الغضب
مقدمــــــة
صار الغضب في عصرنا الحاضر داءا عضالاً
يعاني منه كثير من الناس مما نتج عنه التدابر والتباغض والتحاسد وفي بعض الأحيان
يصل الأمر إلى إزهاق الأنفس، والأرواح بسببه، وهذه كلها أشياء حرمها الشارع ونهى
الناس عنها، ولعل السبب الرئيسي لطغيان هذه الظاهرة - الغضب- هو ابتعاد الأمة عن
الفهم الصحيح لدينها، وتحكيم أهوائها بدل تحكيم شريعة ربها ونبيها فأصبح الناس
اليوم يسمون الأشياء بغير أسمائها، فسموا الخمر بغير اسمه فقالوا إنه مشروب روحي
ليصدق عليهم قول الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام: «يشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها» .
وهذا ينطبق على الغضب أيضا، فجعلوه رجولة وقوة، والرسول صلى
الله عليه وسلم يقول: «ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»
تعريف الغضب
عَرَّف الغضبَ جمعٌ من علماء اللغة وغيرهم ،
واختلفت العبارات ، واتفقت الثمرة فكلمة ( الغضب ) يدرك معناها الصغير ، والكبير
بلا تكلف أو تعب فتوضيح الواضحات - كما يقال - من الفاضحات ، وقد يزيده غموضا
وإشكالا قال المناوي –رحمه الله تعالى –
" والغضب كيفية نفسانية وهو بديهي
التصور " ومع ذلك لابد من ذكر شيء من ذلك :
قال القرطبي -رحمه الله تعالى- " والغضب
في اللغة : الشدة ، ورجل غضوب أي شديد الخلق ، والغضوب الحية الخبيثة ؛ لشدتها , والغضبة
: الدرقة من جلد البعير يطوى بعضها على بعض سميت بذلك لشدتها "
وقيل في معناه : تغيُّر يحصل عند فوران دم القلب
ليحصل عنه التشفي في الصدر .
وقيل : الغضب إرادة الإضرار بالمغضوب
عليه .
أسباب الغضب :
بواعث الغضب ، وأسبابه كثيرة جدا ،
والناس متفاوتون فيها ، فمنهم مَن يَغضب لأمر تافه لا يُغضب غيره وهكذا ، فمِن
أسباب الغضب :
أولا : العُجب
: فالعجب بالرأي والمكانة والنسب والمال سبب للعداوة إن لم يُعقل بالدين وذلك برده
ودفعه فالعجب قرين الكِبْر وملازم له , والكِبْر من كبائر الذنوب فقد قال النبي –صلى
الله عليه وآله وسلم- ( لا يدخل الجنة مَن في قلبه مثقال ذرة من كِبر ) وقال النبي
–صلى الله عليه وسلم- ( ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا
مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك نفسك ودع أمر العوام )
وعن ابن عباس –رضي الله عنهما – مرفوعا ( المهلكات ثلاث إعجاب المرء بنفسه وشح
مطاع وهوى متبع ). ولهذا فقد كان السلف يُحذرون من أسباب العُجب ، ولو لم تكن
مباشرة فعن سليم بن حنظلة قال : بينا نحن حول أُبي بن كعب نمشي خلفه إذ رآه عمر
فعلاه بالدرة ، فقال : أنظر يا أمير المؤمنين ما تصنع ؟ فقال : "إن هذا ذلة
للتابع وفتنة للمتبوع" .
وجاء أن يحيى بن زكريا لقي عيسى بن مريم -صلى
الله عليهما وسلم- فقال : أخبرني بما يُقرِّب من رضا الله ، وما يُبعد من سخط الله
؟ فقال : " لا تغضب " . قال : الغضب ما يبدأه وما يعيده ؟ قال : " التعزز
والحمية والكبرياء والعظمة ".
