الحماسة الكبرى لأبي تمام
من هو أبو تمّام؟
هو حبيب بن أوس بن الحارث الطائيّ.
يكنّى بأبي تمّام.
ولد في قريةٍ تُدعى جاسم من قرى
دمشق بسوريا عام 190هـ . وتوفي عام 231هـ كان محبّاً للعلم والشّعر؛ حيث حفظ الكثير
من الشّعر، وقلّد العديد من الشعراء.
حفظ عن العرب عشرة آلاف أرجوزة،
والعديد من القصائد والمقاطع الشعريّة.
ارتحل إلى مصر في سبيل طلب العلم،
وعمل في سقاية الماء.
كان يتردّد على جامع عمرو بن العاص
بالفسطاط للالتحاق بحلقات العلم والأدب وعلوم الدّين.
استقى الكثير من آداب العلماء
والشّعراء حتّى أصبح شاعراً فذّاً بارعاً.
كان أجشّ الصوت؛ حيث كان يصطحب
معه راويةً حسن الصّوت فينشد شعره بين يدي الخلفاء والأمراء.
قال عنه البحتريّ: " لو رأيت
أبا تمّام لرأيت أكمل النّاس عقلاً وأدباً وعلمت أنّ أقلّ شيءٍ فيه شعره".
برع في شعر المدح حتّى أجزل له
الأمراء والسّادة العطايا.
شعره :
يعتمد مذهب أبو تمّام في الشعر على الجمع بين
عناصر العقل والوجدان والزخرفة مع الأخذ في الاعتبار عناصر الحضارة العربيّة وثقافتها.
مدح المعتصم بعد فتح حصن عمّوريّة؛ وهو من حصون
الرّوم المنيعة، وكان المنجّمون قد أشاروا على الخليفة المعتصم بعدم الإغارة على الحصن
لأنّهم رأوا أنّ الوقت غير مناسبٍ لذلك، ولم يبال المعتصم برأيهم، وأغار على الحصن
ففتحه. ولذلك أنشد فيه أبو تمّام قصيدةً يقول في مطلعها:
السّيف أصدق أنباءً من الكـــتب فـي حدّه الحدّ بين الجدّ واللعـب بيض الصّفائح
لا سود الصّحائف في متونهنّ جلاء الشكّ والرّيب
مؤلفاته :
فحول الشعراء
ديوان الحماسة
مختار أشعار القبائل
نقائض جرير والأخطل
وديوان شعره
كتاب الحماسة :
ظروف تأليف الكتاب ودواعيه
قد حمل العصر العباسي بذور التغيير
والتجديد على المستويات كافة، ما أدي إلى تطور الأذواق، فاتجه الناس ينهلون من معطيات
الحضارة الجديدة، ويتفاعلون معها، وكان من أثر ذلك التغير ابتعاد القارئ العربي عن
مطالعة المطولات الشعرية، واستعاض عنها بالمقطوعات القصيرة التي تتلاءم مع ذوقه من
حيث الشكل والمضمون. وهكذا صار الشعراء يهتمون بالمقطوعات القصيرة.
وأكثر من ذلك أخذ بعض كبار الأدباء والنقاد
يجمعون من هذه القصائد ما يحلو لهم تلبية لرغبات الجمهور، ورتبوها حسب المعاني الشعرية
لتشمل الأغراض المختلفة. وأقدم ما عرفناه من هذه الاختيارات ما جمعه أبو تمام واشتهر
عند المتأخرين وعرف باسم الحماسة تسمية له بأول أبوابه، وله أبواب أخرى سيأتي ذكرها.
قصة تأليف الكتاب :
كان أبو تمام قد توجه إلى خراسان ليمدح عبد
الله بن طاهر بن الحسين، ولما كان في طريق عودته مارا بهمذان استضافه أبو الوفاء بن
سلمة أحد فضلاء المدينة وأكرم وفادته وكان الفصل شتاء، وأصبح أبو تمام ذات يوم ليجد
الثلوج قد تراكمت وسدت المنافذ والدروب، فأصاب الحزن صدر أبي تمام وسأل مضيفه عن المدة
التي يذوب فيها الثلج فقال له المضيف: وطن نفسك على هذا المقام فإن هذا الثلج لا ينحسر
إلا بعد زمان غير قصير. وهنا لم يجد أبو تمام بدا من أن يتوفر على القراءة في مكتبة
مضيفه فجمع خلال تلك المدة فصولا من الشعر ضمت منه فنونا وفصولا فأطلق عليها اسم «الحماسة»
على اعتبار أن أول أبواب المجموعة كان في هذا الضرب من الشعر.
