الأسواق العربية القديمة
أسواق العرب
القديمة هي عبارة عن تجمعات أو منتديات أدبية كانت تُقام في الجاهلية وفي الإسلام في
أماكن مختلفة من شبه الجزيرة العربية وبشكلٍ دوري، وقد كان العرب يجتمعون فيها ويأتونها
من مختلف أرجاء العالم ليسمعوا المواعظ والخطب، ويتبادلوا التجارة والمنافع، كما كانوا
يسعون لفك أسراهم المأسورين عند القبائل الأخرى فيها، وكانوا ينشدون الشعر في تجمعاتهم.
وقد ساهمت هذه الأسواق في تحسين حياة الأفراد على مختلف المستويات الدينية، والثقافية،
والاقتصادية، والاجتماعية، وكانت التجارة تُساق إليها من مختلف الأنحاء، وتُقسم الأسواق
القديمة إلى قسمين: أسواق ثابتة، وأسواق موسمية، أما الأسواق الثابتة فيتم عقدها في
المدن، والقرى، وأماكن انتشار المساكن، في حين أن الأسواق الموسمية تُعقد في أوقات
ومواسم معينة، وفي أماكن متناثرة من الجزيرة العربية
ومن الأسواق القديمة ما كان مقتصراً على القرى المجاورة
مثل سوق حجر اليمامة، وسوق هجر؛ وهجر هي مدينة في البحرين، وقد كان هذا السوق يُعرف
بسوق التمر وكان يُعقد في ربيع الآخر، ومنها أيضاً سوق الشِّحر ويقع بين عدن وعُمان
وكان يقصد به تجارة البر والبحر، أما وقت انعقاده فهو منتصف شهر شعبان. ومن الأسواق
ما كان لكافة الناس وعامتهم مثل سوق عكاظ، أما البضائع التي كانت تُباع في مثل هذه
الأسواق فهي كالزيت، والتمر، والأدم، والسمن، والطيب، والورس، ومختلف أنواع الحيوانات،
كما كان الرقيق يُباع ويُشترى فيها، أما الأسواق الرئيسية القديمة فهي سوق عكاظ، وسوق
المجنة، وسوق ذي المجاز.
وفيما يلي نبذه عن كل منهم.
أشهر أسواق
العرب القديمة سوق عكاظ سُمي سوق عكاظ بهذا الاسم لأن العرب كانوا يجتمعون فيه فيعكظ
يعضهم بعضاً، أي يغلبه ويقهره في التباهي والمفاخرة .
ويُعدّ
سوق عكاظ واحداً من أهم أسواق العرب الكبرى قبل الإسلام، وقد كان العرب يرتادونه عشرين
يوماً في السنة، وتحديداً أول عشرين يوماً من شهر ذي القعدة، ويرجع سوق عكاظ في أصله
إلى قبيلتي هوازن، وعدوان، أما موقعه فهو بين مكة والطائف، وقد كان العرب يتبادلون
السلع فيه كما يتبادلون الشعر والأدب.
وكان يُعرض
في سوق عكاظ كل شي يمكن الاتجار به كالحرير، والزيوت، والمعادن، وكان التجار يجيئون
إليه من مختلف أنحاء الجزيرة العربية مثل بلاد فارس، كما كان المحكّمون يأتون إليه
من مختلف الأنحاء للفصل بين المتنافسين في الشعر، والأدب، ومن أشهرهم النابغة الذيباني،
وذكرت أغلب الروايات أن أغلب المحكّمين كانوا من بني تميم وقد كانوا يحتكرون سوق الأدب
والمنافسة لهم.
وسوق عُكاظ
من الأسواق العامة غير المقتصرة على أشخاص معينين، فقد كانت تحضره قريش، وخزاعة، وغطفان،
وهوازن، والأحابيش، وطوائف أخرى من العرب يأتون عكاظ من العراق، والبحرين، واليمامة،
وعُمان، واليمن وغيرها من الأنحاء.