ثانيا
/ المراء : قال عبد
الله بن الحسين : " المراء رائد الغضب فأخزى الله عقلا يأتيك به الغضب " وللمراء آفات كثيرة منها : الغضب
لهذا فقد نهى الشارع عنه قال النبي –صلى الله عليه وآله وسلم – ( أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا
)
ثالثا : المزاح
إن
المـزاح بدؤه حلاوة : لكنما آخـره عـداوة
يحتد منه الرجل الشريف :
ويجتري بسخفه السخيف
فتجد بعض المكثرين من المزاح يتجاوز
الحد المشروع منه : إما بكلام لا فائدة منه ، أو بفعل مؤذ قد ينتج عنه ضرر بالغ ثم
يزعم بعد ذلك أنه كان يمزح ؛ لذا قال النبي –صلى الله عليه وسلم- ( لا يأخذن أحدكم
متاع صاحبه جادا ولا لاعبا )
رابعا : بذاءة
اللسان وفحشه
: بشتم أو سب أو تعيير مما يوغل الصدور , ويثير الغضب ، وقد قال النبي –صلى الله
عليه وسلم : ( إن الله يبغض الفاحش البذيء ) .
ومن أسباب الغضب أيضا : الغدر وشدة الحرص
على فضول المال والجاه قال الغزالي -رحمه
الله تعالى- " ومن أشد البواعث عليه عند أكثر الجهال : تسميتهم الغضب شجاعة
ورجولية وعزة نفس وكِبر همة " .
أنواع الغضب :
الأول : الغضب
المحمود : وهو ما كان لله –تعالى- عندما تنتهك
محارمه ، وهذا النوع ثمرة من ثمرات الإيمان إذ أن الذي لا يغضب في هذا المحل ضعيف
الإيمان قال تعالى عن موسى -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- بعد علمه باتخاذ قومه
العجل ( وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا
خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى
الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ
إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ
الْأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (الأعراف :150) .
أما غضب النبي -صلى الله عليه وآله
وسلم- فلا يُعرف إلا أن تنتهك محارم الله –تعالى- فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : ما ضرب رسول الله -صلى
الله عليه وآله وسلم - شيئا قط بيده ، ولا امرأة ، ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل
الله ، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم
لله -عز وجل- .
ومن ذلك ما رواه عبد الله بن عمرو -رضي
الله عنهما- قال : خرج رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - على أصحابه وهم
يختصمون في القدر فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان
من الغضب فقال : ( بهذا أمرتم ؟ أو
لهذا خلقتم ؟ تضربون القرآن بعضه ببعض بهذا هلكت الأمم قبلكم ) فقال عبد الله بن عمرو : ما غبطت نفسي بمجلس
تخلفت فيه عن رسول الله -صلى الله عليه
وآله وسلم- ما غبطت نفسي بذلك المجلس وتخلفي عنه . ، وما أكثر ما تنتهك محارم الله
تعالى في هذا الزمان علنا وسرا ، فكثير من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة
والمقروءة لا همَّ لها سوى نشر الرذيلة ، ومحاربة الفضيلة ، وإشاعة الفاحشة ، وبث
الشبهات ، وتزيين المنكر ، وإنكار المعروف ، والاستهزاء بالدين وشعائره فهذا كله
مما يوجب الغضب لله –تعالى- وهو من الغضب المحمود ، وعلامة على قوة الإيمان ، وهو
ثمرة لحفظ الأوطان ،وسلامة الأبدان ، وتظهر ثمرة الغضب هنا بالأمر بالمعروف ،
والنهي عن المنكر ، والرد على الشبهات أما السكوت المطبق مع القدرة على التغيير
فسبب للهلاك فعن زينب بنت جحش –رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- استيقظ من نومه وهو
يقول : ( لا إله إلا الله ويل للعرب من شر
قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه ) - وحلق بأصبعه وبالتي تليها - قلت : يا رسول
الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال :( نعم إذا كثر الخبث ) .
وكذلك من الغضب المحمود : الغضب لما
يحدث للمسلمين من سفك للدماء ، وانتهاك للأعراض ، واستباحة للأموال ، وتدمير
للبلدان بلا حق .
