أصول العقيدة
العقيدة قسمان:
عقيدة صحيحة.
عقيدة فاسدة.
أما العقيدة الصحيحة فهي:
العقيدة الصحيحة السليمة القويمة التي بعث الله تعالى بها الرسول، والتي
بلغها الرسل - صلوات الله عليهم - إلى الناس في أي مكان وزمان، وهي التي ارتضاها الله
تعالى لخلقه جميعًا.
وهي عقيدة واحدة
لا تتعدد ولا تتجزأ؛ لأنها منزلة من عند العليم الخبير؛ وذلك لأن منزلها ومرتضيها هو
الواحد الأحد الذي لا يتغير ولا يتبدل جل جلاله.
وهذه العقيدة
الصحيحة لا توجد اليوم إلا في الإسلام؛ لأنه الدين الوحيد الذي تكفل الله بحفظه إلى
يوم الدين، وهي موجودة في أصليه: (الكتاب والسنة) ندية طرية صافية، مشرقة، تقنع العقل
بالحجة والبرهان، وتملأ القلب إيمانًا ويقينًا وحياة، قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ
وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ
لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الشورى: 52 .
إذن العقيدة
الإسلامية: هي العقيدة الصحيحة التي تمد الإنسان بكل ما يحتاجه في حياته، وترد كل تساؤلاته،
وتشفي جميع ما في صدره، فهي للإنسان ضرورية ضرورة الماء والهواء؛ فالإنسان بدون هذه
العقيدة لا قيمة له ولا وزن، فهو في حيرة وفي تخبط ولا يدري من أين، ولا إلى أين، ولا
يعلم وظيفته الحقيقية ولا مهمته الأساسية التي من أجلها خلق، ولا يعلم شيئًا عن مصيره
الحتمي الذي ينتظره.
فلا حياة ولا
نجاح ولا فلاح في الدنيا والدين إلا بهذه العقيدة الصحيحة السليمة.
أما العقيدة
الفاسدة: فهي كل عقيدة تخالف العقيدة الإسلامية - العقيدة الصحيحة - سواء أكانت عقيدة
أهل الكتاب أم عقيدة الفرق والجماعات والمذاهب والأنظمة المتعددة والمختلفة.
أما بالنسبة
للعقيدة اليهودية والنصرانية (أهل الكتاب) فقد دخل عليها التحريف والتغيير والتبديل،
وقد تم ذلك على يد أبنائها، فانحرفوا عن الطريق المستقيم والنهج القويم.
أما بالنسبة
للمذاهب والتيارات والفرق والأنظمة المختلفة مثل (الشيوعية والرأسمالية والوطنية والقومية)
فكل هذه المعتقدات هي عند أصحابها عقيدة يمشون عليها، ويحيون من أجلها، ويضحون بالغالي
والرخيص من أجل الذود عنها ونشرها، فهي باطلة فاسدة هابطة، وذلك لأنها من نتاج وأفكار
وأذهان البشر ومن وضع عقولهم، وحق لها أن تكون عقائد فاسدة؛ لأنها تخالف خالقها وتحارب
فطرتها وتتمرد على موجدها
وبعد هذه المقدمة
السريعة عن أهمية العقيدة، ندخل في صلب الموضوع ألا وهو (أصول العقيدة الإسلامية) أو
(أركان الإيمان).
أصول العقيدة
الإسلامية (أركان الإيمان:
قبل أن نتحدث
عن أصول العقيدة الإسلامية (أو أركان الإيمان) لا بد أن نبين أن هناك ضوابط لدراسة
مسائل الاعتقاد، ومن أهمها ما يلي:
أولًا: كون
العقيدة الإسلامية غيبية، وليست أمورًا محسوسة، فالله غيب، وكذلك الملائكة واليوم الآخر
والقدر؛ أما الرسل والكتب فالإيمان بها إنما يكون بالتصديق بنسبتها إلى الله؛ أي كونه
أرسل الرسل وأنزل الكتب وهذا غيب - أيضًا -.
ثانيًا: مصدر
هذا الغيب هو الوحي السماوي الصادق، قال الله تعالى: ﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا
رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ
الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [البقرة: 1-3]، والإيمان بالغيب يقابل
عدم التصديق إلا بالمحسوس كما هي نظرية الشيوعيين.
