التفسير والتأويل
Ø مقدمة :
القرآن
الكريم هو نص إلهي رباني معصوم المتعبد بتلاوته والمنقول بالتواتر الينا ، أي هو كلام
الله سبحانه المنزل منجما ومفرقا ، وذلك بحسب الأحوال والأحداث والوقائع في ثلاث وعشرين
سنة على نبيه محمد بن عبدالله خاتم الأنبياء والرسل – عليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام – .
كما
ذكرنا فإن القرآن الكريم هو النص الوحيد المعصوم في الإسلام الذي تكفَّل الله تعالى
بحفظه مثلما جاء في قوله سبحانه : { إنا نحن نزلنا الذِكْرَ وإنا له لحافظون } الحِجْر
/ 9
فالقرآن
الحكيم يشتمل على جملة من العلوم والمعارف ، وعلى محاور كثيرة متعددة ومختلفة كالتعاليم
والأحكام التعبدية والايمانية والفردية والعائلية والاجتماعية والتاريخية والقصص والأمثال
وغيرها . لذا فإن كل هذه المحاور والعلوم القرآنية بحاجة الى التفسير من قبل علماء
يلمون بأصول التفسير وقواعده وضوابطه .
قال
ابن فارس: معاني العبارات التي يعبر بها عن الأشياء ترجع إلى ثلاثة: المعنى
والتفسير والتأويل، وهي إن اختلفت فالمقاصد بها متقاربة.
ويراد
بالمعنى القصد والمراد، يقال عنيت بهذا الكلام كذا أي قصدت، وهو مشتق من الإظهار
ويقال عنت القربة إذا أظهرت الماء ولم تحفظه، ومنه عنوان الكتاب، وتطلق لفظة علماء
المعاني على من صنف في معاني القرآن كالزجاج والفراء وابن الأنباري، وأهل المعاني
هم العلماء الذين اختصوا بهذا العلم.
Ø تعريف التفسير لغة
التفسير
في اللغة: قال ابن فارس في مقاييس اللغة: (فـ سـ ـر) الفاء والسين والراء كلمة
واحدة تدل على: بيان الشيء وإيضاحه. من ذلك الفسر، يقال: فسرت الشيء وفسرته.
والفسر والتفسيرة: نظر الطبيب إلى الماء (أي البول)، وحكمه فيه.
وقال
الراغب في المفردات: الفسر و السفر يتقارب معناهما كتقارب لفظيهما، وجعل الفسر
لإظهار المعنى المعقول، وجعل السفر لإبراز الأعيان للأبصار، يقال: سفرت المرأة عن
وجهها وأسفر الصبح.
وذهب
أبو حيان إلى أن التفسير يراد به التعرية، يقال: فسرت الفرس إذا عريته لينطلق،
ومعنى التفسير هنا يعبر عن معنى الكشف، ومعظم ما جاءت به لفظة التفسير في اللغة
معبرة عن معنى الكشف والبيان.
واستعمل
القرآن كلمة التفسير مرة واحدة في سورة الفرقان، في قوله تعالى: (ولا يأتونك بمثل
إلا جئناك بالحق و أحسن تفسيرا) الفرقان 33. أي: بيانا.
وقال
ابن عباس في قوله تعالى: وأحسن تفسيرا أي: تفصيلا.
Ø ما هو التأويل لغة؟
التأويل
في اللغة: مأخوذ من الأول وهو الرجوع والصيرورة، ومنه: آلت إليه السلطة، أي: رجعت
إليه، وقد وردت في القرآن الكريم فاستعملت مصدرا في قوله تعالى: (وما يعلم تأويله
إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به) آل عمران 7.
وقد
وردت في آيات قرآنية أخرى، ومعناه: تحقق الوقوع، قال تعالى على لسان نبيه يوسف
عليو السلام: (هذا تأويل رؤياي)، أي تحقق وقوعها.
ولم
يرد استعمال كلمة التأويل إلا في المقام الذي يعز فيه البيان، ويدقّ فيه الفهم،
كالآيات المتشابهات والأحلام والرؤى، والمصير المجهول.
Ø تعريف التفسير اصطلاحا
اختلف
العلماء في تعريف التفسير، ولا حدود لاجتهادات العلماء في تفسير هذا العلم. فكل
عالم عرف علم التفسير بما يراه الأقرب والأدق، في معرفة المعاني القرآنية، وينظر
من زاوية تختلف عن الزاوية الأخرى.
قال
الزركشي: التفسير هو: علم نزول الآية وسورتها وأقاصيصها والإشارات النازلة فيها،
ثم ترتيب مكيها ومدنيها ومحكمها ومتشابهها وناسخها ومنسوخها وخاصها وعامّها
ومطلقها ومقيّدها ومجملها ومفسرها.
أما
السيوطي فقد عرّف التفسير بقوله: التفسير هو علم يبحث فيه عن أحوال الكتاب العزيز،
أي من جهة نزوله وسنده وأدائه وألفاظه، ومعانيه المتعلقة بالألفاظ والمتعلقة
بالأحكام وغير ذلك.
