الهيدروجين
الهيدروجين :
هو عنصر كيميائي له الرمز H وله العدد الذرّي 1. يقع الهيدروجين في الجدول الدوري
ضمن عناصر الدورة الأولى وفوق عناصر المجموعة الأولى. في الظروف القياسيّة من الضغط
والحرارة فإنّ الهيدروجين عبارة عن غاز عديم اللون والرائحة، سريع الاشتعال، غير سام،
ثنائي الذرّة أحادي التكافؤ له الصيغة الجزيئيّة H2. أكثر نظائر الهيدروجين وفرةً هو البروتيوم، الذي له الرمز 1H ويتألّف من بروتون واحد فقط دون وجود نيوترونات في
النواة.
يعدّ الهيدروجين أخفّ العناصر
الكيميائيّة وأكثرها وفرةً في الكون، حيث يشكّل 75% من حجم الكون. إنّ أغلب الهيدروجين
الموجود على الأرض يكون على شكل جزيئي وذلك بدخوله على شكل رابطة تساهمية في بنية الماء
وأغلب المركبات العضويّة.
الاكتشاف وأصل التسمية:
هنري كافيندش، مكتشف الهيدروجين
يعود الفضل في اكتشاف الهيدروجين
إلى العالم هنري كافيندش وذلك عام 1766 حيث عرف الهيدروجين لأوّل مرّة كمادّة متميّزة
عن غيرها من الغازات القابلة للاشتعال. سمّى كافيندش الغاز المنطلق الناتج عن تفاعل
الفلزّات مع الأحماض الممدّدة بالهواء القابل للاشتعال، وافترض أنّ هذه المادّة مماثلة
للمادّة الافتراضيّة فلوجستون، وفي عام 1781 اكتشف أنّ هذا الغاز يعطي باحتراقه الماء،
لذلك ينسب اكتشاف هذا العنصر له.
في عام 1783، قام العالم أنطوان
لافوازييه بمنح العنصر المكتشف اسم الهيدروجين، وذلك باشتقاق التسمية من الإغريقيّة،
حيث أن لفظة هيدرو ὕδρω تعني ماء ولفظة جين γενῆς تعني مكوّن أو مولّد أو مشكّل،وذلك عندما قام هو
وبيير لابلاس بإعادة تجربة كافنديش بتشكيل الماء عند حرق الهيدروجين.
أنطوان لافوازييه، مقترح تسمية الهيدروجين :
سُيّل الهيدروجين لأوّل مرّة عام
1898 من قبل جيمس ديوار باستعمال التبريد لتسييل الغاز وبحفظه في إناء ديوارفي العام
التالي قام ديوار بتحضير الهيدروجين الصلب. اكتشف نظير الهيدروجين المسمّى ديوتيريوم
من قبل هارولد يوري عام 1931، في حين أنّ النظير الآخر تريتيوم اكتشف عام 1934 من قبل
إرنست رذرفورد ومارك أوليفانت وباول هارتيك.
كان نفخ المناطيد من أوّل استخدامات
الهيدروجين، وكان جاك شارل أوّل من قام بهذا العمل وذلك عام 1783. بناء على هذه الفكرة
قام الكونت الألماني فرديناند فون زبلين بتسويق فكرة المناطيد المزوّدة بالهيدروجين،
حيث أسّس لاحقاً شركة متخصّصة بهذا الشأن أسماها على اسمه مناطيد زبلين، والتي كانت
الرحلة الأولى لها عام 1900. إلّا أنّ هذه المناطيد لم تكن آمنة وتراجع استخدامها بعد
حادث تحطم هيندنبورغ.
دوره في نظريّة الكم:
نظراً للبنية الذريّة البسيطة
لذرة الهيدروجين حيث تتألّف من بروتون واحد وإلكترون واحد، فإنّها استخدمت لتفسير نظرية
البنية الذرّيّة، وذلك عن طريق تفسير طيف إصدار الهيدروجين في المجال المرئي. تعدّ
ذرّة الهيدروجين على سبيل المثال، الذرّة الوحيدة المعتدلة التي لها حلّ في معادلة
شرودنغر.
