القائمة الرئيسية

الصفحات


أركان النكاح وشروطه

https://abhaskom.blogspot.com/


وأركان عقد النكاح ثلاثة:


الرُّكن الأول: وجود الزوجين الخاليَيْن من الموانع التي تمنَعُ صحَّة النكاح; بألا تكون المرأة مثلاً من اللواتي يحرمن على هذا الرجل بنسبٍ؛ كأخته وعمَّته، أو برضاع أو عدَّة، فالمرأة المعتدَّة لا يجوزُ عقد النكاح عليها، ومن الموانع أيضًا: أنْ يكون الرجل مثلاً كافرًا والمرأة مسلمة، ونحو ذلك من الموانع الشرعيَّة التي سنُبيِّنها لاحقًا - بإذن الله تعالى.

أمَّا الرُّكن الثاني لعقد النكاح: فهو حُصول الإيجاب، وهو اللفظ الصادر من الوليِّ، أو مَن يقومُ مقامه; فيقول الولي - مثلاً - كالأب والأخ وما أشبه ذلك: زَوَّجْتُكَ ابنتي أو أختي فلانة، وسُمِّي إيجابًا؛ لأنَّه أوجب به العقد، والذي يقومُ مقام الولي هو الوكيل والوَصِيُّ، فالوكيل هو الذي أُذِنَ له بالتصرُّف في حال الحياة؛ مثل أنْ يقول: وكلتك أنْ تُزوِّج ابنتي، والوَصِيُّ هو الذي أُذِنَ له بالتصرُّف بعد الموت، وهو يقوم مقام الولي عند بعض العلماء، ويرى جمهورُ العلماء أنَّ ولاية النِّكاح لا تنتقل بالوصيَّة، وأنَّه ليس للولي أنْ يُوصِي أحدًا بتزويج موليته بعد وفاته؛ لأنها ولاية تنتقلُ إلى غيره شرعًا، فلم يجزْ أنْ يوصي بها كالحضانة.

وأمَّا الرُّكن الثالث من أركان عقد النكاح: فهو حصول القبول، وهو اللفظ الصادر من الزوج أو مَن يقوم مقامه; بأنْ يقول: قَبِلتُ هذا النكاح أو هذا التزويج.
واشترط بعضُ العلماء أنْ يكون الإيجاب لمن يحسن العربيَّة بلفظ: زوَّجتك أو أنكَحتك، دُون ما سواهما من الألفاظ؛ لأنهما اللفظان اللذان ورد بهما القُرآن; كقوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا ﴾ [الأحزاب: 37]، وكقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ﴾ [النساء: 22]، وذهب جمهورُ العلماء إلى عدَم اشتراط أحد هذين اللفظين في التزويج، بل ينعقدُ النكاح بالإيجاب والقبول بأيِّ لفظ يدلُّ عليهما، وأجابوا عن أدلَّة الموجبين بأنَّه لا دلالةَ في الآيتين على حصْر عقد النكاح على لفظتي الإنكاح والتزويج، كما استدلُّوا بأدلَّةٍ؛ منها قوله تعالى: ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ﴾ [النساء: 3]، فلم يَقُلْ: فانكِحوا ما طاب لكم من النِّساء بلفظ الإنكاح أو التَّزويج، وقوله تعالى: ﴿ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ﴾ [النساء: 25]، فلم يشترط لفظ الإنكاح أو التزويج، فلمَّا أطلق العقد رجعنا في ذلك إلى العُرف، فكلُّ ما دلَّ على عقد النكاح في عُرف الناس ولغاتهم، فهو كافٍ في ذلك، كما أنَّ جميع العقود تنعقدُ بما دلَّ عليها، والله تعالى يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ [المائدة: 1]، فما عدَّه الناس عقدًا فهو عقدٌ، والله تعالى أعلم.
أمَّا لو كان الوليُّ أو الزوج أخرسَ لا يتكلَّم، فإنَّ النكاح ينعقدُ منه بكتابة أو إشارة مفهومة؛ لأنَّ إشارة الأخرس وكتابته تقوم مقام لفظه، ويشترط أن تكون إشارته مفهومة لَدَى العاقد والشاهدين.