ثالثًا: مسائل
الاعتقاد يقين، ولا تصح العقيدة مع الشك، فالشك ينافي الاعتقاد، قال تعالى: ﴿ وَمَا
مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ
وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ
إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ ﴾ [التوبة: 54
رابعًا: العقيدة
في الإسلام وحدة مترابطة، إذا هدم أصل من أصولها؛ خرج صاحبها من دائرة الإسلام؛ فالذي
يكفر باليوم الآخر، أو الجنة أو النار، أو كذب الرسل أو واحدًا من الرسل، أو كذب بالملائكة،
أو واحدًا منهم ممن أخبر الله تعالى به وهو يعلم؛ فهو كافر، قال تعالى في الذين يكفرون
ببعض أصول الاعتقاد: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ
أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ
بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ
حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ﴾ [النساء: 150، 151]
ومن هذه الآية
الكريمة يتبين لنا: أن القرآن الكريم ينكر على من يريد أن يفرق بين الله ورسله، ويقرر
القرآن الكريم الإيمان الكامل بالله ورسله بدون تفريق بين الله ورسله، وبدون تفريق
كذلك بين رسله جميعًا. وبهذا الشمول كان الإسلام هو "الدين" الذي لا يقبل
الله من الناس غيره؛ لأنه هو الذي يتفق مع وحدانية الله، ومقتضيات هذه الوحدانية.
ولذلك عبرت
الآية الكريمة عمن يريد أن يفرق بين الله ورسله (بأن يؤمنوا بالله ويكفروا بالرسل)
وعمن يريدون التفرقة بين الرسل (بأن يؤمنوا ببعضهم ويكفروا ببعضهم) عبر عن هؤلاء وهؤلاء
بأنهم (الذين يكفرون بالله ورسله، وعد تفرقتهم بين الله ورسله، وتفرقتهم بين بعض رسله
وبعض، كفرًا بالله وبرسله ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ
عَذَابًا مُهِينًا ﴾ [النساء: 151]
خامسًا: الاعتقاد
الجازم لا يكفي وحده، فقد جزم فرعون بأن الآيات التي جاء بها موسى هي من عند الله:
﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ
كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [النمل: 14]. وإبليس جازم بصدق الرسل والكتب،
فلا بد من الاعتقاد الجازم من الرضا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولًا نبيًا،
ولا بد من الإعلان عن ذلك باللسان، وتصديق ذلك بالعمل، أي: الإذعان والانقياد لله تبارك
وتعالى، فما آمن من اعتقد ورفض الخضوع والطاعة لله تعالى كما هو حال الشيطان والمستكبرين.
سادسًا: كل
من أنكر شيئًا من أصول الاعتقاد أو فروعه المعلومة من الدين بالضرورة؛ فإنه كافر لا
شك في كفره، أما الذي يترك عملًا من الأعمال الشرعية الواجبة، أو يفعل شيئًا مما حرم
الله؛ فإنه يكون عاصيًا، والذين يكفرون بالذنوب والمعاصي هم الخوارج، أما منهج السلف
الصالح: فإنه ترك الواجبات وفعل المحرمات يعد ذنبًا ومعصية، تشوه الإيمان وتنقصه، ولكنها
لا تزيله وتذهبه.
سابعًا: الأصول
الاعتقادية التي أثبتتها النصوص ستة: (الله، الملائكة، الكتب، الرسل، الإيمان باليوم
الآخر، القضاء والقدر) ، والنصوص الدالة على هذه الأصول كثيرة جدًا، سواء من الكتاب
أم السنة، أما من الكتاب فمن ذلك:
1- قال تعالى:
﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ
الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ
وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ
وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى
الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ
وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ
﴾ [البقرة: 177].
2-قال تعالى:
﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ
بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ
رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ
﴾ [البقرة: 285].
أما من السنة
فحديث عمر بن الخطاب المشهور، وفيه أنه قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه
وسلم ذات يوم؛ إذْ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر
السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى
ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام، قال: "الإسلام:
أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم
رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا"، قال: صدقت، فعجبنا له يسأله ويصدقه!
قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: "الإيمان: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله،
واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره"، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان،
قال: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" قال: فأخبرني
عن الساعة، قال: "ما المسئول عنها بأعلم من السائل"، قال: فأخبرني عن أمارتها،
قال: "أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان"،
قال: ثم انطلق. فلبثت مليًا، ثم قال لي: يا عمر! أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله
أعلم، قال: "هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم"
ومن هاتين الآيتين
وهذا الحديث يتبين لنا أن هناك أصولًا ستة للعقيدة الإسلامية هي أركان الإيمان:
الإيمان بالله..
الإيمان بالملائكة.. الإيمان بالكتب السماوية.. الإيمان بالرسل.. الإيمان باليوم الآخر..
الإيمان بالقضاء والقدر.