الوعي بالذات
أولاً: مفهوم الذات و تعريفه:
تسعى الدراسات النفسية عموماً إلى دراسة السلوك الإنساني وضبطه والتنبؤ به
من أجل تحديد جوانب تطوره، وذلك من خلال دراسة أهم جانب من جوانب شخصية الفرد ألا
و هو مفهوم الذات لأنه مركز الشخصية وبنائها وتكوينها، وبالتالي يساهم في تحديد
قدرتها على التفاعل مع المجتمع بشكل فعال.
وقد رأى علماء النفس الأوائل الذين تعرضوا لمفهوم الذات أن المجتمع مرآة
برى الفرد فيها نفسه، وعّرفوا الذات بأنها ما يشار إليه في الكلام الدارج بضمائر
المتكلم كأنا الفاعلة وياء المتكلم.
وكان وليم جيمس من أوائل علماء النفس الذين أولوا موضوع مفهوم الذات
الصدارة في أبحاثهم. حيث رأى أن الذات هي المجموع الكلي لكل ما يمكن أن يرى الفرد
أنه له .
وأشار إلى ثلاثة أنواع من الذات:
1.
الذات المادية: وهي
ذات ممتدة تحتوي بالإضافة إلى جسم الفرد على أسرته وممتلكاته.
2.
الذات الاجتماعية: وتتضمن
وجهة نظر الآخرين نحو الفرد.
3.
الذات الروحية:
وتتضمن انفعالات الفرد ورغباته.
و"نظم جيمس أسلوب فهم الذات بشكل أفقي ذي بعدين ممثلاً بالوجه
الأمامي والجانبي لمكعب ما. وقد قسمت الذات في الوجه الأمامي إلى أربعة عناصر هي:
الجسدي والعملي والاجتماعي والنفسي، وهذه هي المركبات التي تحدد الذات، وتعرف
الذات بأنها الشكل الفريد للطروحات الشخصية. أما الوجه الجانبي فقد تم تحليله إلى
ثلاث مراحل من الإدراك الذاتي، مرحلة الاستمرارية ومرحلة التمييز ومرحلة القوة
الفاعلة.
لقد تعددت الأطر النظرية لمفهوم الذات و ذلك على الشك التالي:
1. فكان أقدمها تلك التي تعتبر مفهوم الذات بناء أحادي البعد، وقد لاقت وجهة
النظر هذه القبول من عدد من الباحثين مثل روزنبرغ وسيمونز.
2. أما وجهة النظر الثانية فتعتبر مفهوم الذات نموذجاً هرمياً، ولاقت هذه
النظرة قبولاً من قبل بعض الباحثين مثل بايرن وشافلسون وبولص.
3. وتعتبر وجهة النظر الثالثة مفهوم الذات نموذجاً تصنيفياً، وهذا النموذج
مماثل لنظرية سبيرمانو ثيرستون.
4. ووجهة النظر الرابعة أوجدها واين وماركس وتعتبر مفهوم الذات نموذجاً تعويضياً.
وتتخذ الذات لدى (فرنون)،
شكل
مستويات متدرجة من أعلى إلى أسفل، وذلك في ضوء ما تتضمنه من محتويات شعورية ولاشعورية،
حيث تتكون الذات في مستواها الأعلى من ذوات فرعية اجتماعية عامة، ثم تجئ الذات الشعورية
الخاصة، وهذه تتكون من الذات المدركة التي يستطيع الفرد التعبير عنها لفظياً – و
خاصة لأصدقائه المقربين- ثم الذات البعيدة، و هذه يمكن أن يستشعرها الفرد من خلال
إجراءات التوجيه و الإرشاد النفسي، ثم تأتي الذات العميقة المكبوتة في نهاية سلم
الترتيب، و هذه لا يمكن أن تظهر إلا بالتحليل النفسي.
إن لمفهوم الذات جوانب ظاهرية تقع في موضع ما من الوضوح الشعوري، وجوانب
غير ظاهرية يكون الفرد على غير وعي أو شعور بها، وبالتالي فإن مصطلح مفهوم الذات
يقصد به فكرة المرء عن نفسه ويتضمن كذلك اتجاهاته نحو ذاته.