وإذا حصل الإيجابُ والقبولُ وانتفت الموانع انعقَدَ النكاح، حتى ولو كان المتلفِّظ هازلاً لم يقصد معناه حقيقةً; فعن أبي هريرة رضِي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ثلاثٌ جدُّهن جدٌّ، وهزلهنَّ جدٌّ: النكاح، والطلاق، والرَّجعة))؛ أخرجه أبو داود والنسائي، والترمذي وحسَّنه، وابن ماجه والحاكم، وغيرهم؛ ولذا يجبُ الحذر من الهزل بعِبارات التزويج والطلاق، فالأمر جدٌّ لا هزلَ فيه، وذلك من عناية الشارع الحكيم بعقْد الزواج والاحتياط في أمرِه.

وبعد استِعراض أركان عقْد النكاح، ننتقلُ مستمعيَّ الكرام إلى بَيان شُروط عقد النكاح التي لا يصحُّ دُون وُجودها وتحققها.

والشرط لغة: العلامة لأنها علامة للمشروط، ومنه قوله تعالى: ﴿ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ﴾ [محمد: 18]؛ أي: علاماتها، والشرط في عرف أهل الشَّرع: ما يلزمُ من عدَمِه العدم، ولا يلزمُ من وُجوده وجودٌ ولا عدم لذاته، ففي باب النكاح يلزمُ من فقدان أحدِ الشروط عدم صحَّة النكاح.

ولو سأل سائلٌ فقال:وما الحكمة في وضع الشروط في العقود؟ فيُجاب عنه بأنَّ من حكمة الشريعة أنَّ جميع العبادات والمعاملات لا بُدَّ فيها من شروطٍ؛ لأجل أنْ تنضبط الأمور وتتَّضح، ولولا هذه الشُّروط لكانت الأمور فوضى، فكلٌّ يتزوَّج أو يبيع على ما شاء، وكلٌّ يُصلِّي كيف شاء، لكنَّ هذه الشروط التي جعَلَها الله تعالى في العبادات وفي المعاملات هي من الحِكمة العظيمة البالغة؛ لأجل ضبْط العقود، والتوقِّي من اختِلال شيءٍ لازم فيها؛ ولذا فإنَّ من القواعد المشهورة: أنَّ الشيء لا يتمُّ إلا بوجود شُروطه وانتِفاء موانعه.

وممَّا ينبغي أنْ يُعلَم أنَّ هناك فَرْقًا بين شروط النكاح، والشروط في النِّكاح، ويمكن إجماله في أمرين:
الأول: أنَّ شروط النكاح قُيودٌ وضَعَها الشرع، ولا يمكن إبطالها، أمَّا الشروط في النكاح فهي شروطٌ يضعها العاقدان أو أحدهما، ويمكن إبطالها.
الثاني: أنَّ شُروط النِّكاح يتوقَّف عليها صحَّته، أمَّا الشُّروط في النِّكاح، فإنَّ النكاح يصحُّ دُونها ولا يتوقَّف عليها لُزومه، مع أنَّه يجب الوفاء بالشروط التي يضعها العاقدان أو أحدهما؛ لقوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ [المائدة: 1]، ولكنَّ ذلك زائد عن صحَّة عقد النكاح ولُزومه.

وشُروط عقد النكاح أربعة:


الأول: تعيين الزوجين، والشرط الثاني: رضا كلٍّ من الزوجين بالآخَر، والشرط الثالث: أنْ يعقد على المرأة وليها، والشرط الرابع: الشهادة على عقد النكاح.

وفي الحلقة القادمة - بإذن الله تعالى - أعرضُ لكم مستمعيَّ الكرام هذه الشروط، أسألُ الله تعالى لي ولكم الفقهَ في الدِّين والعلمَ النافع والعملَ الصالح، والله تعالى أعلم، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمد.


هل اعجبك الموضوع :
التنقل السريع