الثاني : الغضب المذموم :
وهو ما كان في سبيل الباطل والشيطان
كالحمية الجاهلية ، والغضب بسبب تطبيق الأحكام الشرعية ، وانتشار حلق تحفيظ القرآن
الكريم ، ومعاداة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بسبب محاربتهم للرذيلة ،
وكذا الدفاع عن المنكرات كالتبرج والسفور ، وسفر المرأة بلا محرم ، ويظهر ذلك جليا
في كتابة بعض كُتَّاب الصحف فتجد أحدهم يغضب بسبب ذلك ، ولا همَّ له سوى مسايرة
العصر !! سواء وافق الشرع المطهر أو خالفه فالحق عندهم ما وافق هواهم والباطل ما
حدَّ من مبتغاهم قال تعالى ( لَقَدْ
أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ (46) وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا
ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ
بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ
بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ
الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) )أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا
أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ
الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى
اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْفَائِزُونَ) (النور:52) .
الثالث : الغضب المباح :
وهو الغضب في غير معصية الله –تعالى-
ولم يتجاوز حدَّه كأن يجهل عليه أحد , وكظمه هنا خير وأبقى قال تعالى (
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ)(آل عمران : 134) ومما يُذكر هنا أن جارية لعلي بن الحسين جعلت
تسكب عليه الماء , فتهيأ للصلاة , فسقط الإبريق من يد الجارية على وجهه فشجه , فرفع
علي بن الحسين رأسه إليها ، فقالت الجارية : إن الله -عز وجل - يقول :(وَالْكَاظِمِينَ
الْغَيْظَ) فقال لها : قد كظمت غيظي .
قالت (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) فقال لها : قد عفا الله عنك . قالت : (وَاللَّهُ
يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) قال : اذهبي فأنت حرة
.
وتغضب
حتى إذا ما ملكتَ : أطعتَ الرضا وعصيتَ الغضب
وقال نوح بن حبيب : كنت عند ابن المبارك
فألحوا عليه . فقال : هاتوا كتبكم حتى أقرأ . فجعلوا يرمون إليه الكتب من قريب ومن
بعيد ، وكان رجل من أهل الري يسمع كتاب الاستئذان فرمى بكتابه فأصاب صلعة ابن
المبارك حرفُ كتابه فانشق ، وسال الدم , فجعل ابن المبارك يعالج الدم حتى سكن ثم
قال : سبحان الله كاد أن يكون قتال ثم بدأ بكتاب الرجل فقرأه .
قال ابن حبان –رحمه الله تعالى- " والخلق
مجبولون على الغضب ، والحلم معا ، فمن غضب وحلم في نفس الغضب فإن ذلك ليس بمذموم
ما لم يخرجه غضبه إلى المكروه من القول والفعل على أن مفارقته في الأحوال كلها
أحمد " ا.هـ
درجات الناس في قوة الغضب :
الأولى : التفريط : ويكون
ذلك بفقد قوة الغضب بالكلية أو بضعفها .
الثانية : الإفراط : ويكون
بغلبة هذه الصفة حتى تخرج عن سياسة العقل والدين ولا تبقى للمرء معها بصيرة ونظر
ولا فكرة ولا اختيار .
الثالثة : الاعتدال : وهو
المحمود وذلك بأن ينتظر إشارة العقل والدين .
علاج الغضب :
( ما أنزل الله داء إلا
وأنزل له شفاء ) ومن الأدوية لعلاج داء الغضب :
أولا : الاستعاذة بالله من الشيطان
قال تعالى ( وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ
مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ
الْعَلِيمُ) (فصلت:36)
عن سليمان بن صرد -رضي الله عنه – قال :
كنت جالسا مع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-
ورجلان يستبان فأحدهما احمر وجهه , وانتفخت أوداجه , فقال النبي -صلى الله
عليه وآله وسلم- ( إني لأعلم كلمة لو قالها
ذهب عنه ما يجد لو قال أعوذ بالله من الشيطان ذهب عنه ما يجد ) فقالوا له : إن
النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال :( تعوذ بالله من الشيطان ) فقال : وهل بي
جنون . قال ابن القيم -رحمه الله تعالى– " وأما الغضب فهو غول العقل يغتاله
كما يغتال الذئب الشاة وأعظم ما يفترسه الشيطان عند غضبه وشهوته " ا.هـ
ثانيا : تغيير الحال
عن أبى ذر -رضي الله عنه -أن رسول
الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال ( إذا
غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه
الغضب وإلا فليضطجع ) .
