القائمة الرئيسية

الصفحات



ابن قتيبيه

هو أبو محمد عبد الله بن عبد المجيد بن مسلم بن قتيبة الدينوري - 213 هـ-15 رجب 276 هـ/828 م-13 نوفمبر 889 م أديب فقيه محدث مؤرخ عربي .
لما أنشئت بغداد وأصبحت حاضرة الخلافة ومقر الحكم، أقبل الناس على سكناها، وامتد إليها العمران، فغدت في سنوات قليلة واسعة الأرجاء، جميلة البناء، زاهرة بقصورها ومساجدها وحدائقها ومرافقها، وجذبت إليها أهل العلم والفضل وذوي الأدب والمعرفة، يلقون في كنفها كل تقدير وإجلال، ويجدون من خلفائها ووزرائها وأعيانها كل عون وتشجيع، فامتلأت المساجد بحلقات الفقه والحديث واللغة والأدب وعلم الكلام، وازدهرت حلقات الجدل والمناظرة، واحتشد ببغداد أئمة العلم، ونوابغ الأدب، وجهابذة الفقه، وأعلام الحديث، وكبار الشعراء، وعباقرة الموسيقى والغناء، وتحولت بغداد إلى جامعة كبرى تظل هؤلاء جميعًا. وكان ابن قتيبة واحدًا ممن ازدانت بهم حلقات العلم ببغداد. لما أنشئت بغداد وأصبحت حاضرة الخلافة ومقر الحكم، أقبل الناس على سكناها، وامتد إليها العمران، فغدت في سنوات قليلة واسعة الأرجاء، جميلة البناء، زاهرة بقصورها ومساجدها وحدائقها ومرافقها، وجذبت إليها أهل العلم والفضل وذوي الأدب والمعرفة، يلقون في كنفها كل تقدير وإجلال، ويجدون من خلفائها ووزرائها وأعيانها كل عون وتشجيع، فامتلأت المساجد بحلقات الفقه والحديث واللغة والأدب وعلم الكلام، وازدهرت حلقات الجدل والمناظرة، واحتشد ببغداد أئمة العلم، ونوابغ الأدب، وجهابذة الفقه، وأعلام الحديث، وكبار الشعراء، وعباقرة الموسيقى والغناء، وتحولت بغداد إلى جامعة كبرى تظل هؤلاء جميعًا. وكان ابن قتيبة واحدًا ممن ازدانت بهم حلقات العلم ببغداد.

المولد والنشأة:

لا يُعرف على وجه اليقين المدينة التي وُلد بها أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة، فيذهب بعض المؤرخين إلى أنه ولد بالكوفة، في حين يذهب آخرون إلى أن مولده كان ببغداد، لكن الراجح أنه ولد بالكوفة سنة (213هـ=828م)، لكنه لم يُقم بها طويلاً، وانتقل صغيرًا إلى مدينة بغداد؛ حيث نشأ بها وتثقف على علمائها، وكانت تموج بحركة علمية زاهرة، ونشاط ثقافي خصب، فتردد على حلقاتها ولزم علماءها، فأخذ الحديث عن أئمته المشهودين وفي مقدمتهم إسحاق بن راهويه، وكان أحد أئمة الإسلام ومن أصحاب الإمام الشافعي، وله مسند معروف، وإلى جانب ذلك كان من أعلم الناس بتفسير القراءة، وحسبه منزلة أن البخاري ومسلم والترمذي كانوا من تلاميذه ورووا عنه.
وأخذ اللغة والنحو والقراءات على أبي حاتم السجستاني، وكان إمامًا كبيرًا ضليعًا في العربية، وعن أبي الفضل الرياشي، وكان عالمًا باللغة والشعر كثير الرواية عن الأصمعي، كما تتلمذ على عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي، وحرملة بن يحيى، وأبي الخطاب زياد بن يحيى الحساني، وغيرهم.
العمل بالقضاء والتدريس
وبعد أن اشتد عود ابن قتيبة، ونهل من المعرفة وأخذ بقسط وافر من علوم اللغة والشرع، اختير قاضيًا لمدينة “الدينور” من بلاد فارس، وكان بها جماعة من العلماء والفقهاء والمحدثين، فاتصل بهم، وتدارس معهم مسائل الفقه والحديث، ثم عاد إلى بغداد، واتصل بأبي الحسن عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير الخليفة المتوكل، وأهدى له كتابه “أدب الكاتب”، وكان يجمع بينهما وشائج من العلم والأدب.
استقر ابن قتيبة في بغداد، وأقام حلقة للتدريس، يقرأ كتبه على تلاميذه الذين التفوا حوله، وكانت شهرته قد طبقت الآفاق، ومن تلاميذه: ابنه القاضي أبو جعفر أحمد بن قتيبة، وأبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه، وعبيد الله بن عبد الرحمن السكري، وغيرهم.