وصف الحماسة
تضم الحماسة 881 قصيدة أو مقطوعة أو حماسية ،
وتسمى بالحماسة الكبرى تمييزا لها عن حماسة أخرى للشاعر أصغر حجما وأقل من حيث عدد
القصائد والمقطوعات تعرف بالحماسة الصغرى؛ كما تعرف باسم « الوحشيات» وإن لم يكن بينهما
كبير فرق في الأبواب والموضوعات.
كتاب الحماسة يشمل عدة أبواب:
الحماسة المراثي
الأدب ( بمعنى السلوك والتربية) النسيب
الهجاء الأضياف
المديح السير والنعاس
الصفات الملح
مذمة النساء
وباب الحماسة وما قيل فيه من شعر
يفوز بنصيب الأسد من حيث عدد القصائد والمقطوعات التي قيلت فيه، وقد بدأ أبو تمام اختياراته
الحماسية بالقصيدة المشهورة لأبي العنبر:
لو كنت من مازن لم تستبح إبلي *** بنو
اللقيطة من ذهل بن شيبانا
إذن لقام بنصري معشر خشن *** عند الحفيظة
إن ذو لوثة لانا
قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم
*** قاموا إليه
زرافات ووحدانا
لا يسألون
أخاهم حين يندبهم
*** في النائبات على ما قال برهانا
لكن قومي وإن كانوا ذوي حسب *** ليسوا
من الشر في شيء وإن هانا
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة *** ومن إساءة أهل السوء إحسانا
كأن ربك لم يخلق
لخشيته *** سواهم
من جميع الناس إنسانا
منهج أبي تمام في الاختيار
يقول المرزوقي – شارح الحماسة
كذلك – غنه " لم يعمد من الشعراء إلى المشتهرين منهم دون الأغفال ، ولا من الشعر إلى المتردد في الأفواه ، المحبب لكل داع ، فكان أمره أقرب – بل اعتسف
في دواوين الشعراء ، جاهليتهم ومخضرمهم وإسلاميهم ومولدهم ،، واختطف منها الأرواح
دون الأشباح ، واخترف الأثمار دون الأكمام ، وجمع ما يوافق نظمه ويخالفه ، لأن
ضروب الاختيار لم تخف عليه ، وطرق الإحسان والاستحسان لم تستر عنه حتى إنك تراه
ينتهي إلى البيت الجيد فيه لفظة تشينه ، فيجبر نقيصته من عنده ، ويبدل الكلمة
بأختها في نقده " .
ومعنى هذا أن أبا تمام كان
يختار الشعر الذي يروقه دونما اعتبار لمدى شهره صاحبة ، وأنه لم يشأ أن يعرض على
الناس ما هو مشهور ومتداول بينهم ، بل شاء أن يضع بين أيديهم نماذج جديدة من الشعر
الرائع ، لم يلتفتوا إليها من قبل ، ولأنه شاغر ذواقة مرهف العقل " الحس
" كان يعرف كيف يستخرج من القصيدة أروع ما فيها ، فإذا اصطدم حسه بلفظة قلقة
استبدل بها غيرها ، حتى يستوفي الكلام عناصر الحسن اللائق هبه .
وقد نتج عن كل هذا أن كانت
مختارات الحماسة مقطعات لا قصائد كاملة كما كان الشأن في المفضليات وما سار على
نهجها من المختارات ، فأطول مختاره في الحماسة لا تزيد عن اثنين وعشرين بيتاً،
وأغلب المختارات يتراوح بين ستة أبيات وتسعة ، على أنها قد تكون في بعض الأحيان
بيتاً واحداً .
ونتج عن هذا أيضاً ورود كثير
من المختارات في الحماسة لشعراء مغمورين ، بل يحدث كذلك أن ترد النماذج المختارة
دون تعيين قائليها ، كأنما كانت غاية وكد أبي تمام أن يدل على الشعر من حيث هو ،
أي بالنظر إلى قيمته الفنية الصرف .