وموقع سوق عكاظ تحديداً في وادٍ واقعٍ بين الطائف
ومكة، حيث يبعد عن مكة ثلاث ليال، وعن الطائف ليلةً واحدةً وهو بذلك أقرب إلى الطائف،
وقد كان وادياً متسعاً وفسيحاً تقيم فيه العديد من القوافل العربية، وتتخذ كل قبيلة
فيه مكاناً معيناً لها، كما كان يمتاز بوفرة أشجار النخيل والمياه فيه، ومما جعله موقعاً
جغرافيا متميزاً قربه من مكة وهي مركز التجارة للعرب، كما أن انعقاد السوق في الأشهر
الحرم يجعل التجار يشعرون بالأمان على أموالهم وممتلكاتهم وأنفسهم من العبث.
ولم يكن سوق عكاظ للتجارة فقط، وإنما كان سوقاً
يجتمع فيه الشعراء والأدباء ويتنافسون في الشعر، وكان الشعراء يعرضون شعرهم فيه فمن
أشادوا به اشتُهر بشعره في جميع الأنحاء، كما كان الشعراء القادمين من مختلف أنحاء
الجزيرة يُلقون الشعر بلهجة قريش الأمر الذي منحها صفة السيادة بين القبائل العربية
الأخرى وقد امتدت هذه السيادة للهجة قريش في الإسلام عندما نزل القرآن الكريم باللغة
العربية الفصحى وهي لغة قريش، كما كان العرب يفتدون أسراهم عند القبائل الأخرى فيه،
وكان الرجال والنساء يجتمعون فيه لعقد الزاوج في كثيرٍ من الأحيان، كما كان المبشّرون
للديانات الأخرى يرتادونه للدعوة إلى دياناتهم.
سوق مَجنّة
وقد اشتق اسم سوق مجنة من الجن أو الجنون، أو الجنة وهي البستان الجميل الممتلئ بالمياه.
وكان سوق مجنة يُعقد في مر الظهران أسفل مكة، ومر الظهران يُعرف اليوم باسم وادي فاطمة،
وكان الناس يعبرون إلى سوق مجنة بعد انتهائهم من سوق عكاظ ليقضوا فيه العشر أيام المتبقية
من ذي القعدة إلى أن يروا هلال ذي القعدة، وسوق مجنة يعتبر لأهل كنانة وأرض السوق هي
أرض كنانة، وكان لسوق مجنة مكانةً واحتراماً في نظر العرب كما لسوق عكاظ، وذي المجاز،
حتى إن قريشاً كانت تقول: (لا تحضروا سوق عكاظ ومجنة وذي المجاز إلا محرمين بالحج).
ولم يكن
سوق مجنة مكاناً للأدباء والشعراء، ولا مكاناً للبيع والتجارة، وإنما كان منتدىً يجتمع
فيه العرب للتنظير الفكري والسياسي، كما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يذهب إليه
لدعوة القبائل العربية للدخول في الإسلام، وفي تخصيص الرسول هذا السوق دون غيره من
الأسواق إشارةٌ إلى طبيعة السوق وطبيعة من يرتاده من الناس وإشارة إلى ما كان يقوم
عليه السوق من تنظيرٍ دينيٍ وتبادل آراءٍ سياسية، وقد كان أهل كنانة يقومون على تدبير
وإدارة أمور السوق تماماً كإدارة قريش لسوق عُكاظ.
سوق ذي
المجاز ينتقل الحجاج من سوق مجنة إلى سوق ذي المجاز عند انتهاء شهر ذي القعدة ودخول
الحج، ويقع على مسافة ثلاثة أميال من عرفات بناحية جبل كبكب، كما يُقال إنه كان يُقام
بين منى وعرفات، وهو قريب من عرفات من جهة المغمس، وكان هذا السوق يُعقد في ديار هُذيل،
ويقيم به الناس من بداية شهر ذي الحجة حتى اليوم الثامن وهو يوم التروية، وسمي بهذا
الاسم لأن إجازة الحجيج إلى عرفات تكون منه، ويُعتبر هذا السوق خاصاً بالأدب، والشعر،
والفنون عند العرب.
أما أهمية
هذا السوق فتنبع من أنه يُعتبر من مواسم الحج عند العرب، فقد كانت ترتاده وفود الحجاج
من مختلف الأرجاء، وكان يجري فيها ما يجري في بقية الأسواق من تجارة، ورواية الأشعار
والتفاخر، وتأتي أهمية سوق ذي المجاز في المرتبة الثانية بعد سوق عكاظ.