ياء المتكلم
مقدمه
تعد ألفية ابن مالك المنظومة النحوية
الأكثر شهرة التي اقبل عليها العلماء والمتعلمون حفظا ودرسا وشرحا على مدى قرون
عدة ، وقد أدى ذيوعها إلى كثرة شروحها كثرة واضحة لم يعرف التأليف في شرح النظم
النحوي مثيلا لها . وهذا الشرح هو شرح ابن عقيل ؛ والسبب في اختيارنا له لأنه يدرس
في جامعات ومعاهد البلاد العربية كافة من المحيط إلى الخليج ، ولا يعرف السر في
هذا الاختيار ، فهو ليس أفضل كتب النحو مادة ، ولا أكثرها فائدة وسهولة
المضاف إلي ياء المتكلم
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فصل :
المنادى المضاف إلى ياء المتكلم ].
تقدم في باب الإضافة أن المضاف إلى
ياء المتكلم إما أن يكون صحيح الآخر، أو معتل الآخر، وأن المعتل تفتح فيه الياء،
سواء كان معتلاً بالألف أو بالياء، حتى المثنى المرفوع، وحتى جمع المذكر السالم
المرفوع أو المنصوب أو المجرور، وقد تقدم الكلام عليه، فتبقى الياء مفتوحة فتقول:
يا فتايَ، وأما إذا ناديت غلاماك فتقول فيهما: يا غلامايَ، إن عينت؛ لأنه يكون
نكرة مقصودة فيبنى على الألف
أما إذا كان صحيح الآخر، فقد ذكر
المؤلف أن فيه لغات متعددة
المنادى المضاف إلى ياء المتكلم
الصحيح الآخر
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ واجعل منادى صح إن يضف ليا كعبد عبدي عبد
عبدا عبديا ]
قوله: (واجعل منادى صح) أي: ما كان آخره صحيحاً،
وهو الذي ليس آخره حرف علة، وحروف العلة هي: الواو والألف والياء.
قوله: (إن يضف ليا)، المراد بالياء
هنا ياء المتكلم.
قوله: (كعبدِ عبدي عبدَ عبدا عبديا)
فهذه خمس لغات:
الأولى: يا عبدِ؛ يا: حرف نداء،
وعبدِ: منادى منصوب بياء النداء وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل الياء منع من
ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، وحذفت الياء للتخفيف.
الثانية: يا عبدي: مثلها، إلا أنك
تقول: عبد: مضاف، والياء مضاف إليه مبني على السكون في محل جر.
الثالثة: يا عبدَ: أصلها (عبدا)
بالألف، فقلبنا الياء ألفاً ثم حذفنا الألف للتخفيف، فقلنا: يا عبدَ؛ يا: حرف نداء،
عبدَ: منادى منصوب بياء النداء وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم
المقلوبة ألفاً في محل نصب، والألف المنقلبة عن ياء محذوفة للتخفيف
الرابعة: يا عبدا: الفرق بين هذه
وبين التي قبلها أن الألف المنقلبة عن ياء باقية، فنقول في إعراب (عبدا): عبدا: منادى
منصوب بياء النداء وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل الألف المنقلبة عن ياء، منع
من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، وعبد: مضاف، والألف المنقلبة عن ياء مضاف
إليه مبني على السكون في محل جر.
والسر في تعدد اللغات في هذا: أن
إضافة الشيء للنفس كثيرة: عبدي، بعيري، بيتي، فلذلك جاءت فيه لغات متعددة، وكلما
كثر الشيء عند العرب تجد له أصنافاً كثيرة.
الخامسة: يا عبديا : الألف هنا
للإطلاق، والمراد (عبديَ)، فتقول: يا عبديَ: منادى منصوب بياء النداء وعلامة نصبه
الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتلكم منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة
المناسبة، وعبد: مضاف، وياء المتكلم مضاف إليه مبني على الفتح في محل جر .
في القرآن الكريم يقول الله تعالى: يَا
عِبَادِ فَاتَّقُونِ [الزمر:16]، أصلها: يا عبادي فاتقون، فحذفت
الياء، ويقول تعالى: قُلْ
يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ [الزمر:53]، فأتى بالياء مفتوحة، مثل: يا
عبديا.
والياء في (يا عباد) إن كانت موجودة
فقد حذفت لالتقاء الساكنين
المنادى بيا ابن أم ويا ابن عم
ونحوها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وفتح
او كسر وحذف اليا استمر في يا ابن أم يا ابن عم لا مفر ]
إذا أضيف (ابن) إلى (أم) و(عم) ونودي
جاز فيه مع اللغات السابقة لغتان: الكسر والفتح، تقول: يا ابن أمَّ، وتقول أيضاً:
يا ابن أمِّ، إلا أن الياء تحذف منهما؛ لقوله: (وحذف اليا استمر)، وذلك لكثرة
الاستعمال.
