهود) في سنة 1 هـ قبل غزوة بدر، والثانية (بين المهاجرين والأنصار خاصة) بعد بدر سنة 2 هـ.












الفصل الثالث :
غـــزوات الــــرسول r
·    المبحث الأول : الجهاد في سبيل الله تعالى  
·    المبحث الثاني : أهم غزوات الرسول r
·    المبحث الثالث : حجة الوداع
·    المبحث الرابع : زوجات الرسول r
·    المبحث الخامس : أبناؤه r
·    المبحث السادس : أسماؤه r
·    المبحث السابع : معجزاته r




المبحث الأول : الجهاد في سبيل الله
أحاط الخطر بالمسلمين في المدينة من داخلها وخارجها، بسبب مكائد الكفار للقضاء على المسلمين، فأنزل الله قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [الحج: 39، 40]، فلما أذن الله للمسلمين بالقتال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتب الدوريات العسكرية، ويؤمر عليها أحداً من أصحابه، وربما خرج فيها بنفسه، وقد غزا النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه 19 غزوة، وكان المقصود منها ما يلي:
1)     استكشاف حركات العدو، وتأمين أطراف المدينة حتى لا يؤخذ المسلمون على غرة.
2)     عقد مواثيق التحالف أو عدم الاعتداء مع بعض القبائل.
3)     الضغط على قريش بالتعرض لقوافلهم حتى يشعروا بالخطر على تجارتهم وأموالهم وأنفسهم، فإما أن يسالموا المسلمين، ويتركوهم ينشرون الإسلام، وإما أن يختاروا طريق القتال فيخسروا طريق تجارتهم التي تمر بأطراف المدينة، ويلقوا جزاء عدوانهم بإذن الله.
4)     إبلاغ رسالة الله، ونشر دعوة الإسلام؛ لإخراج الناس من الظلمات إلى النور.
كانت أوّل السّرايا، سرية حمزة بن عبد المطلب، في شهر رمضان على رأس سبعة أشهر من الهجرة، في 30 رجلاً من المهاجرين، خرجوا يعترضون عيرًا لقريش فلم تقع حرب،ثم سرية عبيدة بن الحارث، ثم سرية سعد بن أبي وقاص.
 ثم في صفر سنة 2 هـ وعلى رأس اثني عشر شهرًا من الهجرة، خرج النبي محمد في أول غزوة يغزوها بنفسهوهي غزوة الأبواء أو غزوة ودّان، وحمل لواءه حمزة بن عبد المطلب، واستخلف على المدينة سعد بن عبادة. تلتها غزوة بواط، وغزوة العشيرة وغزوة بدر الأولى.
المبحث الثاني  : أهم الغزوات:
1)     غزوة بدر الكبرى سنة 2ﻫ   624م:
وفي 17 رمضان سنة 2 هـ الموافق مارس عام 624م، حدثت غزوة بدر الكبرى، إذ عزم المسلمون بقيادة محمد، على اعتراض قافلة تجارية قوامها 1000 بعير لقريش يقودها أبو سفيان بعد أن أفلتت منهم في طريق ذهابها إلى الشام.ففي 8 رمضان أو 12 رمضان خرج محمد ومعه 305 رجل،بالإضافة إلى 8 رجال تخلفوا لعذر، فحُسبوا ضمن المشاركين، فكان مجموعهم 313 رجلاً.
وقد خرجوا غير مستعدين لحرب،فلم يكن معهم إلا فرس أو فرسان، وسبعون من الإبل. فلمَّا علم بهم أبو سفيان غَيّرَ طريقه إلى الساحل وأرسل إلى أهل مكة يستنفرهم، فخرج 1000 مقاتل، بقيادة أبي جهل، ومعهم 100 من الفرس، وجمال كثيرة.
والتقى الجمعان عند ماء بدر يوم الجمعة صبيحة 17 رمضان سنة 2 هـ، وكان محمد يحضّ المسلمين على القتال قائلاً «والذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل فيُقتَل صابرًا محتسبًا مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة، ومن قتَل قتيلًا فله سَلَبُهُ»، وقد ورد في القرآن ما يؤكّد مشاركة الملائكة في المعركة لصالح المسلمين في آية )إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ) ولم يمض وقت طويل حتى انتصر جيش المسلمين، وكانت حصيلة المعركة أن قُتل من المسلمين 14 شخصًا، وقُتل من المشركين 70 منهم أبو جهل وأمية بن خلف، وأُسِر 70 شخصًا، وأسلم من الأسرى 16، وكان يُفادي بهم على قدر أموالهم، ومن لم يكن عنده فداء دفع إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة يعلمهم جزاء حرّيته.
