نبذة تعريفية مختصرة بكتاب صحيح البخاري
• اسم صحيح البخاري هو:
"الجامع الصَّحيح
المسنَد مِن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيَّامه"، ينظر: مقدِّمة
ابن الصلاح في علوم الحديث (1/ 26)، وفتح الباري؛ لابن حجر (1/ 8).
• وقد اعتنى الإمامُ البخاري رحمه الله في
تأليفه للجامع الصَّحيح عنايةً بالغة، قال البخاري رحمه الله: "صنَّفتُ الجامعَ
من ستمائة ألف حديث في ست عشرة سنة، وجعلتُه حجَّةً فيما بيني وبين الله"، ينظر:
تاريخ الإسلام؛ للذَّهبي (6/ 147).
• وعدد أحاديث صحيح البخاري (2500) حديث
تقريبًا بدون تكرار، وعدد أحاديثه مع التكرار (7563).
• وقد رتَّب البخاريُّ صحيحَه ترتيبًا عَجيبًا
في كُتب متنوعة تندرج تحتها أبوابٌ كثيرة، وعدد الكتب التي عقدها البخاريُّ في صحيحه
(97) كتابًا، بدأها بكتاب بَدْء الوحي، فكتاب الإيمان، فكتاب العلم، ثمَّ كتب العبادات
من الوضوء والغُسل... إلخ، وتناوَل في تلك الكتب سائرَ أحكام الشرع العملية والاعتقادية،
ومن الكتب التي عقدها: كتاب تفسير القرآن، وكتاب فضائل القرآن، وكتاب الأدب، وكتاب
الدعوات، وكتاب الرِّقاق، وممَّا ذكره كتاب أحاديث الأنبياء، وكتاب المناقب، وكتاب
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وضمنه: باب مناقب علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي
أبي الحسَن رضي الله عنه، وباب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وباب مناقب
الحَسَن والحسين رضي الله عنهما، وباب مناقب فاطمة عليها السلام، وعقَد كتاب المغازي
لذِكر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وغزواته، ثمَّ ذكَر أخيرًا: كتاب الفِتَن، وكتاب
الأحكام، وكتاب التَّمَنِّي، وكتاب أخبار الآحاد، وكتاب الاعتصام بالكتاب والسنَّة،
وختم كتابَه بكتاب التوحيد.
• وكل كتاب في صحيح البخاري يتضمَّن أبوابًا يَذكر
فيها البخاري بعضَ الآيات المناسِبة للباب، ويروي في كلِّ باب عددًا من الأحاديث بإسناده،
ويكرِّر غالبًا الحديثَ الواحد في أكثر من باب؛ ليستخرج منه بعضَ الأحكام الفقهية وبعضَ
الفوائد المستنبَطة؛ ولذلك قال العلماء: فِقهُ البخاري في تَراجِمه؛ أي: في الأبواب
التي عقَدها في صحيحه؛ فهي تدلُّ على فِقْهه وحُسْنِ استنباطه، وقد يَذكر البخاريُّ
في بعض الأبواب أقوالًا لبعض الصحابة والتابعين.
• روى الفِرَبْريُّ عن شيخه البخاري أنه
قال: "ما وَضعتُ في كتابي الصَّحيح حديثًا إلَّا اغتَسلتُ قبلَ ذلك وصلَّيتُ ركعتين"؛
ينظر: تاريخ بغداد؛ للخطيب البغدادي (2/ 327).
• ونقَل عمر بن محمد البحيري عنه أنَّه قال:
"ما أَدْخلتُ فيه - يعني: كتاب صحيح البخاري - حديثًا حتى استخَرتُ اللهَ تعالى
وصلَّيتُ ركعتين وتيقَّنتُ صحَّتَه"، ينظر: فتح الباري؛ لابن حجر (1/ 489).
• وهذا مِن البخاري لزيادة التأكُّد من صحَّة الأحاديث
التي بَذَلَ جهدَه في اختيارها مِن أصحِّ الأسانيد، وإلَّا فهو إمامُ الدنيا في حِفْظ
السنَّة النبوية، وتمييزِ صحيحِها مِن سقيمها، ومعرفةِ الرواة؛ كما يُعلم ذلك من ترجمته.
• ومن العجائب أنَّ بعض جُهَّال هذا الزمان
يَستبعد أن يكون البخاريُّ اغتَسَل وصلَّى ركعتي الاستخارة عند كلِّ حديث كَتَبه في
صحيحه!
فنقول لهم - تصحيحًا لأفهامهم -: لو كان
زمَن اغتِسال البخاري وصلاته ركعتين نِصف ساعة؛ فهذا يستغرق (1250) ساعة، وهذا لا يُستغرب
إذا عرفنا أنَّه ألَّف صحيحَه في (16) عامًا، فلو كان يكتب حديثًا واحدًا في كلِّ يومين
أو في كلِّ ثلاثة أيام ويَغْتسل ويُصلِّي ركعتَي الاستخارة؛ لأَمْكَن هذا في تلك المدَّة
الطَّويلة التي استغرقها في تأليف صَحيحه، فلماذا تَعجبون مِن هذا؟!
• وقد وضَع اللهُ القبولَ لكتاب صحيح البخاري
بما لا نَظير له في الكتب المصنَّفة، فتلقَّاه العلماءُ في مختلف البلدان وعلى مَرِّ
الأعصار بالرِّواية والسماع، والنَّسْخِ والشرح، والحفظِ والدَّرس، بما لا تَرى مثله
لأيِّ كتاب آخر بعد كتاب الله.