الوفرة الطبيعيّة:
في الكون:
يعدّ الهيدروجين بالشكل الذرّي
H أكثر العناصر الكيميائيّة وفرةً في الكون حيث يشكّل 75% من الكتلة بالنسبة
لباقي العناصر، وفي نفس الوقت أكثر من 90% بالنسبة لعدد ذرّات العناصر في الكون. تجدر
الإشارة بأنّ معظم كتلة الكون توجد على شكل مغاير للمادّة الموجودة على الأرض وذلك
من حيث ارتباط العناصر، ولكن يعتقد أنّها توجد على شكل مادّة و طاقة مظلمة. يوجد عنصر
الهيدروجين بكميّات كبيرة في النجوم والعماليق الغازيّة، كما تلعب السحب الجزيئيّة
للهيدروجين H2 دوراً في ولادة النجوم وفي تزويدها بالوقود اللازم
من خلال سلسلة تفاعل بروتون-بروتون ومن خلال دورة كربون-نيتروجين-أكسجين CNO لتشكيل الهيليوم عن طريق الاندماج النوويإنّ عنصر
الهيدروجين الموجود على مدى الكون يكون في الحالة الذرية وفي حالة البلازما واللتان
تختلفان بخواصهما عن شكل الهيدروجين الجزيئي. في حالة البلازما مثلاً، فإنّ إلكترون
وبروتون الهيدروجين غير مرتبطين ببعضهما البعض، إنّما في حالة سحابة متداخلة، ممّا
يمنحه ناقلية كهربائية وإشعاعيّة عالية كحالته في النجوم مثل الشمس، وتدعى حالته تلك
باسم أنيون الهيدروجين. هذه الجسيمات المشحونة تتأثّر بالمجالات المغناطيسيّة والكهربائيّة،
كما يحدث في الرياح الشمسيّة التي تتأثّر بالغلاف المغناطيسي للأرض مشكّلةً تيارات
بيركلاند والشفق القطبي. بالمقابل، فإنّ الحالة الذرّيّة المعتدلة للهيدروجين تكثر
في الأوساط بين النجميّة، حيث أنّ أنظمة لايمان-ألفا المخمّدة توجد فيها كمّيّات كبيرة
من الهيدروجين الذرّي المعتدل مشكّلة قسماً كبيراً من كثافة الباريونات الكونيّة حيث
تؤدّي إلى حدوث انزياح أحمر بمقدار z=4 في الكون.
يتوافر الهيدروجين خارج الأنظمة
النجميّة على شكل سحب غازيّة، وذلك في مناطق الهيدروجين I حيث يوجد على شكل ذرّي معتدل غير متأيّن. هذه المناطق
تصدر إشعاعاً له تردّد 1420 ميغا هرتز، والذي يسمّى خط هيدروجين. هذا الإشعاع يمكّن
من تحديد مواقع تركّز الهيدروجين في الكون. بالمقابل، فإنّ السحب الغازيّة المتأيّنة
للهيدروجين تسمى مناطق هيدروجين II. في هذه المناطق الأخيرة تصدر النجوم إشعاعاً بكمّيّات كبيرة، ممّا
يمكّن من إجراء البحث حول تركيب المادّة المكوّنة للوسط بين النجمي.
NGC 604: منطقة عملاقة من الهيدروجين المتأيّن في
مجرة المثلث.
يوجد شكل جزيئي للهيدروجين على
نمط كاتيون ثلاثي الهيدروجين +H3 وذلك في الوسط بين النجمي نتيجة تأيّن الهيدروجين
الجزيئي بالأشعّة الكونيّة. لوحظ وجود هذا الكاتيون في طبقات الغلاف الجوي العليا لكوكب
المشتري. إنّ هذا الكاتيون يلعب دوراً مهمّاً في كيمياء الوسط بين النجمي. إنّ النمط
المعتدل من الهيدروجين ثلاثي الذرة يصعب وجوده في الحالة المستقرّة، بالمقابل، فإنّ
الكاتيون ثنائي الهيدروجين H+2 نادر الوجود في الكون.
على الأرض:
ضمن الشروط الطبيعيّة على الكرة
الأرضيّة فإنّ عنصر الهيدروجين يوجد بالشكل الحرّ على نمط غازي ثنائي الذرة H2 ولكن بشكل نادر جداً، حيث يشكّل جزء واحد من المليون
بالنسبة للحجم في الغلاف الجوّي. ينتج غاز الهيدروجين طبيعيّاً من بعض البكتريا والطحالب.
بالمقابل، فإنّ عنصر الهيدروجين يوجد بوفرة كبيرة على سطح الأرض وذلك عندما يرتبط على
شكل مركّبات كيميائيّة مثل الهيدروكربونات والماء، حيث يعدّ بذلك ثالث أكثر العناصر
وفرةً على سطح الأرض وذلك بعد الأكسجين والسيليكون. إنّ أكثر من نصف المعادن المكتشفة
لحدّ الآن تحوي في تركيبها على الهيدروجين .
الإنتاج:
في المختبر:
توجد عدة طرق مستخدمة في المختبرات
الكيميائيّة لإنتاج كمّيات صغيرة من غاز الهيدروجين، لكنّها ليست مناسبة للتطبيق على
مستوى صناعي.
تفاعل الفلزّات مع الأحماض:
يحضّر الهيدروجين H2 مخبريّاً من تفاعل الأحماض الممدّدة مع فلزّات نشيطة
مثل الحديد أو المغنسيوم أو القصدير أو الزنك كما في التفاعل:
يجب الانتباه إلى أنّ الفلزّات
القلويّة والقلويّة الترابيّة تطلق الهيدروجين بشدّة، ممّا يجعل من الصعب السيطرة على
التفاعل. أمّا المعادن الأخرى مثل الفضّة والذهب والزئبق والنحاس فهي لا تطلق الهيدروجين
بتفاعلها مع الأحماض.