ثقافة ابن قتيبة:

كان ابن قتيبة مرآة لثقافة عصره الواسعة، فهو محدث متمكن روى عن أئمة الحديث وحُفّاظه، وله بصر بعلم الكلام والجدل والمناظرة، وكان قد اتجه إلى حلقات المتكلمين في مطلع حياته، وأخذ عنهم، وقد أفاده اطلاعه على آراء المتكلمين في جداله معهم ومقارعتهم الحجة بالحجة، وذلك في معرض دفاعه عن أهل السُّنَّة، وهو مؤرخ عالم بتاريخ العرب وأيامهم، وتاريخ المسلمين وفتوحاتهم وغزواتهم، وضليع فيما يتصل بالفقه وعلوم القرآن، وفوق ذلك أديب لغوي تشهد مؤلفاته على علو كعبه وتميزه في عصرٍ امتلأ بالنوابغ في ميادين اللغة والأدب.
وخلاصة القول: إن “ابن قتيبة” كان من أغزر علماء المسلمين إنتاجًا، وأكثرهم تنوعًا فلم يقتصر إنتاجه على فن واحد أو اثنين، بل ضرب بسهم وافر في أكثر ميادين الثقافة العربية والإسلامية، يمده في ذلك ذكاء فطري وموهبة عظيمة، وعزيمة قوية، وهمة عالية، وشغف بالمعرفة ملك عليه نفسه، فانصرف إليه كلية.
ابن قتيبة المحدث الفقيه:
لم يكن ابن قتيبة محدثًا مثل البخاري ومسلم وأضرابهما من المحدثين العظام ممن يهتمون بالرواية والتصنيف، وإنما كان معنيًا بجانب آخر يحتاج إلى ثقافة عربية واسعة، ووقوف على مناهج المتكلمين وطرائقهم في الجدل والمناظرة، هذا الجانب هو جانب الدفاع عن الحديث، وشرح غريبه، وتأويل مُختلفه، ورد الشبهات عن أهله والذود عنهم؛ ولذا لقّبه ابن تيمية بحجة الأدب المنتصب للدفاع عن أهل الحديث، ويمثل كتابه “تأويل مختلف الحديث” هذا الاتجاه في التأليف؛ حيث وضعه ليوفق بين الأحاديث التي يُدَّعى فيها التناقض والاختلاف، وله كتب لا تزال حبيسة المكتبات تدور حول الحديث، مثل: “غريب الحديث”، و”إصلاح غلط أبي عبيد في غريب الحديث”.
وله فيما يتصل بالدراسات القرآنية كتابه المعروف “مشكل القرآن”، تكلم فيه عن العرب وما خصَّهم الله به من العارضة (القدرة على الكلام) وقوة البيان، واتساع المجاز، ووجوه القرآن واللحن والتناقض والاختلاف، والمتشابه من القرآن، والقول في المجاز، والاستعارة، والحذف والاختصار، وتكرار الكلام والزيادة فيه، ومخالفة ظاهر اللفظ معناه، واللفظ الواحد للمعاني المختلفة.
وتتجلى في الكتاب ثقافة ابن قتيبة الواسعة، وإلمامه الدقيق بخفايا الأسلوب العربي وأسراره إلى جانب اطلاعه على الكتب السماوية الأخرى، وقد طبع الكتاب بتحقيق السيد أحمد صقر.
وله أيضًا كتاب “غريب القرآن” تناول فيه تفسير غريب الألفاظ الواردة في القرآن الكريم، وقد جمع العلامة ابن مطرف الكناني بين هذا الكتاب وكتاب “مشكل القرآن” في كتاب سماه: القرطين، وألّف في الفقه كتاب “الأشربة”، و”الميْسر والقداح”.
تناول في الكتاب الأول مسألة تحريم الخمر، والدواعي التي حرمت من أجلها، وعرج إلى مصادرها وكيفية صنعها، والأنواع التي تُصنع منها، ثم تعرض لمسألة النبيذ الذي عُرف في عصره، وهو ماء الزبيب وماء التمر دون غليان، وسُمي نبيذًا لأنه كان يتخذ وينبذ، أي يترك، وينتهي ابن قتيبة بعد استعراض لآراء الفقهاء إلى أن التحريم منصب على المسكر من الخمر بأنواعها، وإنما يجب الاحتياط بتجنب القليل مما كثيره مسكر، أو ما يُخشى من إسكاره من منقوع التمر والزبيب ومخلوطه، وإن اختلفت أسماؤه. وقد طبع الكتاب بتحقيق محمد كرد علي سنة (1366 هـ= 1947م).
وتناول في الكتاب الآخر مسألة الميسر، بعد أن طُلب إليه ذلك. يقول في المقدمة:
أما بعد فإنك كتبت تعلمني تعلق قلبك بالميسر وكيفيته، والقداح وحظوظها، والمياسرين (المقامرين) وأحوالهم، ومعرفة ما في الميسر من النفع الذي ذكره الله في القرآن”، ولم يقتصر في تناول مسألة تحريم الميسر على الناحية الفقهية، وإنما عرض للموضوع عرضًا لغويًا وتاريخيًا واجتماعيًا. وقد طبع الكتاب بالمطبعة السلفية بتحقيق محب الدين الخطيب سنة ((1342 هـ= 1923م)).