 لاحقًا قام محمد بطرد يهود بني قينقاع في غزوة بني قينقاع، إثر قيام أحدهم بكشف عورة إحدى المسلمات في أحد الأسواق، فقام أحد المسلمين فقتله، فتكالب عليه يهود بني قينقاع حتى قتلوه وتحصنوا في حصنهم، فحاصرهم المسلمون يوم السبت 15 شوال سنة 2 هـ، مدة 15 ليلة، ثم تركهم محمد بدون أن يقتلهم وأمر بهم أن يخرجوا من المدينة.
غزوة أحد سنة 3ﻫ   625م:
جهز كفار قريش (3000) مقاتل للانتقام من المسلمين، ووصل هذا الجيش إلى ضواحي المدينة قرب جبل أحد، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم لقتالهم ومعه (700) مقاتل، وعيّن (50) رجلاً من الرماة على جبل صغير ليحموا ظهور المسلمين، وأكّد لهم ألا يتركوا مكانهم حتى يأتي أمره، سواء انتصر المسلمون أو انهزموا.
وبدأت المعركة، ووقعت الهزيمة بالمشركين، وتبعهم المسلمون يقتلون ويأخذون الغنائم، وحينئذ أخطأ الرماة فنزل أكثرهم ليجمعوا الغنائم، فانقض فرسان المشركين على المسلمين من خلف الجبل، ورجع المشركون المنهزمون؛ فانهزم المسلمون، وتشتتوا، ونجح رسول الله صلى الله عليه وسلم في إنقاذ جيشه المطوق، وسحبه إلى شعب الجبل، واكتفى المشركون بما حققوا من نصر فانصرفوا إلى مكة. وفي هذه المعركة شُج رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكُسرت رباعيته، واستُشهد (70) صحابياً، وبلغ عدد قتلى المشركين (22) رجلاً.
3)     فتح مكة سنة 8ﻫ   630م:
كان من نتائج صلح الحديبية أن دخلت قبيلة خزاعة في حلف محمد، وبنو بكر بن عبد مناة بن كنانة في حلف قريش، وكان بين بني الدئل بن بكر وخزاعة حروب وقتلى في الجاهلية، فتشاغلوا عن ذلك لما ظهر الإسلام، فمكثوا في تلك الهدنة نحو السبعة أو الثمانية عشر شهرًا،ثم أغارت بنو الدئل بن بكر على خزاعة على ماء لهم يقال له "الوتير" ليلاً، فقتلوا منهم أناس، وأمدت قريش بني الديل بن بكر بالسّلاح وقاتل بعضهم معهم. ثم جاء أبو سفيان بن حرب قادمًا من مكة يريد تجديد الصلح، فُقوبل بالرفض. ثم أمر محمد بتجهيز الجيش والتحرك نحو مكة وهو يكتم ذلك حتى يبغت قريشًا،واستنفر الأعراب والقبائل المسلمة، فخرج في 10,000 مقاتل يوم 10 رمضان 9 هـ،والناس يومئذ صائمون.
ولما كان بالجحفة لقيه عمه العباس بن عبد المطلب، وكان قد خرج بأهله وعياله مسلمًا مهاجرًا، ثم لما كان بالأبواء لقيه ابن عمه أبو سفيان بن الحارث وابن عمته عبد الله بن أبي أمية فأسلما، ثم عسكر بالجيش في مر الظهران وأُوقدت 10,000 نار، فجاء أبو سفيان بن حرب يتحسس، فلقيه العباس بن عبد المطلب وجاء به إلى محمد فأسلم أبو سفيان.