ثالثا : ترك المخاصمة والسكوت
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي –رحمه الله
تعالى " ومن الأمور النافعة أن تعلم أن أذية الناس لك وخصوصا في الأقوال
السيئة لا تضرك بل تضرهم إلا إن أشغلت نفسك في الاهتمام بها , وسوغت لها أن تملك
مشاعرك , فعند ذلك تضرك كما ضرتهم , فإن أنت لم تصنع لها بالا , لم تضرك شيئا
".
يخاطبني السفيه بكل قبح :
فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة وأزيد حلما :
كعود زاده الإحراق طيبا
رابعا : الوضوء
عن عطية السعدي -رضي الله عنه - قال : قال
رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ( إن
الغضب من الشيطان ؛ وإن الشيطان خلق من النار ، وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب
أحدكم فليتوضأ ) .
وفي حديث أبي سعيد
الخدري-رضي الله عنه- مرفوعا ( ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم أما رأيتم إلى
حمرة عينيه، وانتفاخ أوداجه فمن أحس بشيء من ذلك فليلصق وضوء ) .
خامسا : استحضار الأجر العظيم لكظم الغيظ
فمن استحضر الثواب الكبير الذي أعده
الله تعالى لمن كتم غيظه وغضبه كان سببا في ترك الغضب والانتقام للذات , وبتتبع
بعض الأدلة من الكتاب والسنة نجد جملة من الفضائل لمن ترك الغضب منها:
1/ الظفر بمحبة الله تعالى والفوز بما عنده قال
تعالى ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ
الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل
عمران:134) ومرتبة الإحسان هي أعلا مراتب الدين .
وقال تعالى ( فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ
شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى
لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ
يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ
يَغْفِرُونَ) (الشورى:37) .
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال : قال
رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ( ثلاثة مَن كنَّ فيه آواه الله في كنفه , وستر
عليه برحمته وأدخله في محبته ) قيل : ما هن يا رسول الله ؟ قال : ( مَن إذا أُعطي
شكر , وإذا قَدر غفر , وإذا غَضب فتر ) .
2/ ترك الغضب سبب لدخول الجنة
عن أبي الدرداء -رضي الله عنه – قال : قلت : يا
رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة . قال : ( لا تغضب ولك الجنة ) .
3/ المباهاة به على رؤوس الخلائق
عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى
الله عليه وآله وسلم- قال ( مَن كظم غيظا
وهو يقدر على أن ينفذه دعاه الله على رءوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره في أي الحور شاء ) .
4/ النجاة من غضب الله تعالى
عن عبد الله بن عمرو
-رضي الله عنهما- قال : قلت يا رسول الله ما يمنعني من غضب الله ؟ قال ( لا تغضب )
فالجزاء من جنس العمل ، ومن ترك شيئا لله عوضه الله تعالى خيرا منه.
وقال أبو مسعود البدري –رضي الله عنه- :
كنت أضرب غلاما لي بالسوط فسمعت صوتا من
خلفي ( اعلم أبا مسعود ) فلم أفهم الصوت
من الغضب قال : فلما دنا مني إذا هو رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فإذا هو
يقول : ( اعلم أبا مسعود اعلم أبا مسعود ) قال : فألقيت السوط من يدي . فقال : ( اعلم
أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام ) قال : فقلت لا أضرب مملوكا بعده أبدا .
وكان أبو الدرداء –رضي الله عنه - يقول "
أقرب ما يكون العبد من غضب الله إذا غضب واحذر أن تظلم من لا ناصر له إلا الله
" .
5/ زيادة الإيمان
قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ( وما
من جرعة أحب إلي من جرعة غيظ يكظمها عبد ، ما كظمها عبد لله إلا ملأ الله جوفه
إيمانا ) .
6/ كظم الغيظ من أفضل الأعمال
عن ابن عمر -رضي الله عنهما-قال : قال
رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- (ما من جرعة أعظم أجرا ثم الله من جرعة غيظ كظمها
عبد ابتغاء وجه الله ) .