ابن قتيبة والمعارف العامة:

وضع ابن قتيبة عددًا من كتب المعارف العامة التي تمتاز بالاختصار والتنوع، والإلمام بضروب المعرفة الإنسانية، التي تحتاج الطبقة المثقفة إلى معرفتها والتزود بها، والإلمام منها بطرف، ويأتي في مقدمة تلك الكتب: “المعارف”، ويشمل كما يقول مؤلفه على فنون كثيرة من المعارف، تبدأ من مبتدأ الخلق وقصص الأنبياء، وقبائل العرب وبطونها، وأخبار النبي (صلى الله عليه وسلم)، وأولاده وأزواجه ومواليه، وتراجم الصحابة المشهورين والخلفاء، ثم تراجم العلماء من فقهاء ومحدثين ونسابين ورواة، كما تعرض للمساجد المشهورة وبنائها، وتناول أيام العرب المعروفة، وفتوح المسلمين، وغير ذلك. وقد طُبع الكتاب محققًا بعناية الدكتور ثروت عكاشة، ونشرته دار الكتب المصرية.
وله في هذا الاتجاه كتابه المعروف “عيون الأخبار”، وضعه لكُتَّاب الدولة أو لمن يريد أن يشتغل بالكتابة، وألمَّ فيه بضروب المعروفة التي تعينه في عمله، من التبصر بأحوال الدنيا، والإلمام بخبايا النفس، وإدراك أمور السياسة وتدبير الحكم، وقسَّمه إلى عشرة كتب: هي كتاب السلطان، والحرب، والسؤدد، والطبائع والأخلاق، والعلم، والزهد، والإخوان والحوائج، والطعام، والنساء. وقد طُبع الكتاب محققًا بدار الكتب المصرية سنة 1348هـ=1930م.

ابن قتيبة الأديب اللغوي:

