أبو علي الحسن بن الحسن بن الهيثم (354 هـ/965م-430 هـ/1040م)
عالم موسوعي مسلم قدم إسهامات كبيرة في
الرياضيات والبصريات والفيزياء وعلم الفلك والهندسة وطب العيون والفلسفة العلمية والإدراك
البصري والعلوم بصفة عامة بتجاربه التي أجراها مستخدمًا المنهج العلمي، وله العديد
من المؤلفات والمكتشفات العلمية التي أكدها العلم الحديث.
صحح ابن الهيثم بعض المفاهيم السائدة في
ذلك الوقت اعتمادًا على نظريات أرسطو وبطليموس وإقليدس،فأثبت ابن الهيثم حقيقة أن الضوء
يأتي من الأجسام إلى العين، وليس العكس كما كان يعتقد في تلك الفترة، وإليه ينسب مبادئ
اختراع الكاميرا، وهو أول من شرّح العين تشريحًا كاملاً ووضح وظائف أعضائها، وهو أول
من درس التأثيرات والعوامل النفسية للإبصار. كما أورد كتابه المناظر معادلة من الدرجة
الرابعة حول انعكاس الضوء على المرايا الكروية، ما زالت تعرف باسم "مسألة ابن
الهيثم".
يعتبر ابن الهيثم المؤسس الأول لعلم المناظر
ومن رواد المنهج العلمي، وهو أيضاً من أوائل
الفيزيائيون التجريبيون الذين تعاملوا مع نتائج الرصد والتجارب فقط في محاولة تفسيرها
رياضياً دون اللجوء لتجارب أخرى
انتقل ابن الهيثم إلى القاهرة حيث عاش معظم
حياته، وهناك ذكر أنه بعلمه بالرياضيات يمكنه تنظيم فيضانات النيل. عندئذ، أمره الخليفة
الفاطمي الحاكم بأمر الله بتنفيذ أفكاره تلك. إلا أن ابن الهيثم صُدم سريعًا باستحالة
تنفيذ أفكاره، وعدل عنها، وخوفًا على حياته إدعى الجنون، فأُجبر على الإقامة بمنزله.
حينئذ، كرّس ابن الهيثم حياته لعمله العلمي حتى وفاته.
سيرته :
ولد ابن الهيثم في البصرة سنة 354هـ/965م
في فترة كانت تعد العصر الذهبي للإسلام، واختلف المؤرخون أكان من أصل عربي أم فارسي.مع
ترجيح كونه عربي الاصل ،بدأ بطلب العلم خلال تلك الفترة التي قضاها في البصرة، حيث
قرأ العديد من كتب العقيدة الإسلامية والكتب العلمية. من غير المؤكد أكان ابن الهيثم
سني أم شيعي، فبعض المؤرخين يؤكد أنه سني أشعري كضياء الدين سردار ولورانس بيتاني ومعارض
للمعتزلة، والبعض قال أنه معتزلي كبيتر إدوارد هودجسون، أو شيعي كعبد الحميد صبرة.
مع ارجحية كونه من السنة.
أعماله
كان لابن الهيثم إسهامات جليلة في مجال
البصريات والفيزياء والتجارب العلمية، كما كانت مساهماته في علوم الفيزياء بصفة عامة
وعلم البصريات خاصةً، محل تقدير وأساس لبداية حقبة جديدة في مجال أبحاث البصريات نظريًا
وعمليًا. تركزت أبحاثه في البصريات على دراسة النظم البصرية باستخدام المرايا وخاصة
على المرايا الكروية والمقعرة والزيغ الكروي، كما أثبت أن النسبة بين زاوية السقوط
وزاوية الانكسار ليست متساوية، كما قدم عددًا من الأبحاث حول قوى تكبير العدسات.
وفي العالم الإسلامي، تأثر ابن رشد بأعمال
ابن الهيثم في علم البصريات، كما طوّر العالم كمال الدين الفارسي (المتوفي عام
1320م) أعمال ابن الهيثم في علم البصريات، وطرحها في كتابه تنقيح المناظر .
كما فسّر الفارسي وثيودوريك من فرايبرغ ظاهرة قوس
قزح في القرن الرابع عشر، اعتمادًا على كتاب المناظر لابن الهيثم.واعتمد العالم الموسوعي
تقي الدين الشامي على أعمال ابن الهيثم والفارسي، وطوّرها في كتابه نور حدقة الإبصار
ونور حقيقة النظر عام 1574م.
تكريمًا لاسمه، أطلق اسمه على إحدى الفجوات
البركانية على سطح القمر، وفي 7 فبراير 1999، أطلق اسمه على أحد الكويكبات المكتشفة
حديثًا، وهو "59239 Alhazen".