أثر الماء على هيدريدات الفلزّات:
ينتج الهيدروجين مخبريّاً من أثر
الماء على هيدريدات الفلزّات بتفاعل حلمهة كما في تفاعل الماء مع هيدريد الصوديوم أو
هيدريد الكالسيوم:
أثر الفلزّات المذبذبة على القواعد
ينتج الهيدروجين مخبريّاً من أثر
بعض الفلزّات المذبذبة على القواعد:
صناعيّاً :من الماء:
ينتج الهيدروجين من إجراء عملية
تحليل كهربائي للماء، وهي طريقة قديمة بسيطة يمكن تطبيقها بتمرير تيار كهربائي بين
قطبين كهربائيين مغموسين في الماء.
نتيجة لذلك يتشكّل الهيدروجين
على المهبط في حين أنّ الأكسجين يتشكّل على المصعد. يصنع المهبط عادةً من البلاتين
أو أيّ فلز خامل آخر. لا يمكن الاعتماد على هذه العمليّة لإنتاج الهيدروجين صناعيّاً
لأنّها غير مجدية اقتصاديّاً، وذلك للطاقة الكبيرة المستهلكة لإجراء العمليّة، ولحدوث
تفاعلات جانبيّة تقلّل من الكفاءة. إنّ الكفاءة النظريّة للعمليّة تقع ضمن مجال يتراوح
بين 80–94%. ينتج الهيدروجين أيضاً من التحليل الكهربائي للأجاج أثناء إنتاج الكلور.
لا زالت الأبحاث جارية لزيادة
فعّالية العمليّة، من بينها بحث نشر عام 2007 يتضمّن وصف طريقة استخدام سبيكة من الألومنيوم
والغاليوم على شكل حبيبات تضاف إلى الماء لتوليد الهيدروجين. هذه العملية تشكّل الألومينا
بالإضافة إلى الغاليوم الذي يمنع تشكّل طبقة الأكسيد على الحبيبات ممّا يمكّن من إعادة
استخدامها. هذه الطريقة توفّر أحد المقترحات لصالح اقتصاد الهيدروجين بحيث أنّ الهيدروجين
يولّد في الموقع دون الحاجة لنقله.
من الطرق الأخرى التي لا تزال
ضمن موضوع البحث استخدام طرق كيميائيّة حراريّة لإنتاج الهيدروجين من الطاقة الشمسيّة
لتحليل الماء دون استخدام الكهرباء كمصدر للطاقة. هنالك أكثر من 200 طريقة لا تزال
ضمن دائرة البحث العلمي. تدعى هذه الطرق بالدورات الكيميائية الحرارية من الأمثلة المقترحة:
دورة أكسيد الحديد و دورة أكسيد السيريوم الرباعي-أكسيد السيريوم الثلاثي ودورة زنك-أكسيد
الزنك ودورة كبريت-يود ودورة نحاس-كلور ودورة الكبريت الهجينة.
من الوقود الأحفوري:
إنّ أكثر الطرق كفاءةً من الناحية
الاقتصاديّة لإنتاج الهيدروجين هي عملية إصلاح بخاري للهيدروكربونات وخاصّة بالنسبة
للغاز الطبيعي. ينتج الهيدروجين في هذه العمليّة كناتج ثانوي حيث يمرّر بخار الماء
عند درجات حرارة مرتفعة تتراوح بين 700 إلى 1000°س على الهيدروكربونات (غاز الميثان
في المثال أدناه) وينتج بذلك غاز الاصطناع، وعو مزيج من الهيدروجين وأحادي أكسيد الكربون.
هذا التفاعل يفضّل إجراؤه تحت
ضغوط منخفضة ولكن عمليّاً يجرى تحت ضغوط مرتفعة (حوالي 2 ميغا باسكال)، لأن تسويق الهيدروجين
المضغوط أسهل، ولأنّ أنظمة وحدات الامتزاز بالضغط المتأرجح تعمل بشكل أفضل عند ضغوط
مرتفعة. يستعمل غاز الاصطناع بشكل رئيسي لإنتاج الميثانول والمركّبات المتعلّقة.
تتضمّن عملية الإصلاح البخاري
استخدام زيادة من بخار الماء، ولضبط كميّة الغازين إلى بعضهما البعض يستخدم تفاعل انزياح
ماء-غاز لتوليد كمّيّة إضافيّة من الهيدروجين، وذلك بوجود حفّاز من أكسيد الحديد. هذا
التفاعل بدوره يعدّ طريقة صناعيّة لتحضير ثنائي أكسيد الكربون.
من إحدى الطرق الأخرى المهمّة
لإنتاج الهيدروجين هي الأكسدة الجزئيّة للهيدروكربونات:
واستخدام الفحم كإحدى المواد الأوليّة لتفاعل انزياح ماء-غاز:
ينتج الهيدروجين أحياناً في العمليّات
الصناعيّة ويستهلك في نفس العملية دون الحاجة إلى فصله. ففي عملية هابر لإنتاج الأمونيا
يتولّد الهيدروجين من الغاز الطبيعي لاستخدامه من أجل الإنتاج.