كان ابن قتيبة إلى جانب علمه باللغة أديبًا واسع الاطلاع، صاحب ذوق وبيان، ناقدًا نافذ البصيرة، عالمًا ببواطن الجمال في الأدب، له مقدمات في أصول النقد الأدبي، وجمع إلى جانب ذلك كثيرًا مما يتصل بثقافة الكاتب والأديب من معارف عامة، وهو في ذلك يسير على الدرب الذي انتهجه من قبل أديب العربية الكبير أبو عثمان الجاحظ، والأديب الموسوعي أبو حنيفة الدينوري؛ ولذا كان كثير من كتبه الأدبية يدور حول تربية الملكة الأدبية، وإرشاد طبقة الكتاب وتعليمهم كما ذكرنا.
ويمثل كتابه “أدب الكاتب” هذا الاتجاه خير تمثيل، قدّم فيه ابن قتيبة قدرًا من الثقافة اللغوية الضرورية لكتاب الدواوين في زمانه خاصة، وللكتاب والأدباء عامة، ليزودهم بالأدوات التي تعينهم في الكتابة، وتعصمهم من الوقوع في الخطأ والزلل. وهذا الكتاب يعد أول كتاب منظم في هذا الموضوع، لم يسبقه إلا أقوال أو رسائل توجيهية، مثلما فعل عبد الحميد الكاتب في رسالته إلى الكُتاب.
وقد نال هذا الكتاب إعجاب كثير من العلماء وتقديرهم، فعدَّه ابن خلدون من أمهات كتب الأدب العربي؛ حيث قال: “وسمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم أن أصول هذا الفن وأركانه أربعة دواوين، وهي أدب الكاتب لابن قتيبة، وكتاب الكامل للمبرد، وكتاب البيان والتبيين للجاحظ، وكتاب النوادر لأبي علي القالي البغدادي، وما سوى هذه الأربعة فتبع لها وفروع منها”.
وقد قام بشرح الكتاب والتعليق عليه جماعة من العلماء، منهم ابن السيد البطليوسي، فقد سمَّى شرحه “الاقتضاب في شرح أدب الكتاب”، وكذلك شرحه أبو منصور الجواليقي، وسمَّى شرحه: “شرح أدب الكاتب” والشرحان مطبوعان، أما الكتاب نفسه فقد طُبع طبعات متعددة.

ابن قتيبة الناقد الأدبي :

تصدَّى ابن قتيبة لفن النقد الأدبي، وأودع منهجه النقدي في كتابه المعروف “الشعر والشعراء”، ثم أردفه بكتابه “معاني الشعر”، أما الكتاب الأول فقد استهله بمقدمة في غاية الأهمية، وضع فيها أصول النقد المعروفة في عصره، وجمع قدرًا من مقاييس النقاد وأحكامهم، ثم اجتهد في بسط آرائه النقدية ومقاييسه العامة التي تلائم الشعر الجديد الذي ازدهر في عصره، بعيدًا عن المقاييس الجامدة التي درج اللغويون على تحكيمها متأثرين بمعايير أصول الشعر القديم، فتحدَّث ابن قتيبة عن ماهية الشعر وطبيعة الشاعر، وبناء القصيدة، والمطبوع من الشعراء والمتكلف، وموضوعات الشعر، وعيوبه.
وبعد المقدمة أفاض في ترجمة الشعراء المعروفين بدءًا من العصر الجاهلي حتى زمن المؤلف، وقد بدأ تراجمه بامرئ القيس أمير شعراء الجاهلية، ملتزمًا في إيراد تراجمه الترتيب التاريخي، فبدأ بشعراء الجاهلية القدماء الذين لم يدركوا الإسلام، ثم الذين أدركوا الإسلام كـ لبيد بن ربيعة والنابغة الجعدي، ثم الشعراء الأمويين فالعباسيين، وكان يطيل في الترجمة أو يقصر حسب مكانة الشاعر وما يروى من شعره وما يستجاد. وقد طُبع الكتاب محققًا بعناية الشيخ أحمد شاكر في مصر.
أما الكتاب الآخر فهو “معاني الشعر”، وهو يتناول أبوابًا من المعاني المختلفة، مثل: النساء والغزل، والسباع والوحوش، والإبل والخيل، ويذكر ما جاء فيها من الشعر، ثم يشرح غريبه، والكتاب يجمع ذخيرة أدبية قيمة من الشعر العربي القديم في موضوعات تتصل بمناح مختلفة من الحياة عند العرب، وتكشف عن عاداتهم وتقاليدهم، ويفسر كثيرًا من الألفاظ الغريبة، ويعمد إلى شرح بعض الصور البيانية من استعارة وتشبيه. وقد طُبع الكتاب في الهند سنة (1368 هـ= 1949م) في ثلاثة مجلدات.
ولابن قتيبة مؤلفات كثيرة غير ما ذكرنا، بعضها مطبوع وبعضها الآخر لا يزال مخطوطًا، أو امتدت إليه يد الإهمال فضاع مع ما ضاع من تراثنا الضخم. ومن كتبه المطبوعة:
* “المسائل والأجوبة”، وقد طُبع بمصر سنة (1349 هـ= 1930م).
* “كتاب الأنواء في مواسم العرب”، وطُبع ببغداد سنة (1408 هـ= 1988م).
* “فضل العرب والتنبيه على علومها”، وطُبع بـ “أبو ظبي” سنة (1408 هـ= 1988م).

