وسائل المقاصد
إن
البحث في المقاصد، يهدف إلى النظر إلى مال التصرف الفعلي أو القولي ومدى اعتبار
هذا أو ذاك مصلحة أو مفسدة، وإن البحث في الوسائل، يراد به النظر في مقدمات وأسباب
المصلحة أو المفسدة، إذ في الكثير من الأحيان قد يختلط على (المجتهد) الباحث فيهما
فيقدم هذا أو يؤخر ذاك فيقع في الخطأ؟ أي يجعل الوسيلة مقصداً أو العكس، ومن هنا
كان لزاما على الباحث في العلوم الشرعية أن يقف عند حدود معنى الوسيلة ليفرق بينها
وبين المقصد لأهمة ذلك على العملية الاجتهادية الشرعية.
أولاً: تعريف الوسيلة في اللغة والاصطلاح:
أ-
الوسيلة في اللغة: هي السبب، والذريعة، وبعبارة أخرى: كل ما يتوصل به إلى
الشيء.
ب-
الوسيلة في الاصطلاح: عرفت الوسيلة في الاصطلاح الشرعي بتعاريف متقاربة من
حيث مضمونها أذكر منها:
1- تعريف ابن عبدالسلام: عرفها بأنها "مواقيت
للأحكام ولمصالح الأحكام"، ومراده بمواقيت للأحكام، أي علامات معرفة لها
ولحدودها.
2- تعريف القرافي: عرفها
بأنها: "الذريعة للشيء" ومراده بهذا التحديد الاصطلاحي، أنها مقدمة
للمصلحة أو المفسدة أو السبب الموصل إليه.
3- تعريف الشاطبي: عرفها
بما ترتبط به من مقاصد فقال: "الوسيلة كالوصف للمقصود بكونه موضوعاً لأجله.."
وبين أن مرها يبقى مع بقاء أصله ومقصوده وينتفي بانتفائه، ومعنى تعريفه أن
هناكعلاقة تلازمية بين الوسيلة والمقصد كالعلاقة التلازمية بين الصفة والموصوف.
4- تعريف الطاهر ابن
عاشور: عرفها بقوله: "الأحكام التي شرعت لتحصيل أحكام أخرى" أو هي
مجموعة: "الأسباب والشروط والموانع المعرفة بالمقاصد".
والنتيجة ومما سبق –ذكره- فإن
الوسيلة في الاصطلاح الشرعي، هي المقدمات التي تبني عليها الأحكام، وإن اختلفت
تعبيرات العلماء من لفظ لآخر كالتعبير بـ"المواقيت" أي العلامات الدالة
على الأحكام أو المصالح أو سبب جعله الشارع يتوصل به إلى مصلحة أو مفسدة. ولعل
تعريف ابن عاشور هو أقرب من التعريف الأصولي بالحكم الوضعي فالأسباب والموانع
والشروط ما هي إلا معان لمعنى الحكم الوضعي في أصول الفقه الإسلامي.
ثانياً: طرق الوقوف على الوسيلة:
يعتبر التعرف على الوسيلة أو
بعبارة أخرى، أن الأمر كذا، هو وسيلة للمصلحة كذا أمراً بالغ الأهمية ولقد اعتنى
ببحثه العلماء إما بالإشارة إليه عموما في غضون المباحث المقاصدية أو بتخصيص مباحث
مستقلة له كفعل المعاصرين استنباطاً من اجتهادات المتقدمين، ولقد استنتجوا أن طرقه
ثلاث طرق، وهي:
أ-
النص على الوسيل: إن المقصود بالنص على الوسيلة، هي ورود نص من الكتاب أو
السنة يبين أن السبب الفلاني شرع مقدمة لمصلحة كذا. ومثاله: قوله تعالى "خذ
من أموالهم صدقه تطهرهم وتزكيهم بها". فحصول مصلحة التعبد بالطاعة لله، وحصول
الرضا والتزكية منه سبحانه متوقفة على وسيلة دفع المال تطوعاً أو بقيام الحاكم
بذلك بأخذها من الأغنياء بالشروط المعلومة في الفقه.
ب-
الاجتهاد في طلب الوسيلة: إن المقصود بالاجتهاد في طلب أو معرفة الوسيلة، هو أن
يبحث الفقيه عن وسائل المقاصد أو المفاسد إما لترتيب الأحكام أو المصالح عليها أو
لمنعها لمنع المفاسد المترتبة عنها ومثاله: الاجتهاد في تيسير وسائل تأدية مناسك
الحج عموماً ورمي الجمرات خصوصا بما يكفل الحفاظ على النفوس من خلال تنظيم سير
الشعيرة من جهة والتخفيف من التزاحم المؤدي إلى تلف النفوس البريئة من جهة ثانية
وتحقيقاً لمقاصد الحج من جهة ثالثة.