قال ابن تيمية –رحمه الله تعالى-:
" ما تجرع عبد جرعة أعظم من جرعة حلم عند الغضب ، وجرعة صبر عند المصيبة ، وذلك
لأن أصل ذلك هو الصبر على المؤلم ، وهذا هو الشجاع الشديد الذي يصبر على المؤلم ، والمؤلم
إن كان مما يمكن دفعه أثار الغضب ، وإن كان مما لا يمكن دفعه أثار الحزن ، ولهذا
يحمر الوجه عند الغضب لثوران الدم عند استشعار القدرة ، ويصفر عند الحزن لغور الدم
عند استشعار العجز "
سادسا : الإكثار من ذكر الله تعالى
قال تعالى ( الَّذِينَ آمَنُوا
وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ
الْقُلُوبُ) (الرعد:28) فمن اطمئن قلبه بذكر الله تعالى كان أبعد ما يكون عن الغضب
قال عكرمة -رحمه الله تعالى -في قوله تعالى (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ
)(الكهف:24) " إذا غضبت " .
سابعا : العمل بوصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلا قال للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أوصني . قال
( لا تغضب ) فردد مرارا قال (لا تغضب ) . وهنيئا لمن امتثل هذه الوصية وعمل
بها ولا شك أنها وصية جامعة مانعة لجميع المسلمين ، قال الشيخ عبد الرحمن السعدي –رحمه
الله تعالى-" هذا الرجل ظن أنها وصية بأمر جزئي , وهو يريد أن يوصيه النبي -صلى
الله عليه وآله وسلم- بكلام كلي , ولهذا ردد . فلما أعاد عليه النبي -صلى الله
عليه وآله وسلم- , عرف أن هذا كلام جامع , وهو كذلك ؟ فإن قوله : ( لا تغضب )
يتضمن أمرين عظيمين : أحدهما : الأمر بفعل الأسباب , والتمرن على حسن الخلق ,
والحلم والصبر , وتوطين النفس على ما يصيب الإنسان من الخلق , من الأذى القولي
والفعلي . فإذا وفق لها العبد , وورد عليه وارد الغضب , احتمله بحسن خلقه , وتلقاه
بحلمه وصبره , ومعرفته بحسن عواقبه , فإن الأمر بالشيء أمر به , وبما لا يتم إلا
به , والنهي عن الشيء أمر بضده , وأمر بفعل الأسباب التي تعين العبد على اجتناب
المنهي عنه , وهذا منه . الثاني : الأمر -
بعد الغضب - أن لا ينفذ غضبه : فإن الغضب غالبا لا يتمكن الإنسان من دفعه ورده , ولكنه
يتمكن من عدم تنفيذه . فعليه إذا غضب أن يمنع نفسه من الأقوال والأفعال المحرمة
التي يقتضيها الغضب . فمتى منع نفسه من فعل آثار الغضب الضارة , فكأنه في الحقيقة
لم يغضب . وبهذا يكون العبد كامل القوة العقلية , والقوة القلبية "
قال ميمون بن مهران : جاء رجل إلى سلمان
-رضي الله عنه -فقال : يا أبا عبد الله أوصني . قال : لا تغضب. قال : أمرتني أن لا
أغضب وإنه ليغشاني ما لا أملك . قال : فإن غضبت فاملك لسانك ويدك .
ثامنا : النظر في نتائج الغضب
فكثير الغضب تجده مصابا بأمراض كثيرة
كالسكري والضغط والقولون العصبي وغيرها مما يعرفها أهل الاختصاص , كما أنه بسببه
تصدر من الغاضب تصرفات قولية أو فعلية يندم عليها بعد ذهاب الغضب روي عن علي -رضي
الله عنه- أنه قال " لذة العفو يلحقها حمد العاقبة , ولذة التشفي يلحقها ذم
الندم "
قبول النصيحة والعمل بها
فعلى من شاهد غاضبا أن ينصحه ، ويذكره
فضل الحلم ، وكتم الغيظ ، وعلى المنصوح قبولُ ذلك قال ابن عباس -رضي الله عنهما- استأذن
الحر بن قيس لعيينة فأذن له عمر فلما دخل
عليه قال : هي يا ابن الخطاب فوالله ما تعطينا الجزْل( أي العطاء الكثير) ولا تحكم بيننا بالعدل فغضب عمر حتى همَّ به .
فقال له الحر : يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه -صلى الله عليه وآله
وسلم- (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ
بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (الأعراف:199) وإن هذا من الجاهلين .
والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه , وكان وقافا عند كتاب الله. قال ابن القيم
رحمه الله تعالى :" وهكذا الغضبان فإنه إذا اشتد به الغضب يألم بحمله فيقول
ما يقول ، ويفعل ما يفعل ؛ ليدفع عن نفسه حرارة الغضب فيستريح بذلك , وكذلك يلطم
وجهه , ويصيح صياحا قويا , ويشق ثيابه , ويلقي ما في يده ؛ دفعا لألم الغضب , وإلقاء
لحمه منه , وكذلك يدعو على نفسه وأحب الناس إليه فهو يتكلم بصيغة الطلب والاستدعاء
والدعاء , وهو غير طالب لذلك في الحقيقة فكذلك يتكلم بصيغة الإنشاء وهو غير قاصد
لمعناها , ولهذا يأمر الملوك وغيرهم عند الغضب بأمور يعلم خواصهم أنهم تكلموا بها
دفعا لحرارة الغضب وأنهم لا يريدون مقتضاها فلا يمتثله خواصهم بل يؤخرونه
فيحمدونهم على ذلك إذا سكن غضبهم , وكذلك الرجل وقت شدة الغضب يقوم ليبطش بولده أو
صديقه فيحول غيره بينه وبين ذلك فيحمدهم بعد ذلك كما يحمد السكران والمحموم
ونحوهما من يحول بينه وبين ما يهم بفعله في تلك الحالة
خاتمة
في
هذا البحث المتواضع هو الحديث عن مصطلح الغضب في الكتاب والسنة فبدأت بتعريف الغضب
لغة واصطلاحا، ثم ذكرت النصوص الواردة فيه من الكتاب والسنة وبعد ذلك عرجت على
أنواع الغضب، فذكرت المحمود والمذموم منه مستدلا على ذلك بالنصوص الشرعية، ثم بينت
آثار الغضب ظاهرا وباطنا إلى أن أنهيته بذكر العلاج المناسب للغضب .
أنّ
منشأ و منبع الغضب هو القوة الغضبية التي يمتلكها الانسان, وقد أودعها الله في
وجوده, ليدفع عن نفسه المضّار والأضرار التي تتّجه اليه من الخارج, وإنها عند
الإعتدال و الوسطيّة من دون إفراط وتفريط تكون فضيلة وشجاعة, والتي هي من أمهات
الفضائل الاخلاقيّة كالعفة والحكمة والعدالة.
واما
تفريطها فهو الجبن وإفراطها فهو التهّور, وهما من الرذائل الأخلاقية والصفات
الذميمة التي توجب سقوط الإنسان من عرش انسانيته الى هاوية الجهل ووادي الشقاء
والبؤس, ويدخل في صفّ الأنعام ودائرة الحيوانات الضّارية, بل يكون أضلّ سبيلاً في
أسفل السافلين مع والمردة الشياطين, فأنه يملك العقل والقوة العاقلة التي ينتفع
منها عند تفاعلها وإستعمالها في تعديل القوى وتهذيب النفس وتربية الرّوح, وتفعيل
إنسانيته وتكاملها وعلوّها الى قمة السعادة والمعرفة, الا انه بجهله وغلبة هواه
وشهوته يضيع هذه الجوهرة الإلهية والنعمة الربّانية.
امّا
الغضب وهيجانه فتارة يكون مذموماً عند إفراطه, اذا كان الدافع ومتعلقه النفس
الامارة بالسّوء و ألانانية المبغوظة, وجرّ النّار الى قرصة ظلماً وعدواناً. بعنف
و تدمير وسحق حقوق الآخرين, ويتولد منه الحقد والكراهية والبغض والعداء والحسد
والعنف وآفات وأمراض خطيرة أُخرى, كما هو الغالب في غضب الناس.
وأخرى
يكون الغضب ممدوحاً إذا كان من ورائه القرب من الله سبحانه، ويكون متعلّقه لله عز وجل
المراجع
1-
لا تغضب لأحمد
عبد الرحمن، دار الإيمان الإسكندرية
2-
إغاثة اللهفان
في مصائد الشيطان لابن القيم الجوزية، ط:1 سنة 1423هـ 2002م ، دار ابن رجب، تحقيق رمزي بن صادق .
3-
الغضب (
ويكبيديا الموسوعة الحرة ) .
4- التحكم بالغضب (http://www.kaheel7.com/) .