فالمراد
بكلمة نزوله: ما يشمل سبب النزول ومكانه وزمانه.
والمراد
بكلمة ألفاظه: ما يتعلق باللفظ من ناحية كونه حقيقة أو مجازا صحيحا أو معتلا،
معربا أو مبنيا.
والمراد
بمعانيه المتعلقة بألفاظه: ما يشبه الفصل والوصل.
والمراد
بمعانيه المتعلقة بأحكامه: ما هو من قبيل العموم والخصوص والإحكام والنسخ.
و
أفضل تعريف للتفسير: هو علم يبحث فيه عن القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد
الله بقدر الطاقة البشرية.
Ø تعريف التأويل اصطلاحا
جاءت
لفظة التأويل في القرآن في قوله تبارك وتعالى: (ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرا)
الكهف 82.
وقوله
تعالى: (يوم يأتي تأويله) الأعراف 53.
وقوله
جل في علاه: (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة
وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله) آل عمران 7.
وقوله
سبحانه: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم
الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) النساء 59.
واستعملت
لفظة التأويل في مواطن كثيرة في القرآن الكريم في معرض تأويل الأحلام وتأويل
الأحاديث، وكأن هذه الاستعمالات للفظة التأويل تفيد أن التأويل أمر يختص بتفسير
الأشياء الغيبية مما لا يتعلق بالألفاظ والمفردات اللغوية، فالتأويل هو تفسير
إشارات واستلهام معاني من مفردات وحوادث ووقائع مما لا يخضع للمعايير التفسيرية
المحكمة التي لا يملك المفسر فيها حق الخروج عن مقتضى الدلالات اللغوية.
ويمكننا
أن نرى ونلاحظ الفرق بين التفسير و التأويل كما هو واضح في الاستعمالات اللغوية
كبير، وقد استعملت لفظة التأويل حيث لا يجوز أن تستعمل لفظة التفسير، فالتفسير
توضيح وبيان لمعاني مفردات، ويخضع المفسر لضوابط لغوية، بحيث لا يملك المفسر عن
إطار الدلالة اللغوية، بخلاف التأويل، فهو تفسير خفي للإشارات والمواقف، ويغلب
عليه جانب الإلهام المعتمد على قوى عقلية خارقة أو على قوة روحية متميزة.
والتفسير
هو بيان للمفردات وتوضيح لمعانيها، بحسب الدلالة اللغوية، والتأويل أعمّ وأشمل،
ووسائله ليست هي اللغة، وإنما هي قوة الملاحظة ودقة الإشارة واستلهام المعاني
الخفية غير المدركة بالحواس، ولهذا يكون التأويل مظنة للانحراف إذا وجه المؤول
العبارة نحو معان مخالفة لما تدل عليه الألفاظ، معتمدا في ذلك على إشارات خفية..
Ø المراد بالتفسير:
ويراد
بالتفسير الإيضاح والتبيين، ويفيد معنى الإظهار والكشف، وأصله في اللغة من الفسر
وهو الإبانة، وفسّر الشيء يفسره بالكسر والضم أي أبانه، والفسر كشف المغطى، ويراد
به كشف المغلق من المراد باللفظ وإطلاق للمحتبس عن الفهم به، ويقال فسرت الشيء
أفسره تفسيرا، وفسرته أفسره فسرا، وقال بعضهم: فسر مقلوب من سفر ومعناه الكشف،
يقال: سفرت المرأة سفورا إذا ألقت خمارها عن وجهها وهي سافرة، وأسفر الصبح أضاء.
وقال
الراغب: الفسر والفسر يتقارب معناهما كتقارب لفظيهما، وجعل الفسر لإظهار المعنى
المعقول، وجعل السفر لإبراز الأعيان للأبصار، يقال: سفرت المرأة عن وجهها وأسفر
الصبح.
وذهب
أبو حيان إلى أن التفسير يراد به التعرية، يقال: فسرت الفرس إذا عريته لينطلق، وهو
يعبر عن معنى الكشف، ومعظم ما جاءت به لفظة التفسير في اللغة معبرة عن معنى الكشف
والبيان.
واستعمل
القرآن كلمة التفسير مرة واحدة في سورة الفرقان في قوله تعالى:
{وَلا
يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً}
[الفرقان: 33]. أي: بيانا، وقال ابن عباس في قوله تعالى: وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً
أي: تفصيلا.
وأطلقت
كلمة (التفسير) على العلم الذي يتحدث عن معاني القرآن، من حيث نزول الآية
ومناسبتها، والإشارات النازلة فيها ومعانيها المحتملة، والدلالات اللفظية، من حيث
العموم والخصوص والمطلق والمقيد والمجمل والمفسر، كما يبحث علم التفسير عن كل ما
يتعلق بالقرآن من معاني مستفادة من الألفاظ، من حيث الأحكام والتوجيهات والعبر
والقصص والمواعظ.