الشعر والشعراء:

الشِّعر والشُّعراء من أقدم الكتب التي صنِّفت في تراجم الشعراء. ألَّفه أبو محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت 276هـ ، 889م) أحد أئمة القرن الثالث الهجري. وهو من طبقة الجاحظ عند المعتزلة، إمام متمكن متعدد جوانب التأليف كثير المؤلَّفات. وكتاب الشعر والشعراء من أهم الكتب التي ترجمت للشعراء. ويُعدُّ مصدرًا أصيلاً ومرجعًا هامًّا في بابه. وهو كبير الشّبه بكتاب طبقات فحول الشعراء لابن سلاّم الجمحي. لم يحرص ابن قتيبة، في هذا الكتاب، على استيفاء الشعراء وحَصْرهم وتقصّي سيرهم، بل اقتصر على المشاهير منهم. قال في مقدمة الكتاب:"وكان أكثر قصدي للمشهورين من الشعراء الذين يعرفهم جلّ أهل الأدب والذين يصح الاحتجاج بأشعارهم في الغريب وفي النحو وفي كتاب الله عزّ وجلّ، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم". كذلك لم يعمد ابن قتيبة إلى تصنيف الشعراء في طبقات كما فعل غيره، وإنما كان همه الترجمة وجمع أخبار الشعراء واختيار طائفة من أشعارهم يسوقها تمثيلاً أو بمناسباتها. وقد كان يراعي الترتيب الزمني في تناول الشعراء، وكان معظم أصحاب تراجمه من القدماء، إلاّ أنه لم يُخْله من تراجم بعض المحدثين كأبي العتاهية ومسلم بن الوليد والعباس بن الأحنف ومن في حكمهم.
وقد امتاز الكتاب بمقدمة نقدية قيمة يعدُّها الباحثون من بواكير النقد الأدبي المصحوب بالعلل. وقد بيّن فيها منهج الكتاب والغرض من تأليفه حيث يقول: "هذا كتاب ألّفته في الشعر، أخبرت فيه عن الشعراء وأزمانهم وأقدارهم وأحوالهم في أشعارهم، وقبائلهم وأسماء آبائهم، ومن كان يعرف باللقب أو الكنية منهم، وعما يستحسن من أخبار الرجل ويستجاد من شعره وما أخذته العلماء عليهم من الغلط والخطاء في ألفاظهم أو معانيهم، وما سبق إليه المتقدمون فأخذه عنهم المتأخرون. وأخبرت فيه عن أقسام الشعر وطبقاته، وعن الوجوه التي يختار الشعر عليها ويستحسن لها ...".
والكتاب كثير الشعراء غزير النّصوص، تضمّن 206 ترجمة، بدأها بامرئ القيس وأطال القول فيه؛ لاستفاضة أخباره عندهم ولتقديمهم له على الشعراء. ثم ترجم لزهير وابنه كعب ثم النابغة ثم الذي يليه حتى بلغ ابن مناذر ثم ختم كتابه بالحديث عن أشجع السلمي في العصر العباسي. وهذا الكتاب يعدّ كتابًا في المختارات الشعرية وكتابًا في النقد بالإضافة إلى كونه كتابًا في تراجم الشعراء.
اسم الكتاب تراجم الشعراء الأدباء:
النسخ المخطوطة و المطبوعة

المخطوطات:

مخطوطة مصر بخط يحي بن محمد بن لونيس ابن القاضي المغربي الزواوي، نقلها من نسخة مخطوطة محفوظة بالقسطنطينية المحروسة في دار كتب راغب باشا، وفرغ من كتابتها لثلاث ليال خلون من شهر رجب سنة 1286 هـ، بهامشها بعض تقييدات.
مخطوطة مصر بخط عيسى بن محمد بن سلمان، فرغ من كتابتها ظهر يوم الاثنين الثالث من شهر جمادى الآخرة سنة 1059 هـ، بها ترقيع وأكل أرضة وتلويث، وبهامشها تقييدات.
المطبوعة:
طبع لأول مرة في مدينة ليدن سنة 1785 م، وأعيد طبعه فيها مرة ثانية سنة 1902 م، بعناية المستشرق دي غويه، الذي راجع مخطوط ليدن على خمس نسخ خطية، إستحضرها من فينا وبرلين وباريس ودمشق والقهرة.
طبعه محمد أمين الخانجي في سنة 1322 هـ (1904 م)، مع بعض تعليقات محمد بدر الدين النعساني، وهي نسخة مختصرة غير كلملة.
طبع أيضاً في الآستانة سنة 1322 هـ.
وفي مطبعة الفتوح الأدبية بمصر سنة 1332 هـ (1914 م).
ثم طبعه في سنة 1350 هـ (1932 م) محمد أفندى توفيق بمطبعة المعاهد بمصر، وصححه وعلق حواشيه الأستاذ مصطفى السقا. وهذه الطبعة غير كاملة.