وقولنا: يا ابن أم، ويا ابن عم، إذا
قال قائل: أليست هذه مثل الأولى؟ نقول: لا؛ ففي الأولى المضاف إلى ياء المتكلم هو
المنادى، وهنا المنادى مضاف إلى مضاف إلى ياء المتكلم.
وهذا خاص بـ يا ابن أم ويا ابن عم،
أما غلامي وما أشبهها فإنه إذا كان المنادى غير مضاف إلى ياء المتكلم فتبقى الياء،
تقول: يا ابن غلامي، ولا تقل: يا ابن غلامَ ، لكن: يا ابن أمَّ، ويا ابن عمَ، يجوز
ذلك.
وإعرابها: يا: حرف نداء.
ابن: منادى منصوب بياء النداء وعلامة
نصبه الفتحة الظاهرة في آخره، وابن مضاف، وأم: مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة على
ما قبل ياء المتكلم المحذوفة للتخفيف، والياء المحذوفة مضاف إليه.
وإذا قلنا: يا ابن أمَّ -بالفتح-
فنقول: ابن: مضاف، وأم: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره كسرة مقدرة على ما
قبل الألف المنقلبة عن ياء.
إعراب آخر بالنصب:
يا ابن أم: اسمان مبنيان على الفتح
في محل نصب؛ لأنهما منادى، وابن أم مضاف والياء المقدرة مضاف إليه.
إعراب آخر:
ابن: منادى مضاف منصوب، أم: مضاف
إليه مجرورة بالكسرة المقدرة على آخره منع من ظهورها الفتحة المناسبة للألف
المنقلبة عن الياء المحذوفة للتخفيف، والألف المحذوفة مضاف إليه.
إذاً: نقول على هذا: يا ابن أم:
والأولى أنه ما دام أن الياء محذوفة
فلا نقول: مضاف إليه، بل نقول: ابن: مضاف، وأم: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة
جره الكسرة المقدرة على ما قبل الألف المنقلبة عن الياء المحذوفة للتخفيف.
حكم يا أبتِ ويا أمّتِ
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وفي الندا أبتِ أمَّتِ عرض واكسر أو افتح ومن
اليا التا عوض ]
يجوز في النداء أن تبدل الياء تاءً،
مع أن الذي مر معنا قبل قليل أن الياء تبدل ألفاً، والألف إلى الياء، وكلها حروف
علة، لكن هنا يجوز أن تبدلها بحرف صحيح وهو التاء، فتقول: يا أبتِ! قال الله
تعالى: قَالَ
يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ [الصافات:102] نقول في إعرابها:
يا: حرف نداء.
أب: منادى منصوب بياء النداء، وعلامة
نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
وأب مضاف والتاء المنقلبة عن ياء
مضاف إليه مبني على الكسر في محل جر.
وكذلك: يا أمّت: يا: حرف نداء.
أم: منادى منصوب بالفتحة الظاهرة.
وأم مضاف والتاء المنقلبة عن ياء
مضاف إليه مبني على الكسر في محل جر.
وقوله: (عرض) أي: وقع عرضاً، وليس
بلازم؛ لأن الأصل أن تقول: يا أبي، ويا أمي.
قوله: (واكسر أو افتح)، أي: تقول: يا
أبتَ، يا أمتَ، يا أبتِ، يا أمتِ.
وقوله: (أو) للتخيير.
قوله: (ومن اليا التا عوض) من الياء:
جار ومجرور في موضع نصب على الحال من (عوض).
والتاء: مبتدأ، عوض: خبر المبتدأ.
والمعنى: جاءت التاء عوضاً عن الياء،
وكأن المؤلف يشير بقوله: (ومن اليا التا عوض)، إلى دفع وهم أن تقول: التاء
للتأنيث، فإنه قد يقول قائل إنها للتأنيث، مثلما قالوا في (ثم) (ثمة)، ولكنه بين
أن التاء اسم؛ لأنها عوض من الياء .