ويمكننا
أن نعرف علم التفسير بأنه العلم الذي يبحث عن كل المعاني القرآنية المحتملة التي
تدل عليها الألفاظ، سواء ما يتعلق منها باستنباط الأحكام الشرعية، أو ما تعلق بها
بمعرفة المعاني الواردة في القرآن، ويستعين المفسر بأدوات التفسير التي تمكنه من
معرفة المراد بالقدر الممكن.
واختلف
العلماء في تعريف التفسير، ولا حدود لاجتهادات العلماء في تعريف هذا العلم، فكل
عالم يعرف علم التفسير بما يراه الأقرب والأدق، في معرفة المعاني القرآنية، وينظر
من زاوية تختلف عن الزاوية الأخرى، فالبعض عرف التفسير بأنه العلم الذي يبحث عن
أحوال القرآن من حيث دلالته على مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية، والبعض
الآخر اعتبره علم نزول الآيات وشئونها وأقاصيصها والأسباب النازلة فيها، ثم ترتيب
مكيّها ومدنيّها، ومحكمها، ومتشابهها، وناسخها، ومنسوخها، وخاصها، وعامها، ومطلقها
ومقيدها، ومجملها ومفسرها، وحلالها وحرامها ووعدها ووعيدها، وأمرها ونهيها.
ولعل
المعنى الأيسر للتفسير والأوضح هو العلم الذي يبحث عن معاني القرآن ودلالاته بحسب
ما تفيده الدلالة اللفظية، ويستعين لذلك بما ييسر له الأمر.
Ø وهنا يقع التساؤل:
- هل
من واجب المفسر أن يبحث عن مراد الله، أم يجب عليه أن يبحث عن الدلالة المستفادة
من اللفظ؟
قد
يقول قائل: ليس هناك تعارض بين القصدين، فالمفسر يبحث عن مراد الله من خلال
الدلالة اللفظية، إذ لا يمكنه أن يكشف مراد الله إلا عن طريق الدلالة اللفظية، ولو
تجاوز تلك الدلالة لوقع في خطأ جسيم، وانحرف عن خط الاستقامة، وتحكم في مراد الله
بحسب هواه.
وأحيانا
قد تقوده الدلالة اللفظية إلى معاني لا يمكن أن تكون من مراد الله، لوجود أدلة
وقرائن ومرجحات تؤكد بطلان هذا الاستنتاج، وبخاصة إذا اصطدم هذا التفسير بمقاصد
ثابتة للشريعة مستفادة من أدلة قاطعة.
وهنا
يبرز دور المفسر، في توجيه الدلالة اللفظية لكي تنسجم مع التوجيهات القرآنية
العامة، فلا يمكن أن يقع التناقض بين آية وأخرى، ولا يمكن أن يقع التصادم بين حكم
وآخر، كما لا يمكن أن يقع التنافر بين توجيه وآخر، فالقرآن متكامل في توجيهاته،
يؤكد بعضه البعض الآخر، وإذا ظهر التنافر والتباين بين آية وأخرى، فهذا التنافر
دال على قصور في التفسير، ووقوف عند حدود الألفاظ، والألفاظ متعددة المعاني،
والمعنى الأدق والأصح في تفسير الآية هو المعنى الذي يحقق ذلك التلاؤم والتكامل
بين الآيات القرآنية.
وتبرز
عظمة المفسر وموهبته في مثل هذه المواقف الصعبة، حيث يقف عمالقة المفسرين بشجاعة
يتخطون حواجز الألفاظ الضيقة باحثين عن المعنى الأدق والأصح الذي يؤكد الانسجام
والتوافق في التوجيه القرآني، وهم في سعيهم هذا يعتمدون على أدوات التفسير اللغوية
والعقلية والنظرية لكي يوجهوا النص القرآني نحو غايته المرجوة التي يدل عليها
النسق القرآني العام، وتؤكدها مقاصد واضحة للشريعة الإسلامية.
وليست
مهمة المفسر قاصرة على شرح المفردات وبيان دلالاتها. فهذا عمل يسير لا يحقق غاية
مرجوة، ولا يتطلب موهبة كبيرة، وتمتد مهمة المفسر لكي يطرح الآفاق المحتملة
المستفادة من الآية، بحيث يكون ما استنبطه المفسر وما وصل إليه بعد جهد منسجما مع
الهدي القرآني العام، مراعيا غاية القرآن في استقامة أمر البشر، مصححا مسيرة
الإنسان في رحلته في الحياة، مدافعا عن حق الإنسان في حياة كريمة.
والمفسر
ليس هو الشارح للمفردات اللغوية، فتلك مقدمات ضرورية على طريق التفسير، وليس هو
الباحث عن مكي الآيات ومدنيها، وناسخها ومنسوخها، وأسباب نزولها، فذلك شرط ضروري
يجب أن يعرفها المفسر قبل أن يتصدى للتفسير، وبعد ذلك تبتدئ مهمة المفسر الشاقة في
استكشاف الإرادة القرآنية، وفي استلهام الحكم المرادة المستهدفة، وفي إقرار
التوجهات السلوكية في مجال الأمر والنهي، التي تنسجم مع التوجيهات القرآنية العامة
المستفادة من القرآن كله، بحيث لا يقع أي تصدع في صرح المنهج الرباني المتكامل،
سواء في نظرة القرآن للكون والإنسان، أو في مطاردة كل الأسباب التي تعارض المبادئ
التي أقرها الإسلام لاستقامة الحياة البشرية.