ويرى (عدس وتوق) أن مفهوم الذات لدى الفرد يتطور بتطور عدد من العوامل
المرتبطة، منها الوعي بالجسم وتشكيل صورة عنه، ووجود الآخرين الهامين في حياة
الفرد، مما يؤكد ارتباط الوضع الجسمي للفرد بمفهومه عن ذاته وقدراته بشكل مباشر،
فوظيفة مفهوم الذات هي تنظيم وتحديد السلوك من خلال عالم الخبرة المتغير الذي
يعيشه الفرد، و ينمو مفهوم الذات كنتاج للتفاعل الاجتماعي و أنماط التنشئة
الاجتماعية خلال مراحل حياة الإنسان المختلفة، ومن مراحل الطفولة المبكرة، ليكوّن
الفرد أفكاراً ومعتقدات محددة عن ذاته وإمكانياته المختلفة.
ومفهوم الذات عند (خنفر) فهو "تكوين معرفي منظم و متعلم للمدركات
الشعورية، و القدرات الخاصة بالذات، ويعبر عن تصورات الفرد وخبراته.
وأشار (جون هولتر)
إلى
أن "مفهوم الذات هو تلك الأنواع التي يستخدمها الفرد بغرض تعريف ذاته، و هكذا
فإنه لتعيين حدود مفهوم الذات يجب الأخذ بعين الاعتبار الطرق المتعددة التي يعرف
الناس أنفسهم بها".
وأشار (ستريكر)،
إلى
أن الاختلاف الأبرز والأكثر وضوحا بين ما يمثل مفهوم الذات يبدو واضحا في الأهمية
والتمركز، وذلك لكون بعض مفاهيم الذات مركزية، في حين بعضها الآخر أكثر إحاطة
وخارجية. وأشار إلى أن المفاهيم المركزية، بشكل عام تتسم بالاتساع ومن المفترض أن
تؤثر على المعلومات والسلوك بقوة أكبر من الأفكار المحيطة والتي اتساعها أقل.
أما (هيجنز)، فقد أشار إلى ثلاثة
أشكال لمفاهيم الذات، منها ما يعبر عن مفهوم الذات الواقعي، ومنها ما يمثل مفهوم
الذات الخاص.
وأشار كل من (جرودن ودوسك)
إلى
أن مفهوم الذات يتألف من العديد من المكونات، كل منها أساسي لتحقيق الذات
المثالية، وأهم هذه المكونات:
إدراك الذات – تقدير الذات – حب الذات – تقييم الذات – الثقة بالنفس –
احترام الذات .
وقد عرض العديد من الباحثين تعريفات مختلفة لمفهوم الذات، إلا أنها لم تكن
متسقة إلى حد بعيد. فكل منهم عرف مفهوم الذات حسب الإبعاد التي حددها، و التي رأى
أنها تسهم في وضع تصور شامل لمفهوم الذات. فمنهم من حدد ثلاثة أبعاد فقط للمفهوم
وهي:
1.
الذات الواقعية.
2.
الذات المثالية
3.
الذات الاجتماعية
و منهم من حدد خمسة
أبعاد لمفهوم الذات هي:
1. الذات الجسمية .
2. الذات الانفعالية .
3. الذات العقلية
4. الذات الاجتماعية .
5. البعد العام للذات.
وأشار (وليام فتش) إلى أن مفهوم الذات يمكن بلورته من خلال ما أسماه
بالنموذج الدائري، حيث يركز هذا النموذج على العلاقة القائمة بين الذات الشخصية
والسلوك الشخصي والكفاءة الشخصية.
وقد قامت دراسات عديدة بتقسيم مفهوم الذات لدى الفرد إلى أربعة أقسام هي:
1. مفهوم الذات الأساسي: يشير إلى إدراك المرء نفسه على حقيقته، وليس كما
يرغبها، حيث يتضمن هذا الإدراك جسمه و مظهره، وقدراته، ومركزه، ودوره من الحياة،
وكذلك قيمه ومعتقداته وطموحاته
.
2. مفهوم الذات المؤقت:
وهو
غير ثابت يحمله الفرد فترة وجيزة ثم يتخلى عنه، وقد يكون مرغوباً أو غير ذلك
معتمداً على الموقف الذي يجد المرء نفسه فيه. و يتأثر هذا النوع من مفهوم الذات
بمزاج الشخص وحالته العاطفية وخبراته الذاتية.