 وفي يوم الثلاثاء 17 رمضان سنة 8 هـ، تابع الجيش مسيره إلى مكة. في أثناء ذلك مرّ سعد بن عبادة بأبي سفيان قائلاً: «اليوم يوم الملحمة، اليوم تُسْتَحَلُّ الكعبة» فلما بلغ ذلك القول محمدًا قال «كذب سعد، ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة، يوم تُكسَى فيه الكعبة»
ثم رجع أبو سفيان إلى مكة وجعل ينادي بكلمات أعطاها له محمد «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن! ومن أغلق عليه بابه فهو آمن! ومن دخل المسجد فهو آمن». ثم دخل الجيش مكة موزعين، فدخلها خالد بن الوليد ومن معه من أسفلها، ودخلها الزبير بن العوام ومن معه من أعلاها، ودخلها أبو عبيدة بن الجراح من بطن الوادي. وأمرهم أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم. ثم وصل الجيش الكعبة، فدخلوا المسجد، فأقبل محمد إلى الحجر الأسود، فاستلمه، ثم طاف بالبيت، وفي يده قوس، وحول البيت 360 صنمًا، فجعل يطعنها بالقوس ويقول ﴿جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ والأصنام تتساقط على وجوهها.
 ثم خاطب قريشًا فقال « يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟» قالوا «خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم»، فقال «فإني أقول كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، اذهبوا فأنتم الطُلَقَاء».ثم أتى جبل الصفا فعلاه حيث ينظر إلى البيت فرفع يديه فجعل يذكر الله بما شاء أن يذكره ويدعوه، والأنصار تحته يقول بعضهم لبعض «أمّا الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته». فجاءه الوحي بما يقولون، فقال «يا معشر الأنصار، قلتم "أمّا الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته"؟» قالوا: «قلنا ذلك يا رسول الله» قال «فما اسمى إذن، إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، فالمحيا محياكم والممات مماتكم» فأقبل إليه الأنصار يبكون.
المبحث الثالث : حجة الوادع
في شهر ذي القعدة سنة 10 هـ عزم محمد على أداء مناسك الحج، بعد أن مكث في المدينة المنورة 9 سنوات لم يحج فيها أبدًا. فأذّن في الناس أنه خارج، فقدم المدينة بشرٌ كثيرٌ كلّهم يلتمس أن يأتم بمحمد.فكانت حجة الوداع أو حجّة البلاغ أو حجّة الإسلام، لأنه ودّع الناس فيها ولم يحجّ بعدها، ولأنه ذكر لهم ما يحلّ وما يحرم وقال لهم «هل بلغت؟»، ولأنه لم يحج من المدينة غيرها، ولكن حج قبل الهجرة مرات قبل النبوة وبعدها. وفي يوم السبت 25 ذو القعدة سنة 10 هـ خرج محمد على ناقته «القصواء» إلى مكة للحج،وخرج معه حوالي 100,000 من المسلمين من الرجال والنساء، واستعمل على المدينة أبا دُجانة فلما وصل ذا الحليفة أحرم هناك وصلى العصر ثم أكمل مسيره ملبيًا «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إنّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك».
دخل محمد مكة ضحى يوم الأحد 4 ذو الحجة، من الثنية العليا، ودخل المسجد الحرام صبحًا من "باب عبد مناف" المعروف الآن بـ "باب السلام"، ولما أبصر الكعبة قال «اللهم زِد هذا البيتَ تشريفًا وتعظيمًا ومهابةً وبرًا، وزِد مَن شَرَّفه وكرَّمه ممن حجّه أو اعتمره تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا وبرًا».
ثم دخل المسجد فبدأ بالحجر الأسود فاستلمه وبكى، ثم طاف بالبيت سبعًا، ثم صلّى ركعتين عند مقام إبراهيم ثم دخل زمزم فنزع له دلو فشرب منه ثم مجّ فيه ثم أفرغها في زمزم. ثم سعى بين الصفا والمروة سبعًا. وفي 8 ذو الحجة توجه إلى منى فبات فيها. وفي 9 ذو الحجة توجه إلى عرفة فصلى فيها الظهر والعصر جمع تقديم، ثم خطب فيهم "خُطبة الوداع"، جاء فيها:
محمد     إنّ دماءكم وأموالكم حرامٌ عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا. ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمَيّ موضوعٌ، ودماء الجاهلية موضوعةٌ. فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهنّ بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله. ولكم عليهنّ أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن ضربًا غير مبرّح. ولهنّ عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله وأنتم تُسألون عنّي، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأدّيت ونصحت. فقال: اللهم اشهد، اللهم اشهد، ثلاث مرات    وفي ذلك الموقف على جبل عرفة، نزلت الآية القرآنية ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾، .
المبحث الرابع : زوجات الرسول r
فالمتَّفق عليه من زوجاته إحدى عشرة. القرشيات منهنّ ست، هن: خديجة بنت خويلد، وسودة بنت زمعة، وعائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر بن الخطاب، وأم سلمة، وأم حبيبة.والعربيات من غير قريش أربع، هن: زينب بنت جحش، وجويرية بنت الحارث، وزينب بنت خزيمة، وميمونة بنت الحارث. وواحدة من غير العرب وهي صفية بنت حيي من بني إسرائيل. وتبقى مارية القبطية وهي من مصر. وتوفِّيت اثنتان من زوجات النبي محمد حال حياته، وهما خديجة بنت خويلد وزينب بنت خزيمة.

المبحث الخامس : أبناؤه  r:
كان لمحمد من الأولاد ثلاثة بنين وأربع بنات، جميعهم من زوجته خديجة إلا إبراهيم فهو من مارية، وكل أولاده ماتوا في حياته إلا فاطمة فإنها توفيت بعده.وأولاده البنين هم: القاسم (وبه يُكنّى، توفي وعمره عامان)وعبد الله (الطّيّب الطاهر) وإبراهيم (عاش في المدينة سنة ونصف)، وأما البنات فهنّ: زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة. أما زينب فقد تزوجها ابن خالتها أبو العاص بن الربيع قبل الهجرة، وأما رقية وأم كلثوم فقد تزوجهما عثمان بن عفان الواحدة بعد الأخرى، وأما فاطمة فتزوجها علي بن أبي طالب بين بدر وأحد، وليس في بناته من كانت لها ذرية إلا ما كان من ذرية فاطمة، فكان لها الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم.
مواليه وخدامه
امتلك محمد عددًا من الموالي، منهم: زيد بن حارثة الكلبي (وكان قد تبنّاه قبل الإسلام قبل إلغاء التبني) وابنه أسامة، وثوبان بن بجدد وأبو هند، وأبو لبابة، وأبو رافع.ومن الإماء امتلك مارية القبطية (على خلاف في أنه هل أعتقها فتزوجها أم لا)، وريحانة بنت زيد (إحدى سبايا بني قريظة). وأما خدامه، فكان ألزمهم خدمة للنبي محمد أنس بن مالك الخزرجي، وكان يخدمه أيضًا بلال بن رباح الحبشي، وعبد الله بن مسعود الهذلي، وأبو ذر الغفاري الكناني، وغيرهم.
المبحث السادس  : أسماؤه r :
ورد في التراث الإسلامي أنه كان لمحمد عدّة أسماء، فكان يقول عن نفسه «إن لي أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يُحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب»، وقال أيضًا «أنا نبي الرحمة، ونبي التوبة، ونبي الملحمة» . وقد اختلف علماء الدين الإسلامي في أسماء كثيرة أخرى، فجعلها بعضهم كعدد أسماء الله الحسنى تسعة وتسعين اسمًا، وعدّ منها الجزولي في "دلائل الخيرات" 200 اسم، وأوصلها ابن دحية إلى 300 اسم. وقد كان من أهم أسباب الخلاف أن بعضهم رأى كل وصف وُصف به النبي في القرآن من أسمائه. في حين قال آخرون إن هذه أوصاف وليست أسماء أعلام. قال النووي: «بعض هذه المذكورات صفات، فإطلاق الأسماء عليها إنما هو مجاز».
المبحث السابع : معجزاته r :
يؤمن المسلمون جميعًا بأن المعجزة الكبرى للنبي محمد والتي تحدّى بها الناس هي القرآن.ثم أثبت أغلبهم معجزات حسيّة أخرى لمحمد منسوبة إليه في كتب الحديث، وقد عارضها قومٌ لِمَا نزل في القرآن بأنّ محمدًا لم يُؤتَ معجزات إلا القرآن،في آية " وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآَيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا  "  بينما تمسّك الأخرون بإثباتها باعتبار أنه لم يُقصَد بها التحدّي وإقامة الحجّة على صدق محمد، بل كانت تكريمًا له وتأييدًا، وعناية به.