المفسر
إذا كان ضيق الأفق لا يمكنه أن يستوعب الآفاق الممكنة للتوجيه القرآني، وهو في
تفسيره الضيق يضيّق الخناق على النص، فيسيء من حيث لا يدري، ويضيق ما اتسع من
آفاق، ويحرم ويحلل وفق معايير يظنها موضوعية وعلمية، وهي في الحقيقة معايير تغلب
عليها الرؤية الذاتية، ولابد في التفسير من النظر إلى شخصية المفسر، فالشخصية عامل
هام في التفسير، تحسن وتسيء وتصيب وتخطئ، وتوسع وتضيق، لأن التفسير رؤية ذاتية
للنص المفسر، تتأثر بشخصية المفسر، لأنه أداة الرؤية، ويستمد تلك الرؤية من تجربته
الذاتية، ولهذا تتفاضل قدرات المفسرين وتتباين في مدى عمقها ودقتها، فمنهم الغني
بفكره وآفاقه، ومنهم الضيق الذي لا يضيف شيئا.
Ø .الفرق
بين التفسير والتأويل:
خصص
الزركشي في البرهان فصلا مستقلا لبيان الفرق بين التفسير والتأويل، ورد على من قال
بأن التفسير والتأويل واحد بحسب عرف الاستعمال، وقال: والصحيح تغايرهما، ونقل عن
الراغب قوله: التفسير أعم من التأويل، وأكثر استعماله في الألفاظ، وأكثر استعمال
التأويل في المعاني، وأكثر ما يستعمل التأويل في الكتب الإلهية، وأكثر ما يستعمل
التفسير في معاني مفردات الألفاظ.
ولفظة
التأويل مأخوذة في اللغة من الأول، يقال آل الأمر إلى كذا أي صار إليه، وأصله من
المآل وهو العاقبة والمصير، يقال: أوّلته فآل أي: صرفته فانصرف، وكأن التأويل يعني
صرف الآية إلى ما تحتمله من المعاني.
وجاءت
لفظة التأويل في القرآن في قوله تعالى: {ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ
عَلَيْهِ صَبْراً} [الكهف: 82]، وقوله: {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} [الأعراف:
53]، وقوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما
تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ
تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 7]، وقوله: {فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي
شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59].
واستعملت
لفظة التأويل في مواطن كثيرة في القرآن الكريم في معرض تأويل الأحلام وتأويل
الأحاديث، وكأن هذه الاستعمالات للفظة التأويل تفيد أن التأويل أمر يختص بتفسير
الأشياء الغيبية مما لا يتعلق بالألفاظ والمفردات اللغوية، فالتأويل هو تفسير
إشارات واستلهام معاني من مفردات وحوادث ووقائع مما لا يخضع للمعايير التفسيرية
المحكمة التي لا يملك المفسر فيها حق الخروج عن مقتضى الدلالات اللغوية.
ويمكننا
أن نلاحظ أن الفرق بين التفسير والتأويل كما هو واضح في الاستعمالات اللغوية كبير،
وقد استعملت لفظة التأويل حيث لا يجوز أن تستعمل لفظة التفسير، فالتفسير توضيح
وبيان لمعاني مفردات، ويخضع المفسر لضوابط لغوية، بحيث لا يملك المفسر أن يخرج عن
إطار الدلالة اللغوية، بخلاف التأويل فهو تفسير خفي للإشارات والمواقف، ويغلب عليه
جانب الإلهام المعتمد على قوى عقلية خارقة أو على قوة روحية متميزة.
والتفسير
هو بيان للمفردات وتوضيح لمعانيها، بحسب الدلالة اللغوية، والتأويل أعم وأشمل،
ووسائله ليست هي اللغة، وإنما هي قوة الملاحظة ودقة الإشارة واستلهام المعاني
الخفية غير المدركة بالحواس، ولهذا يكون التأويل مظنة للانحراف إذا وجه المؤول
العبارة نحو معاني مخالفة لما تدل عليه الألفاظ، معتمدا في ذلك على إشارات خفية.
وبالرغم
من كل محاولات إبراز أوجه التباين والاختلاف بين التفسير والتأويل، فإن من الصعب
وضع ضوابط دقيقة، لكل من التفسير والتأويل، بل إن بعض العلماء ذهب إلى أنه لا فرق
بين التفسير والتأويل، وإنهما يأتيان بمعنى واحد.