3. مفهوم الذات الاجتماعي:
يشير
إلى تصور الفرد لتقويم الآخرين له معتمداً في ذلك على أقوالهم و أفعالهم نحوه،
فمفهوم الذات الاجتماعي يتطور نتيجة لتفاعل الفرد مع المجتمع. فالفرد في البداية،
يقوّم قدراته و حاجاته، و قيمه و طموحاته في ضوء تقديرات الآخرين له إلى أن يصل
إلى مرحلة من النمو يكون قادراً عندها على فهم و تفسير أقوال و أفعال الآخرين
نحوه، يبدأ بعدها بتطوير مفهوم ذاته الأساسي.
4. مفهوم الذات المثالي:
وهو
عبارة عن الحالة التي يتمنى المرء أن يكون عليها، سواء ما يتعلق منها بالجانب الجسمي
أو النفسي أو كليهما معاً، ومنه ما كان ممكن التحقيق، ومنه ما كان غير ذلك معتمداً
على مدى سيطرة مفهوم الذات الأساسي أو المدرك لدى الفرد.
بهذا فإن مفهوم الذات عامل فعال في سلوك الفرد، فمفهومه عن ذاته هو الصورة
التي يحملها عن ذاته، ويبني هذه الصورة من خلال تقييمه لأهميته ذاته، ويعتمد ذلك
على المعلومات التي يتلقاها من أسرته، وأصدقائه. ممن يمثلون مكاناً مهماً في حياته. وبهذا السرد ومن
مجموعة التعاريف نستطيع أن نقول:
1. إن مفهوم الفرد عن ذاته يعني إدراكه لما يتميز به من صفات عن غيره.
2. لمفهوم الذات أهمية كبرى في تحديد سلوك الفرد.
3. مفهوم الذات مفهوم مفعم بالقوة و النشاط، فعال، حيوي، وله جوانب متعددة.
4. مفهوم الذات تنظيم معرفي ويشكل المحور الرئيسي لشخصية الفرد، وله أهمية
قصوى في تحديد سلوك الفرد وتكيفه.
5. مفهوم الذات هو مجموعة الأفكار والمشاعر والمعتقدات التي يكونها الفرد عن
نفسه.
6. يعبر مفهوم الذات عن الكيفية التي يدرك بها الفرد نفسه، و التي تتشكل من
خلال تفاعل الفرد مع البيئة الاجتماعية.
ثانياً: جوانب الذات:
للذات ثلاثة جوانب أساسية هي الإحساس بالذات، و إدراك الذات، و تقديم الذات. و يشير الإحساس بالذات إلى ما نشعر به عندما
نفكر في أنفسنا، و يتكون هذا الإحساس ببساطة من الشعور بوجودنا كأشخاص، و على
الرغم من أن بعض المفكرين مثل الفيلسوف الاسكتلندي هيوم، قد أثاروا الشك في إمكانية التأكد من تلك
السمة الأولية للذات إلا أن معظمنا يميل إلى وجهة نظر الحس العام للاسكتلندي توماس
ريد،
(1710- 1796) حيث قال إن الرجل
الذي لا يؤمن بوجوده غير جدير قطعاً بالمناقشة و مثله مثل الرجل الذي يعتقد أنه
مخلوق من زجاج.
كما ينشأ لدى كل فرد فينا أثناء حياته إدراك تقييمي للذات، فقد يعتقد شخص
ما أنه منُجز أو خجول، و يشار إلى هذا الجانب بأنه تقييمي لأنه يقترن بالمشاعر
الإيجابية و السلبية نحو الذات، فقد تشعر "دينا" أنها خجولة و أن خجلها
هذا يسببِ لها كل أنواع الصعوبات الاجتماعية، وقد تتمنى أن تكون أكثر انفتاحا وثقة
بذاتها في المواقف الاجتماعية.
أما الجانب الثالث فهو كيفية تقديم أنفسنا للآخرين، فقد تحاول
"دينا" مثلاً أثناء مقابلة للحصول على وظيفة تقديم نفسها على أنها شخصية
مُنفتحة وواثقة من ذاتها.
والسمة المدهشة لجوانب الذات من وجهة النظر النفسية الاجتماعية هي أنها
يمكن أن تناقض بعضها البعض، وعلى سبيل المثال فقد تنجح "دينا" في تقديم
نفسها للشخص القائم بالمقابلة على أنها إنسانة شديدة الثقة بنفسها، ولكنها قد تشعر
في الوقت ذاته أنها شديدة الخجل فعلا وتفتقر إلى الثقة بالنفس.