القرآن :
بحسب اعتقاد المسلمين، فإنَّ القرآن هو معجزة النبي محمد الأساسية التي لم يستطع أحد على مر العصور أن يأتي بمثله بالرغم من تحدّيه بذلك،حيث ورد في القرآن " قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا "
 ويتمثل إعجاز القرآن بشكل أساسي في بلاغته وفصاحته، فكان الإعجاز اللغوي هو أول وأهم أسباب إعجاز القرآن، والذي يشمل عدة أوجه، منها حسن تأليفه والتئام كلمه وفصاحته، ومنها صورة نظمه العجيب والأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام العرب ومنهاج نظمها ونثرها الذي جاء عليه ووقفت عليه مقاطع آياته وانتهت إليه فواصل كلماته ولم يوجد قبله ولا بعده نظير له. ومن وجوه الإعجاز الأخرى ما انطوى عليه من الأخبار بالمغيبات وما لم يكن فوجد كما ورد، وما أنبأ به من أخبار القرون الماضية والشرائع السالفة. وحديثًا ظهر تيار يعتقد بوجود إعجاز علمي في القرآن، حيث تفسر بعض الآيات على أنها تثبت نظريات علمية لم يكتشفها العالم إلا بعد فترة طويلة جدًا من ظهور القرآن.

الخاتمة :
وفاة رسول الله r
كان أوّل ما أُعلم به النبي محمد باقتراب أجله ما أُنزل عليه في فتح مكة،من سورة النصر: " إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ "  وكان ابتداءُ مرضه الذي تُوفي فيه أواخر شهر صفر سنة 11 هـ بعد أن أمر أسامة بن زيد بالمسير إلى أرض فلسطين، لمحاربة الروم، فاستبطأ الناس في الخروج لوجع محمد. وكان أول ما ابتدئ به من وجعه أنه خرج إلى البقيع ليلاً فاستغفر لهم ثم رجع إلى أهله، فلما أصبح ابتدئ وجعه، وكان صداع الرأس مع حمّى.
وفي أحد الأيام خرج محمد على أصحابه عاصبًا رأسه، حتى جلس على المنبر فقال «عبدٌ خيّره الله بين أن يؤتيَه زهرةَ الدنيا وبين ما عنده، فاختارَ ما عنده»، ففهم أبو بكر وبكى وقال «فديناك بآبائنا وأمّهاتنا»، فقال محمد «إنّ أمنّ الناس عليّ في ماله وصحبته أبو بكر، ولو كنت متخذًا خليلاً، لاتخذتُ أبا بكرٍ خليلاً، ولكن إخوة الإسلام. لا تبقينَّ في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر»، ثم خطب فيهم مرات عديدة دعا فيها إلى إنفاذ جيش أسامة بن زيد، وأوصى المسلمين بالأنصار خيرًا.
 ولما ثقُل عليه المرض، أمر أبا بكر أن يصلي بالناس، وعاد جيش أسامة بن زيد إلى المدينة بعد أن عسكر خارجها منتظرًا ماذا يحلّ بمحمد. وقبل وفاته بستة أيام تجمع عنده عدد من الصحابة فقال لهم وهو يبكي «مرحبًا بكم وحيّاكم الله، حفظكم الله، آواكم الله، نصركم الله، رفعكم الله، هداكم الله، رزقكم الله، وفقكم الله، سلمكم الله، قبلكم الله، أوصيكم بتقوى الله، وأوصي الله بكم، وأستخلفه عليكم». وكانت عامة وصيته حين حضره الموت «الصلاة، وما ملكت أيمانكم». ولما كان يوم الإثنين الذي توفي فيه، بعد 13 يومًا على مرضه، خرج إلى الناس وهم يصلون الصبح ففرحوا به، ثم رجع فاضطجع في حجر عائشة بنت أبي بكر، فتُوفي وهو يقول «بل الرفيق الأعلى من الجنة»، وكان ذلك ضحى يوم الإثنين ربيع الأول سنة 11 هـ، الموافق 8 يونيو سنة 632م وقد تّم له 63 سنة.‏
فلما توفي قام عمر بن الخطاب، فقال «والله ما مات رسول الله r ، وليبعثنه الله فليقطعنّ أيدي رجال وأرجلهم»، وجاء أبو بكر مسرعًا فكشف عن وجهه وقبّله، وقال «بأبي أنت وأمّي، طبتَ حيًا وميّتًا»، ثم خرج وخطب بالنّاس قائلاً «ألا من كان يعبد محمدًا r ، فإنّ محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت»، وقرأ " وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ " قيل «فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر يومئذ».وقالت ابنته فاطمة الزهراء «يا أبتاه، أجاب ربا دعاه. يا أبتاه، من جنة الفردوس مأواه. يا أبتاه، إلى جبريل ننعاه».  ثم أقبل الناس يوم الثلاثاء على تجهيز محمد، فقام علي بن أبي طالب والعباس بن عبدالمطلب والفضل بن العباس وقثم بن العباس وأسامة بن زيد وشقرآن مولى محمد، بتغسيله وعليه ثيابه.