Ø .آراء
العلماء في التفسير والتأويل:
نقل
السيوطي في الإتقان والزركشي في البرهان آراء العلماء في معنى كل من التفسير
والتأويل:
- قال
أبو عبيد وطائفة من العلماء: التفسير والتأويل بمعنى واحد، وردّ الزركشي هذا الرأي
وقال: والصحيح تغايرهما، وحجة من قال بفكرة التماثل والترادف أن كلا من التفسير
والتأويل يفيد معنى البيان والتوضيح، ويبدو أن علماء التفسير يرجحون هذا القول،
وهذا الرأي يقلل من أهمية الفروق الواضحة في استعمال كل من اللفظتين، وقد استعمل
القرآن كلمة التأويل في مواطن محددة حيث يبرز عجز الإنسان عن الإحاطة بإرادة الله،
مما لا تستطيع القدرة البشرية أن تفسره أو أن تستكشف معانيه المرادة، وغالبا ما
يكون في الأمور الغيبية.
- قال
الراغب الأصفهاني: التفسير أعم من التأويل، وأكثر استعماله في الألفاظ ومفرداتها،
وأكثر استعمال التأويل في المعاني والجمل، وأكثر ما يستعمل في الكتب الإلهية
والتفسير يستعمل فيها وفي غيرها.
- قال
الماتريدي: التفسير القطع على أن المراد من اللفظ هذا، والشهادة على الله أنه عنى
باللفظ هذا، فإن قام دليل مقطوع به فصحيح، وإلا فتفسير بالرأي، وهو المنهي عنه،
والتأويل ترجيح أحد المحتملات بدون القطع والشهادة على الله.
- قال
أبو طالب التغلبي: التفسير بيان وضع اللفظ إما حقيقة أو مجازا، كتفسير الصراط
بالطريق والصيب بالمطر، والتأويل تفسير باطن اللفظ، مأخوذ من الأول وهو الرجوع
لعاقبة الأمر، فالتأويل إخبار عن حقيقة المراد، والتفسير إخبار عن دليل المراد،
لأن اللفظ يكشف عن المراد، والكاشف دليل، مثاله قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ
لَبِالْمِرْصادِ} تفسيره أنه من الرصد، يقال: رصدته راقبته، والمرصاد: فعال منه،
وتأويله: التحذير عن التهاون بأمر الله والغفلة عن الأهبة والاستعداد للعرض عليه،
وقاطع الأدلة تقتضي بيان المراد منه على خلاف وضع اللفظ في اللغة.
- قال
الأصبهاني في تفسيره: اعلم أن التفسير في عرف العلماء كشف معاني القرآن، وبيان
المراد، أعم من أن يكون بحسب اللفظ المشكل وغيره وبحسب المعنى الظاهر وغيره، والتأويل
أكثره في الجمل، والتفسير إما أن يستعمل في غريب الألفاظ نحو البحيرة والسائبة
والوصيلة أو في وجيز يتبين بشرح، نحو أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، وما في كلام
متضمن لقصة لا يمكن تصويره إلا بمعرفتها كقوله: {إنما النسيء زيادة في الكفر}،
وأما التأويل فإنه يستعمل مرة عاما ومرة خاصا، نحو الكفر المستعمل تارة في الجحود
المطلق، وتارة في جحود الباري عز وجل خاصة، وما في لفظ مشترك بين معاني مختلفة،
نحو لفظ (وجد) المستعمل في الجدّة والوجد والوجود.
- قال
البغوي والكواشي: التأويل صرف الآية إلى معنى موافق لما قبلها وما بعدها، تحتمله
الآية، غير مخالف للكتاب والسنة من طريق الاستنباط ونقل هذا القول عن ابن القاسم
بن حبيب النيسابوري.
- قال
أبو نصر القشيري: ويعتبر في التفسير الاتباع والسماع، وإنما الاستنباط فيما يتعلق
بالتأويل، وما لا يحتمل إلا معنى واحدا حمل عليه، وما احتمل معنيين أو أكثر، فإن
وضع لأشياء متماثلة كالسواد حمل على الجنس عند الإطلاق، وإن وضع لمعان مختلفة فإن
ظهر أحد المعنيين حمل على الظاهر إلا أن يقوم الدليل.
قال
أبو حيان: التفسير علم يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ومدلولاتها وأحكامها
الإفرادية والتركيبية ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب وتتمات لذلك.
Ø ويمكننا أن نستنتج من مجمل هذا التعاريف خصائص كل من التفسير والتأويل كما يلي:
Ø .أولا: خصائص التفسير:
1- أكثر استعمال التفسير في
الألفاظ والمفردات.
2- مهمة التفسير بيان وضع
اللفظ إما حقيقة أو مجازا.
3- غاية التفسير كشف معاني
القرآن وبيان المراد منه.
4- يعتبر في التفسير الاتباع
والسماع.
5- التفسير يتعلق بالرواية.
وهذه
الخصائص تجعل مهمة المفسر محددة ومنضبطة، فلا يملك أن يخرج عن حدود مهمته، سواء من
حيث ارتباطه بالاتباع والسماع أو من حيث وقوفه عند حدود بيان معاني الألفاظ
والمفردات، وظاهر هذا التقييد يفيد أن المهمة البيانية للمفسر لا تؤهله لدور
الاستنباط الذي يتطلب جهدا يتجاوز حدود البيان، والاستنباط هو غاية المفسر، وبخاصة
فيما يتعلق بآيات الأحكام.