ويختلف جانبا الإحساس بالذات وإدراك الذات عن جانب تقديم الذات في مدى
العلنية والوضوح، حيث لا يمكن ملاحظة هذين الجانبين ملاحظة مباشرة من الخارج في
حين الجانب الثالث ظاهر ويمكن ملاحظته مباشرة. فالمديرون الذين يقومون بمقابلة
"دينا" لا يمكنهم ملاحظة إحساسها بنفسها وإدراكها لذاتها على أنها من
خلال الملاحظة المباشرة، و لكن يمكنهم ملاحظتها مباشرة أثناء تقديمها لنفسها أثناء
المقابلة.
ويذهب موجهدام إلى أن انطباعنا عن ذاتنا يتشكل من كلا الجانبين وهما:
تقديرنا لذاتنا، أي شعورنا تجاه أنفسنا، ومفهومنا عن ذاتنا أي ما نعرفه عن أنفسنا،
ويرى أنه على الرغم من أن هذين المكونين يبدوان مألوفين ومريحين إلا أنهما يتطوران
ويتغيران باستمرار بتغير خبراتنا و ظروف حياتنا والوسط الاجتماعي الذي يضمنا.
كما يرى أن فهم الذات أو إدراكها و الإحساس بها أمرا ليس سهل المنال، ويدلل على ذلك بأمرين هما:
الأول: عجزنا عن
التنبؤ باستجابتنا إزاء حدث جديد مثل فقدان الوظيفة، أو الدخول في دور جديد مثل أن
تصبح زوجاً أو أباً.
والثاني: لو كان الأمر بهذه
السهولة لما قضى الأطباء النفسيون الساعات الطويلة في علاج الناس، ولما كادت أرفف
المكتبات تكتظ بكتب التعلم الذاتي والمساعدة الذاتية.
وقد
أدت عدم القدرة على ملاحظة بعض الجوانب الهامة في الذات إلى إهمال الذات كأحد
موضوعات الدراسة مدة طويلة خلال القرن العشرين، حيث سادت المدرسة السلوكية التي ركزت
فقط على ما يمكن ملاحظته، واستغرق الأمر ما يقرب من نصف قرن أي منذ أواخر العقد
الثاني وحتى العقد السابع من نفس القرن.
ولم تنفرج هذه الأزمة وتصبح الذات أحد موضوعات الدراسة العلمية في علم
النفس إلا بعد انطلاق الثورة المعرفية أثناء الستينات من القرن العشرين، وتعد عودة
الذات إلى الاتجاه السائد في علم النفس عامة وعلم النفس الاجتماعي على وجه الخصوص
أكثر إثارة من ذلك، لأن الأبحاث التي تناولت الذات في الثقافات الغربية أبحاث
مبشرة و تؤدي إلى تفسير عالمي حقاً، ويمكننا الوصول إلى تعميمات أكثر دقة من خلال
مقارنة ما تخبرنا به الدراسات البحثية عن الذات المستقلة والذات الاعتمادية، كما
يمكننا تحديد جوانب الذات التي تميل للاختلاف باختلاف الثقافة، كما يقوم علماء
النفس الاجتماعي بدراسات تجريبية عن جوانب الذات مثل الأحاديث الذاتية التي تدور
داخل الذات، وعلاقة الذات بالسياق الاجتماعي الذي توجد فيه، تلك الجوانب التي كنا
نظن يوما ما أنها جوانب تخرج عن نطاق البحث العلمي.
1. الإحساس بالذات:
تخيل أن شخصاً ما – والدك، أو أخاك الأكبر، أو صديقك – فتح الباب حجرتك
فجأة و أنت تقرأ هذا الكتاب، وسألك: ماذا تفعل؟ سوف ترد قائلاً ، أقرا كتاباً في
علم النفس الاجتماعي، و قد تساعدك إجابتك في إلقاء الضوء على عدة جوانب من ذاتك
يمكن اعتبارها ملامح أو معالم أو سمات للذات.