وهو بسبق حائز
تفضيلا ... مستوجب ثنائي الجميلا (1)
والله يقضي بهبات
وافره ... لي وله في درجات الآخره (2)
= حال من الضمير المستتر في تقتضي،
وفاعل فائقة ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي " ألفية " مفعول به لاسم
الفاعل، وألفية مضاف و" ابن " مضاف إليه، وابن مضاف و" معط "
مضاف إليه، وجملة " تقتضي " مع فاعله وما تعلق به من المعمولات في محل
جر عطف على الجملة الواقعة نعتا لالفية أيضا.
(1) " وهو " الواو
للاستئناف، وهو: ضمير منفصل مبتدأ " بسبق " جار ومجرور متعلق بحائز
الآتي بعد، والباء للسببية " حائز " خبر المبتدأ " تفضيلا "
مفعول به لحائز، وفاعله ضمير مستتر فيه " مستوجب " خبر ثان لهو، وفاعله
ضمير مستتر فيه " ثنائي " ثناء: مفعول به لمستوجب، وثناء مضاف وياء
المتكلم مضاف إليه " الجميلا " نعت لثناء، والالف للاطلاق.
(2) " والله " الواو
للاستئناف، ولفظ الجلالة مبتدأ " يقضي " فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على
الياء، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الله، والجملة من الفعل
الذي هو يقضي والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ " بهبات " جار ومجرور
متعلق بيقضي " وافره " نعت لهبات " لي، وله، في درجات " كل
واحد منهن جار ومجرور وكلهن متعلقات بيقضي، ودرجات مضاف و" الاخرة مضاف إليه
مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة، وسكنه لاجل الوقوف، وكان من حق المسلمين عليه أن
يعمهم بالدعاء، ليكون ذلك أقرب إلى الاجابة.
تنبيه: ابن معط هو الشيخ زين الدين،
أبو الحسين، يحيى بن عبد المعطي بن عبد النور - الزواوي نسبة إلى زواوة، وهي قبيلة
كبيرة كانت تسكن بظاهر بجاية من أعمال إفريقيا الشمالية - الفقيه الحنفي.
143 - يلومونني في اشتراء النخي ... ل أهلي؛
فكلهم يعذل
__________
= الشاهد فيه: قوله " وقد
أسلماه مبعد وحميم " حيث وصل بالفعل ألف التثنية مع أن الفاعل اسم ظاهر.
وكان القياس على الفصحى أن يقول
" وقد أسلمه مبعد وحميم ".
وسيأتي لهذا الشاهد نظائر في شرح
الشاهدين الآتيين رقم 143 و144.
143 - هذا البيت من الشواهد التي لم
يعينوا قائلها، وبعده قوله: وأهل الذي باع يلحونه كما لحي البائع الاول اللغة:
" يلومونني " تقول: لام فلان فلانا على كذا يلومه لوما - بوزان قال يقول
قولا - ولومة، وملامة، وإذا أردت المبالغة قلت: لومه - بتشديد الواو " يعذل
" العذل - بفتح فسكون - هو اللوم، وفعله من باب ضرب " يلحونه "
تقول: لحا فلان فلانا يلحوه - مثل دعاه يدعوه - ولحاه يلحاه - مثل نهاه ينهاه -
إذا لامه وعذله.
الاعراب: " يلومونني " فعل
مضارع مرفوع بثبوت النون، والواو حرف دال على الجماعة، والنون للوقاية، والياء
مفعول به ليلوم " في اشتراء " جار ومجرور متعلق بيلوم، واشتراء مضاف،
و" النخيل " مضاف إليه " أهلي " أهل: فاعل يلوم، وأهل مضاف
وياء المتكلم مضاف إليه " فكلهم " كل: مبتدأ، وكل مضاف، وهم: مضاف إليه
" يعذل " فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا
تقديره هو يعود إلى كل الواقع مبتدأ، والجملة من يعذل وفاعله في محل رفع خبر
المبتدأ.
الشاهد فيه: قوله " يلومونني.
أهلي " حيث وصل واو الجماعة
بالفعل، مع أن الفاعل اسم ظاهر مذكور بعد الفعل، وهذه لغة طيئ، وقيل: لغة
أزدشنوءة.
وبذكر النحاة مع هذا الشاهد والذي
قبله قول الشاعر (وهو أبو فراس الحمداني): نتج الربيع محاسنا ألقحنها غر السحائب
ومثله قول " تميم " وهو من شعراء اليتيمة : إلى أن رأيت النجم وهو مغرب
وأقبلن رايات الصباح من الشرق فقد وصل كل منهما نون النسوة بالفعل، مع أن الفاعل
اسم ظاهر مذكور بعده
المراجع
1-
ألفية ابن مالك
2-
شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك ، تحقيق : محمد محيي الدين عبد الحميد