Ø .ثانيا: خصائص التأويل:
1- موطن التأويل في المعاني
والجمل.
2- غاية التأويل تفسير باطن
اللفظ وإخبار عن حقيقة المراد.
3- التأويل يعتمد على الترجيح
ولا مجال للقطع فيه.
4- التأويل يتعلق بالدراية.
وهذه
الخصائص تجعل التأويل مرحلة متقدمة في التفسير ولا يستغنى عنه، لأنه يتعلق
بالمعاني والجمل، ولأنه يكشف عن حقيقة المراد، وهذا الاختلاف في تعريف كل من
التفسير والتأويل يؤكد غموض المعنى المراد بالتأويل، والحرص على أن يظل كل من
التفسير والتأويل ملازما للآخر ومتتمما دوره في بيان المعاني الغامضة وكشف النقاب
عن المراد.
وبالرغم
من وضوح الخصائص لكل من التفسير والتأويل، فإن التداخل بين اللفظين واضح، ومن
الصعب وضع معيار دقيق يحدد مواطن التفسير والتأويل، وما يعتبر من التفسير وما
يعتبر من التأويل.
ولعل
هذا هو السبب الذي دفع طائفة من العلماء إلى القول بأن كلا من التفسير والتأويل
يدلان على معنى واحد.
ومع
هذا، فإن السليقة العربية التي تعتبر حجة في دلالات الألفاظ والاستعمالات اللغوية
لتلك الألفاظ، ومواطن وكيفيات استعمال القرآن للفظة التأويل تجعلنا نقف أمام لفظة
التأويل مستوحين منها معاني ودلالات ليست هي نفس الدلالات المستوحاة من لفظة
التفسير، فالمعنى البياني واضح في لفظة التفسير، وليس الأمر كذلك فيما تدل عليه
كلمة التأويل، فالتأويل أدق وأعمق، ويحتاج لموهبة خاصة وقدرة متميزة، وإذا كان
العقل هو أداة المفسر واللغة هي وسيلته، فإن القلب هو أداة التأويل وهو أداة
الفهم، وهو موطن النقاء والصفاء في الإنسان، وليس المراد بالقلب ذلك الجزء النابض
بالحياة، وإنما المراد به الخصوصية الإنسانية التي أناط بها الله تعالى مهمة الفقه
والفهم، فإذا ختم الله على قلب الإنسان أصبح عاجزا عن الفهم، وعن إدراك المراد،
والقلب المعمر بالتقوى والصلاح، يملك من أدوات الفهم وإمكاناته ما لا يملكه القلب
الغافل المثقل بالأوساخ والحجب والستائر التي تحجب القلب عن إدراك الحقائق، فيدرك
منها ما لا ينفعه ولا يضره، وقد يقوده عقله المحجوب بالغفلة إلى ضلال في الفهم
وسقم في التأويل، فلا يحسن الفهم، ولا تستقيم رؤيته.
وليست
هناك في موطن التفسير والتأويل ألفاظ ومعاني ينفصل بعضها عن البعض الآخر، بحيث
يختص التفسير بألفاظها والتأويل بمعانيها، وإنما هناك أدوات للفهم، ووسائل للتعبير
وهي ضرورية للفهم، فإذا استوعب المفسر كل أدوات التفسير الضرورية كمعرفة معاني
المفردات وكل ما يحيط بالنص المراد تفسيره من بيان وتوضيح أدرك بخصوصيته الإنسانية
النقية الصافية (حقيقة المراد) واستقرت في نفسه بطريقة تلقائية غير متكلفة وبانت
له واضحة متيقنة وكأنه يراها بحواسه.
واستعمل
القرآن الكريم لفظة (القلب) كثيرا، والقلب في القرآن ليس هو القلب الصنوبري
النابض، وإنما هو الخصوصية الإنسانية. فالقلب هو موطن الإنابة وموطن الذكرى وموطن
الإثم وموطن الاطمئنان وموطن الهداية وموطن الغفلة وموطن المرض وموطن الختم وموطن
الرعب وموطن الفقه، وموطن الزيغ وموطن الاشمئزاز وموطن الرحمة وموطن القسوة وموطن
التآلف وموطن الطهر، وكرر القرآن استعمال لفظة المرض في معرض وصفه للقلوب الغافلة
القاسية، وعند ما يطبع الله على قلوب بعض الناس فإنهم لا يفقهون.
ولهذا
فالتفسير يتطلب من المفسر نقاء في القلب لكي يدرك حقيقة المراد من معاني الألفاظ،
فالألفاظ أدوات للتعبير والإنسان هو المخاطب، ولكي يدرك الإنسان فحوى الخطاب،
فلابد من أن تكون أداة الفهم نقية صافية لم تشوهها توجهات سابقة وتنحرف بها، ولم
تحجبها حجب عن إدراك المعاني المقصودة.