2. الإدراك الذاتي
للدافعية:
بالتأكيد، لا نقوم بإصدار أحكام سريعة عن أنفسنا طوعاً أو كرهاً، و تفترض
نظرية إدراك الذات أننا نستدل على ذاتنا من سلوكنا عندما تكون الملامح الداخلية Internal
Cues ضعيفة أو غامضة، وعندما لا توجد ضغوط موقفية قاهرة،
كما أن الناس يميلون إلى النظر إلى أنفسهم على أنهم يتمتعون بسمات تتوافق مع
سلوكهم الماضي أو الحاضر عند عدم وجود مشاعر داخلية قوية و ضغوط خارجية قاهرة، و
لكن إذا كنت تعاني من تقلصات حادة في المعدة فلا حاجة بك لأن تلتهم ساندويشاً لكي
تعرف أنك كنت جائعا، كما أنه لا يحتمل أن تستنتج أنك كنت جائعا لأنك لاحظت نفسك و
أنت تشارك في الأكل.
وفي الواقع يتوصل الناس في معظم الأحيان إلى استنتاجات عن أنفسهم من
سلوكياتهم التي يرون أنهم اختاروها بحرية، وتثير الدافعية الداخلية السلوكيات
المختارة بحرية، فنحن نفعل ما نريد أن نفعله، وليس ما علينا أن نفعله. وفي المقابل
يكون السلوك محكومّا بالدوافع الخارجية إذا كان يؤدي للحصول على هدف ما خارجي، وغالبا
ما نؤديه دون الإحساس بالراحة.
على أساس نظرية الإدراك الذاتي، فلا شك أن الأطفال الذين رأوا أنفسهم
يرسمون صوراً عندما وعدوا بالحصول على مكافأة استنتجوا أنهم يرسمون من أجل الحصول
على تلك المكافأة و ليس لمجرد الحصول على متعة الرسم، و في المقابل، قاد الرسم
بدون توقع المكافأة بعض الأطفال إلى استنتاج أن هذا النشاط ممتع و مثير بالقطع، و
هكذا قد تُضعف المكافأة الخارجية الدافعية الداخلية، بخاصة عندما ينظر إليها على
أنها رشاوى تتحكم خارجيا في السلوك، و ليست علاوات أو تعزيزات تدل على الكفاءة.
3. الاستدلال من خلال الأفكار والمشاعر:
لا أحد يعرفك جيدا مثلما تعرف أنت نفسك، أليس كذلك؟ قد يرجع ذلك إلى أن
أهم مؤشر أو ملمح لمعرفة الذات هو ردود أفعالنا الخاصة تجاه العالم من حولنا، أي
أفكارنا ومشاعرنا. وحتى نظرية إدراك الذات نفسها ترى أن الناس لا يستنتجون معلومات
من سلوكياتهم الخاصة إلا في حالة ضعف المعطيات أو المؤشرات الداخلية مثل الأفكار و
الشاعر، ويمكن أن تمدنا تلك المعطيات بمعلومات أكثر من المعلومات التي قد نحصل
علينها من ملاحظة السلوك الظاهر، ويرجع ذلك بالتحديد إلى أن الأفكار و المشاعر أقل
تأثراً بالضغوط الخارجية مقارنة بالسلوك الظاهر، فقد يدفعك حضور حفل زفاف أقرب
الأصدقاء لك مثلا لأن تُجاري أو تساير جو الحفلة ولكن إحساسك الداخلي بالغيرة أو
القلق ( لأنه سوف يكون من الصعب عليكما الالتقاء باستمرار كما كان يحدث سابقا ) يخبرانك
المعلومات أكثر عن نفسك. وتؤكد إحدى الدراسات على أهمية الأفكار والمشاعر في معرفة
الذات، هي دراسة أندرسن
(Andersen,1984) التي
استمع فيها بعض الملاحظين لمفحوصين يتحدثون عن أفكارهم وأحاسيسهم في مواقف الحياة
اليومية المتنوعة، في حين سمع ملاحظون آخرون المفحوصين يصفون سلوكهم فقط في تلك
المواقف، و قام الملاحظون بتدوين انطباعاتهم، و كشفت النتائج أن الملاحظين الذين
سمعوا وصف الأفكار و المشاعر كونوا انطباعات تتوافق مع مفهوم الذات عند المفحوصين
على نحو أدق من الانطباعات التي سجلها الملاحظون الذين سمعوا وصفا للسلوك فقط، و
تشير النتيجة إلى أن أفكارنا و أحاسيسنا يمكن أن تلعب دوراً في استنتاجاتنا عن
سلوكنا أكبر من الدور الذي تلعبه السلوكيات.