خصائص وسمات حماسة أبي تمام :
- الذوق الرفيع في الاختيار :
أولاً : الذوق الرفيع الذي
اتسم به اختيار أبي تمام للقصيدة او المقطوعة من حيث تصويرها للغرض الذي اختيرت من
أجله ، وهذا يبين مدى الجهد الذي بذله أبو تمام في انتقاء هذه المختارات فضلاً عن
موهبته وجلده ، وهو يعمد إلى الشعر الجيد الذي يقفي بالغرض الذي جمعه ونال إعجابه
بسببه بغض النظر عن شهرة الشاعر أو غمرته ، ومن ثم فإن كثيراً من قصائد الحماسة
ومقطوعاتها لشعراء مغمورين ، بل أحياناً لشعراء غير معروفة أسماؤهم ، وإن هذه
الإجادة في الانتقاء والبراعة في الاختيار جعلت التبريزي أحد شارحي " الحماسة
" ينسب إلى بعض المتأدبين قولهم : إن أبا تمام في اختياره الحماسة أشعر منه
في شعره .
-
الامتداد
الزمني في الاختيار .
ثانياً : نود أن نلفت النظر
إلى أنه ليس صحيحاً ما ذكره بروكلمان وهو يتحدث عن حماسة أبي تمام من أنه قصر
اختياره على شعراء الجاهلية والإسلام فإن أبا تمام وسع دائرة اختياره ابتداء من
الشعراء الجاهليين وانتهاء بشعراء معاصرين له ، مروراً بطبيعة الحال بالإسلامينن ،
والأمويين ، ومخضرمي الدولتين من أمثال أبي حية النميري والحسين بن مطير الأسدي ،
معرجاً على رواد المرحلة العباسية من أمثال مسلم بن الوليد ، وأبي نواس ، وأبي العتاهية
، وأبي الشيص ، ومنصور النمري ، وأكثر هؤلاء قد عاصروه ، بل أن منصوراً النمري ولد
معه في سنة واحدة 188 هـ ، وماتاً معاًُ في سنة واحدة هي سنة 231 هـ ، بل إنه جاء
بإحدى المختارات التي يشتبه في إنها لدعبل الخزاعي الذي عمر طويلاً وولد قبل مولد
أبي تمام ومات بعد موته 148 -246 هـ ـ بل أنه هجا صاحب الحماسة ، وربما كان ذلك
السبب الرئيسي – فيما لو صحت الرواية – في عدم نسبة الحماسية لشاعر بعينه .
- غلبة موضوع الحماسة على الكتاب :
ثالثاً : خذ أبو تمام موضوع
الحماسة وحده بمائتين وإحدى وستين حمتاسية ، فإذا كانت المختارات كلها ثمانمائة
وإحدى وثمانين حماسية يكون موضوع الحماسة يشكل أكثر من ربع الكتاب ، ومن ثم يكون
أكثر شعرائه من الجاهليين والإسلاميين ، الأمر الذي أوقع برو كلمان في الخطأ الذي
سبقت الإشارة إليه من قبل قليل وتكون تسمية الكتاب بهذا العنوان الذي أطلقه عليه جامعة
تسمية مناسبة , والموضوع الذي يلي " الحماسة " من حيث عدد المقطوعات أو
الحماسيات حسبما يسميها المؤلف أو الشارح –
هو الغزل الي يجمع له أبو تمام مائة وأربعين مقطوعة ، وتأتي بعد ذلك حماسيات
المراثي وعددها مائة وسبع وعشرون ، وتتوزع بقية الحماسيات على بقية الأغراض التي
جاءت في صدر حديثنا عن موضوعات كتاب الحماسة .
- كثافة حضور لمرأة في كتاب الحماسة :
رابعاُ : إذا كانت المرآة قد
جرى ذكر مذمتها في باب من أبواب الكتاب فإن أبا تمام لم يمهل شعرها ، بل اختار
للمرأة العربية ، من نماذج من رفيع الشعر ورائعه بثها من خلال أبواب الديوان ، وإن
كان قد ركز عليها كشاعرة تحسن الرثاء وتجيده في صدق وعمق ، وهذا الأمر في حد ذاته
ينصف المرأة العربية ويكرمها كأم وأخت وزوجة وابنة ، لقد أورد أبو تمام في باب
الرثاء أكثر من عشرين مقطوعة وقصيدة قالتها المرأة العربية في رثاء أب أو أخ أو أم
أو زوج أو ابن ، ومن هؤلاء الشاعرات قتيلة بنت النضر بن الحارث ترثى أباها ، وزينب
بنت الطثرية ترثي أخاها يزيد ، وعمرة الخثعمية ترثي ابنيها ، وعمرة بنت مرداس ترثي
أخاها عباساً ، وريطة بنت عاصم ، والعوراء بنت سبيع ، وعاتكة بنت زيد بن نفيل ،
وغيرهن كثيرات ، حبذا لو كان أبو تمام خص شعر المرأة بباب منفرد فإن أكثر ما قالته
المرأة العربية ضاع بين ما ضاع من كنوز شعر الآخرين .