 ثم قام الصحابة برفع فراش محمد الذي توفي عليه في بيت عائشة، فحفر أبو طلحة الأنصاري له قبرًا تحته. ثم دخل الناس يصلون عليه أرسالاً، دخل الرجال، ثم النساء، ثم الصبيان، ولم يؤم الناس أحد. ثم أنزله القبرَ عليّ والعباس وولداه الفضل وقُثَم، ورشّ قبره بلال بالماء، ورُفع قبره عن الأرض قدر شبر،وكان ذلك في جوف الليل من ليلة الأربعاء.
بعد وفاته :
بعد وفاة محمد اختلف أتباعه على هوية الشخص الذي سيخلفه في الحكم،حيث اجتمع جماعة من المسلمين في سقيفة بني ساعدة فرشح سعد بن عبادة نفسه وأيده في ذلك الأنصار، في حين رشح عمر بن الخطاب أبا بكر مؤكدًا على أحقية المهاجرين في الخلافة. ولقي هذا الترشيح تأييد المسلمين ممن كانوا في السقيفة.
بعد استقرار الأمر لأبي بكر في المدينة، عمل على حماية المدينة ومحاربة بعض القبائل التي ارتدت عن الإسلام ومنعت الزكاة، وبعض ممن اعتبرهم المسلمون مدعي النبوة، فيما عرف تاريخيًا بحروب الردّة، مثل معركة اليمامة لقتال بني حنيفة والذي ادّعى فيهم مسيلمة بن حبيب النبوة.
 كما أرسل أبو بكر جيش أسامة بن زيد لمحاربة الروم رغم اعتراض البعض لصغر سن قائدها ولانتشار الردة في بعض الصفوف. ثم سار أسامة فكان لا يمرّ بقبيلة انتشر فيها الارتداد إلا أرجعها إلى الإسلام. ولما وصل أسامة إلى بلاد الروم قاتلوهم وانتصر المسلمون. كما عمل أبو بكر على توسيع نفوذ الدولة بإرسال قوات عسكرية إلى مختلف المناطق.








المراجع والمصادر :
1.    السيرة النبوية (من البداية والنهاية لابن كثير)، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (المتوفى: 774هـ) تحقيق: مصطفى عبد الواحد الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع بيروت - لبنان عام النشر: 1395 هـ - 1976 م
2.    الشمائل الشريفة ، المؤلف / الإمام جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ، تحقيق : حسن بن عبيد باحبيشي ،دار النشر / دار طائر العلم للنشر والتوزيع ، عدد الأجزاء / 1
3.    المقتفى من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ،  المؤلف / الإمام المؤرخ الأديب الحسن بن عمر بن حبيب ،تحقيق : د مصطفى محمد حسين الذهبي دار النشر / دار الحديث ،    الطبعة : الأولى ، القاهرة - مصر - 1416هـ - 1996م
4.    السيرة النبوية عند الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ، المؤلف : سليمان بن عبد الله السويكت ، الناشر : مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة
5.    السيرة النبوية من خلال أهم كتب التفسير، عصام بن عبد المحسن الحميدان ، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة ، موقع مكتبة المدينة الرقمية
6.    كتاب سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، تقي الدين بن بدر الدين الندوي ، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة ، موقع مكتبة المدينة الرقمية
7.    مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الرابع)، محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (المتوفى : 1206هـ)
8.    تهذيب سيرة ابن هشام ، عبد السلام هارون ، موقع الوراق السيرة النبوية (سيرة ابن هشام) (ت: تدمري) ، عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري ، تحقيق : عمر عبد السلام تدمري ، دار الكتاب العربي ، سنة النشر: 1410 – 1990
9.    السيرة النبوية (سيرة ابن إسحاق) (ط. العلمية) ، محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي، المحقق: أحمد فريد المزيدي/  سنة النشر: 1424 – 2004
10.الرحيق المختوم ، صفي الرحمن المباركفوري ،  مصدر الكتاب : ملتقى أهل الحديث
11.      الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ابن كثير ، مصدر الكتاب : موقع صيد الفوائد ، قام بفهرسته / أبو أيوب السليمان 1427هـ
12.صحيح البخاري ، محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي ، دار ابن كثير ، سنة النشر: 1414هـ / 1993م 


هل اعجبك الموضوع :
التنقل السريع