ت-
التجربة: تعتبر التجربة، وهي ما استفاد منه المرء من مرور الأيام في أمر ما وسيلة
لمعرفة الكثير من الوسائل الموصلة إلى المصالح. ومثال ذلك: إن الغرر ممنوع في
الشريعة الإسلامية ولكن إن وجدت التجربة في معاملة ما على أن الغالب في الوقوف على
حقيقتها التجربة وعادة الناس فتكون حكما في ذلك الأمر، نحو بيع الثمار في بداية
نضجها فوسيلة ذلك وضابطها التجربة المشاهدة في كل جنس من هذه الأجناس.
ثالثاً: أقسام الوسائل:
تنقسم الوسيلة بالنظر إلى أنواعها
وارتباطها بالمصلحة أو المفسدة الشرعية إلى الأقسام التالية:
أ- من حيث تعلقها بالحقوق: تنقسم الوسيلة من حيث تعلقها بالحقوق إلى ثلاثة أقسام:
1.
وسيلة مفضلية لحق الله عز وجل: مثل: منع الرشوة للحكام لما يترتب عنها من انتهاك حرمة المال
وفساد الملك واضطراب المجتمع.
2.
وسيلة مفضية لحق العباد: مثل: منع النكاح في مرض الموت لما يترتب عنه من الحفاظ على
حقوق الورثة وعدم قطع صلة الرحم بين الحي والميت.
3.
وسيلة مشتركة بين حق الله سبحانه وحق العباد: مثل: الغش في المعاملات، فحق الله فيه خيانة العقود الواجب
احترامها وتأديتها على الوجه المشروع.. وحق العبد في أكل ماله بالباطل.
ب- من حيث تعلقها بالحكم التكليفي: تنقسم الوسيلة بالنظر ارتباطها بالحكم التكليف إلى خمسة أقسام، وهي:
1.
وسيلة الواجب: وتنقسم إلى قسمين:
-
وسيلة واجب عيني: مثل: الوضوء للصلاة الصبح.
-
وسيلة واجب كفائي: مثل: الوضوء لصلاة الجنازة.
2.
وسيلة المندوب: وتنقسم إلى قسمين:
-
وسيلة مندوب عيني: مثل: طهارة الثياب لصلاة الوتر.
-
وسيلة مندوب كفائي: مثل: استقبال القبلة في الآذان.
3.
وسيلة لمحرم: وتنقسم إلى قسمين:
-
وسيلة لمحرم لذاته: مثل: جمع المال باليانصيب بدعوى التطوع الخيري.
-
وسيلة لمحرم لغيره: مثل: منع بيع الأدوية المهدئة إلا بوصفة طبيب منعاً
لاستعمالها كمخدر.
4.
وسيلة المكروه: مثل: منع الدعاء في مواضع النجاسات.
5.
وسيلة المباح: مثل: السعي في الأرض والسفر لطلب أسباب المعاش.
ت-
من حيث اكتساب العبد: تنقسم الوسيلة بالنظر إلى مآلها، أي كونها تفضي إلى
مصلحة دنيوية أو أخروية إلى ثلاثة أقسام:
1.
وسيلة مصلحة أو مفسدة دنيوية صرفة: مثل:
-
التبرد في زمن الحر.
-
ضياع المال في تجارة لنقص التجربة والمعرفة بها.
2.
وسيلة مصلحة أو مفسدة أخروية صرف: مثل:
-
إقامة الأدلة النقلية والعقلية لتعريف الخلق بالخالق.
-
الاستهزاء بمعتقدات المسلمين.
3.
وسيلة مصلحة أو مفسدة دنيوية مشتركة: مثل:
-
الدلالة على الخير.
-
عدم الاحتراز من النجاسات.
د- من حيث تقدمها أو تأخرها عن المصلحة أو المفسدة: تنقسم الوسيلة من حيث اقترانها أو تقدمها أو تأخرها عن المصلحة أو المفسدة إلى ثلاثة أقسام، وهي:
1-
وسيلة مقترنة بالمصلحة أو المفسدة: مثل:
-
لفظ عقد الزواج.
-
لفظ الكفر.
2-
وسيلة متأخرة عن المصلحة أو المفسدة: مثل:
-
النسب (الأبناء) وعقد الزواج.
-
تلف المبيع قبل القبض، فينفسخ البيع.
3-
ما اختلف في ترتيبه: وينقسم إلى قسمين:
-
واحد: ما يتعجل مقاصده: مثل الطلاق.
-
أثنان: ما تتأخر مقاصده: مثل البيع.
ثالثاً: بعض قواعد المقاصدية المتعلقة بالوسائل:
·
الأسباب مواقيت للمقاصد.
·
المقاصد مبنية على الأسباب المعتادة.
·
الشرع يثيب على الوسائل إلى المقاصد كما يثيب على
المقاصد.
·
للوسائل أحكام المقاصد من حيث الفضيلة والرذيلة.
·
تترتب الوسائل بترتب المصالح والمفاسد.
·
الوسائل تسقط بسقوط المقاصد إلا ما استثنى بدليل شرعي
(كإمرار الموسى على من لا شعر له في الحج).
·
كل مقصد شرعي تتقدمه وسيلة أو وسائل.