وتظل
كلمة التأويل خاضعة للتفسير والبيان، لتحديد ما المراد بالتأويل، فبعض العلماء ذهب
إلى أن التفسير مختص بالرواية والتأويل مختص بالدراية.
ولا
أظن أن هذا الأمر يخضع لهذا المعيار، إذ لا يمكننا اعتبار التفسير قاصرا على
الرواية وخاليا من الدراية، فهذا معنى يحمل بعض الانتقاص من مكانة العلماء الذين
عرفوا بالتفسير، ولعل المعنى الأقرب في هذا المجال أن التفسير جهد خاضع لمعايير
بيانية، ولابد في التفسير من رواية ودراية، وإذا خلا التفسير من الدراية، فقد خلا
من قيمته البيانية والتوضيحية، وإذا كانت الرواية كافية في مجال التفسير بالمأثور،
فإن التفسير بالرأي لابد فيه من دراية واسعة، ولا يحسن هذا النوع من التفسير إلا
من أوتي سعة من علم ومعرفة.
وتختلف
معاني التأويل بحسب موقع اللفظة في الجملة، فأحيانا تفيد معنى التفسير، وتكون
مرادفة لها، وأحيانا تفيد معنى مغايرا للتفسير، بحيث يكون التأويل فيما يخرج عن
نطاق مهمة التفسير، بسبب غموض المعاني وعدم وضوحها، وبخاصة فيما يتعلق بالقضايا
التي لا تخضع للمقاييس العقلية، ولا تقدم الألفاظ في معانيها اللغوية ما يفيد في
كشف الخفاء عن المراد، ويكون التأويل هنا هو بذل جهد متميز في استكشاف المراد،
ويحتاج هذا الجهد إلى كفاءة علمية وقدرة ذاتية، وموهبة متميزة وحكمة مكتسبة.
ومن
الطبيعي أن يقع الاختلاف في حكم التأويل واتجاهاته، وبخاصة إذا لم يلتزم المتصدي
للتأويل بالضوابط اللغوية والشرعية، وعندئذ يكون التأويل مطية للانحراف والزلل،
ولذلك يجب وضع ضوابط دقيقة، لكي يكون التأويل سليم الاتجاه مقبول المعاني، وأهم
هذه الضوابط أن يكون منسجما مع قواعد الإسلام ومبادئ العقيدة.
.أهم ضوابط التأويل:
Ø وأهم ضوابط التأويل ما يلي:
أولا:
أن يكون المعنى مما يمكن استنباطه من النص، ومما تدل عليه اللغة من دلالات ومعاني،
والتأويل الذي لا تفيده اللغة لا يمكن الاعتداد به وقبوله، لأنه لا سند له من
اللغة، وكيف يستنبط معنى من لفظ لا يدل عليه ولا يفيده، ومن حقنا أن نطرح على صاحب
التأويل سؤالا يبين لنا فيه وجه الاستدلال وكيفية الاستنباط، ولابد له من دليل حسي
على ذلك، ولو وقع التسامح في هذا الشرط لأدى ذلك إلى انحراف مؤكد.
ثانيا:
أن يكون المؤول عالما باللغة عارفا قواعدها ملما بمعاني الألفاظ، مستوعبا ما قاله
العرب في معانيها ودلالاتها، لأن التأويل سواء اتفق في دلالته مع التفسير أو اختلف
معه، لا يمكن أن يكون بمعزل عن المعاني المستفادة من الألفاظ، ولا يمكن للتأويل أن
يكون مجرد عبث، ولو سلمنا بوضوح معنى الإلهام في التأويل، فهذا الإلهام يعبر عن
قدرة المؤول في توجيه الألفاظ القرآنية نحو معاني خفية ليست مدركة لدى المفسر،
ويمكن إدراكها بقوة التأويل ودقة صاحبه، بحيث يلتفت الذهن إلى أهمية المعنى
المستنبط من تلك الألفاظ.
ثالثا:
استقامة المؤول وسلامة عقيدته، وهذا الضابط غايته ضبط حركة الفكر لكي تكون صحيحة
المنطلق صادقة التعبير عن رؤية فكرية، نزيهة في تجسيدها لقدرات الإنسان على
استلهام معان دقيقة يعجز عنها المفسر الذي يتوقف غالبا عند حدود المعاني المتبادرة
إلى الذهن الواضحة الدلالة.
رابعا:
أن يكون الحكم المستنبط عن طريق التأويل واضح الانسجام مع التصور القرآني العام في
إقراره لمبادئ الإسلام وعقيدته وأن يكون مؤكدا لقيم إسلامية ثابتة، داعيا إلى
ترسيخ معاني العقيدة في النفوس، فإذا كان التأويل مناقضا لعقيدة الإسلام ناسخا
لأحكام ثابتة في القرآن، مشوها مبادئ الفطرة الإسلامية مشجعا نمو عقائد منحرفة
فهذا تأويل واضح البطلان لأمرين:
الأمر
الأول: آثاره الضارة على الفكر الإسلامي، وإثارته للفتنة، ودعوته إلى فساد العقيدة.