- اهمية حماسة أبي تمام :
- الأهمية الأدبية
-
لديوان
الحماسة أهمّيّة كبرى بالنسبة للباحثين عن كنوز الشِّعر العربي، كما يحوز قيمة
وأهمية أخرى بالنسبة للباحثين عن المعاني، وأجمل ما قيل في هذا الشأن، انتهالها من
ينابيعها الأولى. وطبعاً ذلك لما يحويه الكتاب، من درر المعاني وكنوز الألفاظ.
- الأهم تاريخياً
-
تعد
"حماسة" أبي تمام، أهمَّ اختيار شعري في التاريخ الأدبي، إذ حفظتْ
كثيراً من شعر الشعراء المقلين والمجهولين في التاريخ الأدبي..
-
وأبرز
شعرُ الحماسةِ الكثير من القيم الإنسانية والعربية، مثل: الشجاعة، المروءة، الصبر،
الكرم، التعفف. فلا عجب أن يقول بعض النقاد القُدامَى: "إن أبا تمام في اختياره
الحماسة، كان أشعرَ منه في شعره". ويحلو لبعض القدامى، أن يسمي هذا الديوان،
الذي جمع آلاف الأبيات من الشعر العربي، بـ"الحماسة الكبرى".. ولأبي
تمام تجميع شعري اسمه "الحماسة الصغرى" (كتابُ الوحشيات).
الحماسة وحماسات أخرى :
لعل أكثر ما يدلل على أهمية تأثير
كتاب "الحماسة" في محتواه ومنهجه، كثرة مَنْ سمّى كتابه باسمه. ومن بين المؤلفات
من هذا القبيل:
"الحماسة" للوليد بن
عبادة البحتري تلميذ أبي تمّام ومُعارضه في حماسته،
الحماسة العسكرية لأبي هلال العسكري،
الحماسة للأعْلَم الشمنتري المتوفّى
سنة 476 هـ،
الحماسة للخالديين: أبي عثمان
سعيد وأبي بكر محمّد ابنيْ هاشم (وتُعرَف حماستهما (بالأشباه والنظائر)
اقتباس من باب مذمة النساء :
قال شاعر:
دِمَشْقُ خُذيهَا وَاعلَمي أنّ
ليْلةً ... تَمُرُّ بِعُودَيْ نعْشِها ليْلةُ القَدْرِ "
أكَلْتُ دَماً إنْ لمْ أرُعْكِ بضَرّةٍ ... بَعيدَةِ
مَهْوى القُرْطِ طَيِّبةِ النَّشْرِ
وقال آخر:
سَقى اللهُ دَاراً فَرَّق الدَّهْرُ
بيْنَنا ... وبَيْنَكِ فِيها وَابِلاً سائِلَ القَطْرِ
وَلا ذَكرَ الرَّحْمَنُ يوْماً
وَليْلةً ... مَلَكْناكِ فِيها لمْ تكُن ليْلةَ البَدْر
وقال آخر في امرأة طلقها:
رحَلَتْ أُنَيْسَةُ بِالطَّلاقِ
... وعَتَقْتُ مِنْ رِقِّ الوْثَاق
بانَتْ فلمْ يأْلَمْ لَها ...
قَلْبي وَلْم تَبْكِ المَآقِي
وَدَواءُ مَالاَ تَشْتَهيهِ
... النَّفسُ تعْجيلُ الْفِرَاقِ
لوْ لمْ أُرَحْ بِفِراقِها
... لأرَحْتُ نَفْسي بِالإِبَاقِ .....
وقال آخر:
لاَ تنكِحَنَّ الدَّهرَ مَا عِشتَ
أيِّماً ... مُخرَّمةً قدْ مُلَّ مِنها وَمَلَّتِ " - "
تَحُكّ قَفاهَا منْ وَراءِ خِمَارِها
... إذا فقَدَتْ شَيئاً من البَيتِ جُنَّتِ " - "
تجُودُ برِجْلَيْها وَتَمنَعُ
دَرَّها ... وَإنْ طُلبَتْ مِنها المَودَّةُ هَرَّت "