4. أثر ردود أفعال الآخرين:
تساهم ردود أفعال الآخرين أيضا في نمو مفهوم الذات، و قد وضع عالم
الاجتماع تشارلز كولي Cooley, CH عبارة "الذات
الناظرة من خلف الزجاج" The Self Looking Glass عام (1902) للإشارة إلى أن ردود أفعال الآخرين
تجاهنا تعد مصدراً هاماً من مصادر معرفة الذات، وتعد تلك الردود بمثابة مرآة تعكس
صورتنا، فنتمكن نحن أيضا من رؤيتها (Felson,1980) ، فالوالدان يدلَّلوننا، والأقران يستخفون بنا، والأقارب يلاحظون بسرور
أننا نُذكرهم بصفات فيهم، وتخبرنا مثل تلك الاستجابات أننا ظرفاء أو غير رياضيين
أو متدينون، وهكذا تشير هذه العبارة إلى أن مفهوم الذات والإحساس بها يعتمد على
ويتأثر بنظرة الآخرين لنا، وتخيل أحكامهم نحونا ونحو مظهرنا، وبعض المشاعر الذاتية
الصادرة عنا مثل الفخر أو الخزي أو الخجل، كما أدرك مفكرون آخرون مثل فرويد ، و
جورج ميد Mead,D , و جان بياجيه piaget , و إنهلدرInhelder ، و
فيجوتسكي، Vogotsky نفس الأمر رغم
الاختلاف أساليبهم في التعرف على الأصول الاجتماعية للوعي بالذات.
5. المقارنة الاجتماعية:
كثيراً ما نطلب من أطفالنا أن يكونوا متفوقين أو مؤدبين أو منظمين مثل
أولاد عمهم أو أولاد خالهم أو غيرهم، وكما يستخدم المدرسون المقارنة بين الطلاب
لحث المتأخرين دراسياً منهم على الإنجاز والنجاح، وهكذا تلعب المقارنة الاجتماعية
دوراً في توجيه سلوكنا منذ الصغر، وتظل تقترن بسلوكنا وأفكارنا عن ذاتنا حتى في
الرشد، وهو ما دفع ليون فستنجر
Fesinger إلى صياغة ما يعرف
بنظرية المقارنة الاجتماعية Social Comparison Theory و التي تتضمن أن
الأفكار و الأحاسيس المرتبطة بالذات تنشأ في أغلب الأحوال من عقد مقارنات بيننا و
بين الآخرين، كما أقترح فستنجر أن الناس يريدون تقييم أنفسهم على
نحو
دقيق، و لذا يبحثون عن آخرين يشبهونهم لعقد هذه المقارنات، فإذا أردت كلاعب شطرنج
صاحب مهارة معقولة مثلاً أن تعرف مدى براعتك في اللعب، فيمكنك وقتها أن تعرف
معلومات كافية عن ذاتك من خلال مقارنة نفسك بأندادك أثناء مباراة بينكم، أكثر مما
تعرفها من خلال مباراة لك مع أساتذة اللعبة أو المبتدئين فيها، وغالبا ما يكون
نظراؤنا في العمر أو الجنس أو المستوى التعليمي والاقتصادي أهدافا طبيعة للمقارنة.
وتعطينا المقارنات الاجتماعية الفرصة لبناء مفهوم عن نفسنا من خلال الكشف
عن الجدية أو الاجتماعية التي تميزنا عن الآخرين المألوفين أو المشابهين لنا، و
غالبا ما تصبح تلك السمات التي تميزنا عن معظم الأشخاص الآخرين من مظاهر الذات.
فقد يفكر من يستخدمون يدهم اليُسرى (الأعسر) في مسألة استخدام الأيدي ، وهي سمة
شخصية مميزة أكثر مما قد يفكر فيها من يستخدمون يدهم اليمنى (الأيمن). و قد يذكر
الأطفال الذين يكتبون وصفا لأنفسهم سمات مثل "ارتداء النظارات، قصر
القامة" تميزهم على أنهم غير عاديين في أسرتهم أو فصولهم الدراسية، باختصار
تسمح لنا المقارنة الاجتماعية من خلال تلخيص نواحي اختلافنا عن غيرنا ببناء مفهوم
للذات يعطي كلاً منا إحساساً بالتفرد و التميز.