الأمر
الثاني: عدم استناده إلى دليل من لغة أو سند من قرآن أو حديث، وإذا افتقد التأويل
سنده اللغوي والشرعي وثبت ضرره في مجال العقيدة، كان تأويلا فاسدا ووجبت مقاومته
والتنبيه على فساده وخطره.
وإذا
كنا تكلمنا عن خصائص التأويل، وأنه تفسير خفي وأنه يدخل في علم الدراية، وأن جانب
الإلهام واضح فيه، فإن هذه الخصائص لا تنفي عنه صفة التأويل المرتبط بالنص، فإذا
انتفت صلة التواصل والانتماء بين النص والتأويل انتفت شرعية ذلك التأويل، وأصبح من
نوع العبث الدال على الجهل، ولو وقع إقرار هذا النوع من التأويل لتجرأ الجهلة على
القرآن، وفسروا آياته تحت شعار التأويل بما شاءت لهم انحرافاتهم أن يقرروه، واختلط
التأويل السليم الصحيح الذي يدل على عمق في الفهم ودقة في الإدراك بالتأويل الفاسد
والسقيم الذي يدل على جهل صاحبه.
وهذه
الضوابط ضرورية وهامة، ولا يجوز التساهل فيها، وإذا جاز لنا أن نقبل تأويل العلماء
وأن نستفيد من آرائهم وتصوراتهم وأن نشجع حرية الرأي ونحترم قدسية الفكر فلا يجوز
لنا أن نقبل الفكر السقيم ولا أن نسمح للجهال بأن يعبثوا بمعاني القرآن، إرضاء
للعوام واستجابة للجهلة والمنحرفين.
قال
أبو القاسم محمد بن حبيب النيسابوري:
وقد
نبغ في زماننا مفسرون لو سئلوا عن الفرق بين التفسير والتأويل، ما اهتدوا إليه، لا
يحسنون القرآن تلاوة، ولا يعرفون معنى السورة أو الآية، ما عندهم إلا التشنيع عند
العوام، والتكثر عند الطغام، لنيل ما عندهم من الحطام، أعفوا أنفسهم من الكد
والطلب وقلوبهم من الفكر والتعب، لاجتماع الجهال عليهم وازدحام ذوي الأغفال لديهم،
لا يكفون الناس عند السؤال، ولا يأنفون عن مجالسة الجهال، مفتضحون عند السبر
والزواق، زائغون عن العلماء عند التلاق.
الخاتمة :
التأويل
في اللغة: الأوْل، وهو الرجوع إلى حيث المبدأ. والتشابه قد يكون في الكلام وقد يكون
في العمل.
ـ التأويل
في القرآن الكريم على ثلاثة وجوه: تأويل المتشابه، تعبير الرؤيا، مآل الأمر وعاقبته،
والمعنى الرابع المفهوم العام المأخوذ من الآية الواردة بشأن خاص.
ـ الفرق
بين التفسير والتأويل: كان التأويل في استعمال السلف مترادفاً مع التفسير، ولكنّه عند
المتأخّرين يعني المعنى المخالِف لظاهر اللفظ.
ـ عند
العلّامة الطباطبائي التأويل ليس من قبيل المفاهيم المدلول عليها بالألفاظ بل هي من
الأمور المتعالية من أن يحيط بها الألفاظ، فهي كالأمثال تُضرب ليقرب بها المقاصد.
ـ اختلف
المفسِّرون في أنّه هل يعلم التأويل غير الله تعالى، من حيث اختلافهم في علامة الوقف
على كلمة الله في قوله تعالى:
﴿وَمَا
يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ﴾،
ولكن
العلّامة الطباطبائي استدلّ من غير هذه الآية بغضّ النظر عن الخلاف في علامة الوقف
بآيات أخرى وروايات، على إمكانية أن يعلم غير الله التأويل، بالإضافة إلى أنّ هناك
دليلاً عقليّاً.
أولاً:
أنَّ التأويل أعمُّ من التفسير؛ وذلك لأنَّ كلمة التأويل جاءتْ في القرآن الكريم بأكثر
من معنى، في حين أنَّه - سبحانه - لم يذكرْ كلمةَ التفسير ومشتقاتها إلا مرَّةً واحدة
فقط في القرآن كله في قوله - تعالى -: ﴿ وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ
بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ﴾ [الفرقان: 33].
ثانيًا:
إذا ذُكِر أحد اللفظين منفردًا قُصِد به المعنى الشامل للفظين معًا.
ثالثًا:
إذا اجتمع اللفظان معًا "التفسير والتأويل" في شيء يخصُّ القرآن الكريم،
كان المراد - والله أعلم - بالتفسير بيانَ المعاني التي تُستفاد من وضْع العبارة، وبالتأويل
بيانَ المعاني التي تُستفادُ بطريق الإشارة، والله تعالى أعلم.
Ø المراجع :
شبكة
اللألوكة