منهج المؤلف في الكتاب:

منذ البداية يعترف ابن قتيبة أنه خص بكتابه هذا: الشعراء (أخبارهم، وأزمنتهم، وأقدارهم، وأحوالهم، وقبائلهم، وأسماء آبائهم...)، والشعر (أقسامه، وطبقاته، والوجوه التي يختار عليها ويستحسن، وعيوبه...)، وقدم له بمقدمة تنطوي على أبوا ب في: (أقسام الشعر، وعيوب الشعر، و الإقواء، و الإكفاءن و العيب في الإعراب، وأوائل الشعراء).
قال أبو محمد: "وكان أكثر قصدي للمشهورين من الشعراء الذين يعرفهم جل أهل الأدب والذين يقع الاحتجاج بأشعارهم في الغريب وفي النحو وفي كتاب الله عز وجل، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأما من خفي اسمه وقل ذكره وكسد شعره، وكان لا يعرفه إلا بعض الخواص فما أقل من ذكرت من هذه الطبقة إذ كنت لا أعرف منهم إلا القليل ولا أعرف لذلك القليل أيضا أخبارا. وإذ كنت أعلم أنه لا حاجة بك إلى أن أسمي لك أسماء لا أدل عليها بخبر أو زمان أو نسب أو نادرة أو بيت يستجاد أو يستغرب".
الظاهر أن ابن قتيبة ترجم للمشهورين من الشعراء الذين يحتج بأشعارهم في الغريب وفي النحو وفي كتاب الله عز وجل، وحديث نبيه صلى الله عليه وسلم، في حين لم يبد أي اهتمام بمن قل ذكره وكسد شعره لجهله بأخبارهم، ولأنه يرى أن القارئ في غنى عن ذكر أسماء دون ذكر أخبار وأزمان وأنساب وأشعار أصحابها. وأغلب الظن أنه سار على منهج سابقيه في تمييز الشعر والشعراء. ومن بينهم ابن سلام الجمحي؛ فإذا عدنا إلى الطبقات نجده هو الآخر اقتصر على المشهورين من الشعراء، والدليل على ذلك قول ابن قتيبة نفسه: "... ولا أحسب أحدا من علمائنا استغرق شعر قبيلة حتى لم يفته من تلك القبيلة شاعرا إلا عرفه ولا قصيدة إلا رواها".
ويقول: "ولعلك تظن رحمك الله أنه يجب على من ألف مثل كتابنا هذا ألا يدع شاعرا قديما ولا حديثا إلا ذكره، وذلك عليه وتقدر أن يكون الشعراء بمنزلة رواة الحديث والأخبار والملوك والأشراف الذين يبلغهم الإحصاء ويجمعهم العدد. والشعراء المعروفون بالشعر عند عشائرهم وقبائلهم في الجاهلية والإسلام أكثر من أن يحيط بهم محيط أو يقف من وراء عددهم واقف. ولو أنفذ عمره في التنقير عنهم واستفرغ مجهوده في البحث والسؤال...".
وكأن بابن قتيبة يريد أن يقول لنا إنه لا طائل من استقصاء كل الشعر، فمهما بلغ الباحث لا يستطيع أن يحصي ويلم بكل شعراء قبيلة واحدة، ولو أنفذ في ذلك كل عمره، ما بالك بكل القبائل العربية وربما أن في ذلك أيضا إشارة إلى أن سابقيه حاولوا في هذا المضمار فلم يصلوا إلا إلى القليل من الشعراء الذين صار ذكرهم أكثر من نار على علم.
إن غاية ابن قتيبة في كتابه أن يعرض لمن غلب عليه الشعر لا غير، كما فعل ابن شبرمة القاضي وسليمان بن قتية التيمي المحدث. ذلك لا لقصر جهد ابن قتيبة وباعه في المسألة، وإنما أراد أن يتخصص.
يقول ابن قتيبة: "... لم أسلك فيما ذ كرته من شعر كل شاعر مختارا له سبيل من قلد أو استحسن باستحسان غيره، ولا نظرت إلى المتقدم منهم بعين الجلالة لتقدمه وإلى المتأخر منهم بعين الاحتقار لتأخره، بل نظرت بعين العدل على الفريقين وأعطيت كلا حظه ووفرت عليه حقه، فإني رأيت في علمائنا من يستجيد الشعر السخيف لتقدم قائله ويضعه في متخيره ويرذل الشعر الرصين، ولا عيب له عنده إلا أنه قيل في زمانه، أو أنه رأى قائله...".
إن النص يعكس بجلاء مذهب ابن قتيبة النقدي، فقد كان بن قتيبة عادلا منصفا في التمييز بين هذا الشاعر وذاك، وهذا الشعر وذاك، فـ "المحك عنده جودة الشعر بغض النظر عن الأقدمية والحداثة أو تقدم قائله أو تأخره"، فهو لم يتعصب لقديم لقدمه، ولا لحديث لحداثته، كما فعل ابن الأعرابي والأصمعي وأبو عمرو بن العلاء مع شعراء العصر العباسي، خاصة جرير، والأخطل، والفرزدق، وأبو نواس وأبو تمام... عندما عدوهم من المحدثين، وعدوا شعرهم بالفاسد والرديء والأقوال كثيرة في هذا الباب.