وفي باكستان، تم تكريم ابن الهيثم بإطلاق اسمه على كرسي طب العيون في جامعة آغاخان.وفي
العراق، وضعت صورته على الدينار العراقي فئة عشرة دنانير منذ ثمانينيات القرن الماضي
ثم 10,000 دينار الصادرة في عام 2003، كما كان اسمه يطلق على واحدة من المنشآت البحثية
التي خضعت للتفتيش بواسطة مفتشي الأمم المتحدة الباحثين عن الأسلحة الكيميائية والبيولوجية
في عهد الرئيس صدام حسين.
المنهج العلمي :
ذكرت عالمة الأعصاب "روزانا غوريني"
أنه "وفقًا لمعظم المؤرخين، فإن ابن الهيثم رائد المنهج العلمي الحديث".
فقد وضع ابن الهيثم طرق تجريبية صارمة لمراقبة التجارب العلمية للتحقق من الفرضيات
النظرية واستقراء النتائج. بينما رأى بعض المؤرخين العلميين في تجاربه على فرضيات بطليموس
وتفسيرها ميلاً نحو التجديد، مما جعله لا يحظى باهتمام الكافي من المؤرخين.
هناك مفهوم ارتبط بأبحاث ابن الهيثم البصرية،
اعتمد على النظامية والمنهجية في التجريب واستخدام المنهج العلمي في تحقيقاته العلمية.
إضافة إلى ذلك، استندت تجاربه على الجمع بين الفيزياء الكلاسيكية والرياضيات (الهندسة
على وجه الخصوص) واستخدام منهج الاستنتاج الاستنباطي في مجال البحث العلمي. أكّد هذا
النهج الرياضي الفيزيائي في تجاربه معظم افتراضاته في كتابه المناظر، وأيّد نظرياته
حول الرؤية والضوء والألوان، فضلاً عن أبحاثه في علم المرايا ودراسته لانكسار الضوء،
وهو ما استفاد منه كمال الدين الفارسي وطوّره في كتابه "تنقيح المناظر".
مفهوم شفرة أوكام ورد أيضًا في كتاب المناظر.
فعلى سبيل المثال، بعد أن شرح كيف أن الضوء ينشأ من كائنات مضيئة، وينبعث أو ينعكس
نحو العين، وقال بإن "نظرية الانبعاثات التقليدية لا لزوم لها وغير مجدية".
أعمال فيزيائية أخرى :
الأبحاث البصرية : في كتاب المناظر، كان ابن الهيثم أول عالم
يقول بأن الرؤية تحدث في الدماغ بدلاً من العينين. وأشار إلى أن التجارب الشخصية لها
تأثير على ما يراه الناس وكيف يرونه، وأن الرؤية والتخيل أمور نسبية.
إضافة إلى كتاب المناظر، كتب ابن الهيثم
العديد من الأطروحات الأخرى في علم البصريات. أطروحته رسالة في الضوء كان بمثابة استكمال
لكتابه المناظر، احتوت تلك الأطروحة على تحقيقات حول خصائص الإنارة والإشعاعية المشتتة
خلال مختلف الوسائط الشفافة. قام ابن الهيثم أيضًا بالعديد من الفحوص التشريحية على
عين الإنسان ودراسة الزيغ البصري، كما صنع أول كاميرا مظلمة والكاميرا ذات الثقب، وأيضًا
درس خصائص قوس قزح وكثافة الغلاف الجوي، وبحث في الظواهر السماوية المختلفة (بما في
ذلك كسوف الشمس والشفق وضوء القمر). درس ابن الهيثم أيضًا الانكسار والمرايا المقعرة
والكروية والعدسات المكبرة.
لابن الهيثم أيضًا نظرية لشرح وهم القمر،
التي لعبت دورًا هامًا في التقاليد العلمية في أوروبا في القرون الوسطى. كان يحاول
تفسير ظاهرة ظهور القمر في الأفق القريب أكبر منه في السماء، وهو النقاش الذي لم يتم
حله حتى يومنا هذا. اعترض ابن الهيثم على نظرية بطليموس حول الانكسار، وقال أن صورة
القمر زائفة وليست حقيقية. وقال أن الحكم على مسافة كائن يعتمد على ماهية ما هو موجود
بين الكائن والرائي. وفي حالة القمر، لا يوجد أشياء وسيطة، لذلك، وحيث أن حجم الكائن
يعتمد على بعد من يراه عنه، وهو في هذه الحالة مسافة غير محددة، لذا يبدو القمر أكبر
في الأفق. اعتمدت أعمال من روجر باكون وجون بيكهام وويتلو على تفسير ابن الهيثم، وبدأ
تقبل فكرة وهم القمر تدريجيًا كظاهرة نفسية، مع رفض نظرية بطليموس في القرن السابع
عشر.
في مخطوطته ميزان الحكمة ، ناقش ابن الهيثم
كثافة الغلاف الجوي للأرض وربط بينه وبين الارتفاع، ودرس أيضًا الانكسار في الغلاف
الجوي. اكتشف أن الشفق يبدأ أو ينتهي، عندما تكون الشمس تحت الأفق بتسع عشرة درجة،
وحاول قياس ارتفاع الغلاف الجوي على هذا الأساس.