• قال الحافظُ ابن كثير: "أجمَع العلماءُ
على قَبول صحيح البخاري وصحَّةِ ما فيه، وكذلك سائرُ أهل الإسلام"، ينظر: البداية
والنهاية؛ لابن كثير (11/ 24).
• وقال النوويُّ في مقدِّمة شرحه لصحيح الإمام
مسلم: "اتَّفَق العلماءُ رحمهم الله على أنَّ أصحَّ الكُتب بعد القرآن العزيز:
الصحيحان البخاري ومسلم، وتَلقَّتْهما الأمَّةُ بالقَبول، وكتاب البخاري أصحُّهما وأكثرهما
فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة، وقد صَحَّ أنَّ مُسلمًا كان ممَّن يَستفيد من البخاري ويَعترف
بأنَّه ليس له نظير في علم الحديث"، ينظر: شرح النووي على مسلم (1/ 14)، وينظر:
مقدمة ابن الصلاح (1/ 10).
• وقال الخطَّابي: "غَرَضُ البخاري
ذِكْرُ ما صَحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن حديثٍ في جليل مِن العلم أو دَقيق؛
ولذلك أَدْخَل فيه كلَّ حديث صحَّ عنده في تفسير القرآن، وذِكْرِ التوحيد والصِّفات،
ودلائل النبوَّة، ومبدأ الوحي، وشأن المبعث، وأيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وحروبه
ومغازيه، وأخبار القيامة والحشر، والحساب، والشفاعة، وصِفة الجنة والنار، وما ورَد
منها في ذكر القرون الماضية، وما جاء مِن الأخبار في المواعظ والزُّهدِ والرقاق، إلى
ما أودعه بَعدُ من الأحاديث في الفقه والأحكام، والسننِ والآداب، ومحاسن الأخلاق، وسائر
ما يَدخل في معناها من أمور الدين، فأصبح هذا الكتاب كَنْزًا للدِّين، ورِكازًا للعلوم،
وصار بجودة نقده وشدَّة سَبْكه حَكَمًا بين الأمَّة فيما يُراد أن يُعلم مِن صحيح الحديث
وسقيمِه، وفيما يجب أن يُعتمد ويُعول عليه منه"، ينظر: أعلام الحديث؛ للخَطَّابي
(1/ 102) بتصرف يسير.
• وقال الحافظ ابن حجر: "لا يرتاب عاقلٌ
في أنَّ مدار العلوم الشرعية على كتاب الله المقتفى، وسنَّة نبيه المصطفى... وقد رأيتُ
الإمامَ أبا عبدالله البخاري في جامعه الصَّحيح قد تصدَّى للاقتباس من أنوارهما البهيَّة
تقريرًا واستنباطًا، وكرع من مناهلهما الروية انتزاعًا وانتشاطًا، ورُزِق بحُسْن نيته
السَّعادةَ فيما جَمَع، حتى أذعَن له المخالِفُ والموافِق، وتلقَّى كلامَه في التصحيح
بالتسليم المطاوعُ والمفارق"، ينظر: فتح الباري؛ لابن حجر (1/ 3).
• وقد أحسَن من قال:
صحيحُ البخاريِّ لو أنْصَفوه لَما خُطَّ إلَّا بماء الذَّهبْ
هو الفَرْقُ بين الهُدى والعَمى هو السدُّ بين الفَتى والعطَبْ
أسانيد مثلُ نجومِ السَّماء أمام متونٍ كمِثْل
الشُّهُبْ
به قام ميزانُ دينِ الرسولِ ودانَ به العُجْمُ بعد العَرَبْ
حِجابٌ من النارِ لا شكَّ فيهِ تَميَّزَ بين الرِّضا والغضَبْ
وَسترٌ رَقيقٌ إلى المُصطَفى وَنصٌّ مُبينٌ لكَشف
الرِّيَبْ
فَيَا عَالِمًا أجمَع العالِمونَ على فَضْل رتبتِه في
الرُّتَبْ
سَبَقْتَ الأَئمَّةَ فيمَا جَمَعتَ وَفُزتَ عَلى رَغمِهم بالقَصَبْ
نَفَيتَ الضَّعيفَ منَ النَّاقلينَ وَمَن كَانَ مُتَّهَمًا بالكَذبْ
وَأَبرَزتَ في حُسن تَرتيبِه وَتَبويبه عَجَبًا
للعَجَبْ
فَأعطَاكَ مَولاكَ مَا تَشتَهيهِ وَأَجزَل حظَّك فيما وهَبْ
ونختم هذا المقالَ بما رواه الإمامُ البخاريُّ رحمه
الله في كتاب الإيمان من صحيحه في باب: حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان:
• قال البخاريُّ: حدَّثنا يعقوب بن إبراهيم
قال: حدَّثنا ابن عُليَّة، عن عبدالعزيز بن صهيب، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم،
ح وحدَّثنا آدمُ قال: حدَّثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس قال: قال النبيُّ صلى الله عليه
وسلم: ((لا يؤمِن أحدكم حتى أكونَ أحبَّ إليه مِن والده وولدِه والناسِ أجمعين)).
• اللهمَّ حبِّب إلينا كتابَك وسنَّةَ رسولك،
وعلِّمنا تفسيرَ كتابك وحديث نبيِّك، وفقِّهنا في دينك، وارزقنا طاعتَك وطاعة رسولك
صلى الله عليه وآله وسلم.