آراء الباحثين و النقاد في الكتاب :

محمد زغلول سلام: يرى هذا الباحث أن الجزء الثاني من الكتاب ليس سوى مجرد جرد لآراء سابقي ابن قتيبة كالجاحظ في كتابه "البيان والتبيين" وابن سلام في "طبقات فحول الشعراء".
إحسان عباس: يرى هذا الناقد أن طبيعة المقدمة يفصلها عن طبيعة الكتاب بون شاسع، فبينما تهدف هي إلى تصوير موقف ابن قتيبة من الشعر يأتي الكتاب تأريخا وترجمة للشعراء. والحق أن ابن قتيبة حاول الفصل بين الشعر والشعراء، بدءا من عنوان الكتاب "الشعر والشعراء".
محمد رمضان محمد الجربي: يرى هذا الباحث أن مقدمة الكتاب مقدمة نفيسة تدل على عبقرية ابن قتيبة الفذة وشخصيته المتميزة وفكره المتحرر وآرائه الفاطنة والوجيهة في النقد. يقول: "... مقدمة نفيسة تدل على عبقريته ابن قتيبة وقوة شخصيته وحرية فكره وآرائه القيمة في النقد، وفطنته للمقاييس الفنية، والقيم الجمالية منذ ذلك الوقت المبكر".
عبد العزيز عتيق: يرى أن الكتاب مرجع من مراجع تاريخ الأدب العربي الأساسية، ذلك أنه اشتمل على أخبار الشعراء وعصورهم وأشعارهم.
حسن تميم: يقول: "... هو كتاب عمدة في مادته وفحواه، ويعتبر من مصادر الأدب الأولى، ألفه أحد أئمة اللغة والأدب، الذي يستشهد بقوله، ويرجع إلى نقله، عرض فيه تراجم مشاهير الشعراء الذين تتداول أسماؤهم كتب الأدب والبلاغة، والذين أسهموا بإنتاجهم الشعري في إغناء أدب العرب. والذين يقع الاحتجاج بشعرهم في علوم النحو والغريب، وفي معاني كتاب الله، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم".
أحمد صقر: يقول: "... وهذا من أرفع كتب الأدب قدرا، وأنبهها ذكرا، وأقدمها نشرا

وفاة ابن قتيبة:

قضى ابن قتيبة حياته كلها في خدمة الأدب والدين، والدفاع عن عقيدة الأمة، مستغلاً ثقافته الواسعة وقوة عارضته (قدرته على الكلام) في الذود عن القرآن والحديث؛ ولذا لقي ثناء المعاصرين له وتقديرهم، كما عرف قدره من جاء بعده من علماء الإسلام، فوصفه الذهبي: بأنه من أوعية العلم، وقال عنه السيوطي: “إنه كان رأسًا في العربية واللغة والأخبار وأيام الناس”.
وقد لبَّى ابن قتيبة نداء ربه في (15 من رجب 276هـ=13 من نوفمبر 899م) بعد حياة حافلة بجلائل الأعمال.


هل اعجبك الموضوع :
التنقل السريع