القائمة الرئيسية

الصفحات




https://abhaskom.blogspot.com


افات اللسان

vالمقدمة :

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن اللسان جرم صغير، ولكن خطره كبير ولهذا قالوا في المثل: المرء بأصغريه؛ قلبه ولسانه، فقرنوا اللسان بالقلب.
وقد دعا موسى _عليه السلام_ رب العز والجلال أن يهبه ما يؤدي به واجب البلاغ المبين فقال : "وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي"، ثم قال _عليه السلام_ باثاً مخاوفه من عقبة عدم القدرة على البيان "وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ" ثم طلب بعد ذلك معيناً له على تأدية مهمته ممن منّ الله عليهم بنعمة البيان، فقال: "وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ".
واللسان نعمة امتن الله بها على الإنسان، فقال: "أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَين ولساناً وَشَفَتَيْنِ" وهذه النعمة سلاح ذو حدين، إن استعمل في الخير كان سبباً لرضوان الله وإن استعمل في الشر كان سبباً لسخط الله قال _تعالى_ في أمر الإفك: "إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ"، وقال _تعالى_ مبيناً رضاه عمن استعمل لسانه في طاعته: "وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ"، وجاء أن رسول اللّه _صلى اللّه عليه وسلم_ قال: "إنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ _تعالى_ ما كَانَ يَظُن أنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللَّهُ _تَعالى_ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إلى يَوْمِ يَلْقاهُ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ _تَعالى_ ما كانَ يَظُنُّ أنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللَّهُ _تَعالى_ بِها سَخَطَهُ إلى يَوْمِ يَلْقَاهُ".

vأهمية حفظ اللسان :

1- قد أيقنت أنه لا يستبين الكفر والإيمان إلا بشهادة اللسان المقرونة بالجنان وهما غاية الطاعة والعصيان
 2- ما من موجود أو معدوم، خالق أو مخلوق، متخيلٌ أو معلوم أو مظنون إلا واللسان يتناوله ويتعرض له بإثبات أو نفي، فإن كل ما يتناوله العلم يعرب عنه اللسان إما بحق أو باطل ولا شيء إلا والعلم متناول له، وهذه خاصية لا توجد في سائر الأعضاء، فإن العين لا تصل إلى غير الألوان والصور، والآذان لا تصل إلى غير الأصوات، واليد لا تصل إلى غير المحسوسات، وكذا سائر الأعضاء.. بينما اللسان هو مصدر الذوق: وهو سبيلٌ لخروج الحكمة، والنطق بالحق وردع الظالم، وتحسين صورة الإسلام لدى الغرب، والدفاع عن رسول الله , والدعوة إلى الله: وهو أيضاً وسيلةٌ للحديث بعورات الناس التي رأيناها أو أحسسناها أو سمعناها: وسبيلٌ تسلك من درب الخروج الألفاظ الشركية أو ألفاظ الكفر. فهو سيد الحواس وما الحواس الأخرى إلا مساعدة له.
3- اللسان رحب الميدان ليس له مرد ولا لمجاله منتهى وحد. له في الخير مجال رحب، وله في الشر ذيل سحب، فمن أطلق عذب اللسان وأهمله بدون تأطير سلك به الشيطان في كل ميدان. وكذلك من أطلق عنان لسانه بدون أن يمسك بزمامه سيق إلى شفا جرفٍ هار فقد روى عبد الله بن سفيان عن أبيه قال: قلت يا رسول الله أخبرني عن الإسلام بأمرٍ لا أسأل عنه أحداً بعدك قال:"قل آمنت بالله ثم استقم" قال: قلت فما أتقي؟ فأوما بيده عليه الصلاة والسلام إلى لسانه: أخرجه الترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه وقال أيضاً:(من وقى شر قبقبه وذبذبه ولقلقه فقد وقى الشر كله) أخرجه أبو منصور الديلمي من حديث أنس بسند ضعيف والقبقب: هو البطن والذبذب: الفرج، واللقلق: اللسان. فهذه الشهوات الثلاث بها يهلك أكثر الخلق. ولعلنا لو تفكرنا قليلاً بعيداً عن سند هذا الحديث الضعيف في أمر هذا اللسان لوجدناه فعلاً سبيلاً إلى معصية الفرج: وكذلك البطن. بينما البطن والفرج ليسا سبيلاً إليه أبداً فعن ابن مسعود أنه كان على الصفا يلبي ويقول: يا لسان قل خيراً تغنم واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم، فقيل له يا أبا عبد الرحمن أهذا شيء تقوله أو شيء سمعته؟ فقال: لا بل سمعت رسول الله يقول(إن أكثر خطايا ابن آدم في لسانه). أخرجه الطبراني وابن أبي الدنيا في الصمت والبيهقي في الشعب بسند حسن
 4 – كما قيل: كل إناءٍ بما فيه ينضح , فكل شيء عنوان واللسان عنوانٌ ومترجم لما في القلب إن كان خيراًً أم شراً: كما أنه كاشف النوايا إذا استترت إلا عن خالقها، فالروح مكمن الجسد والجسد مكمن الروح: و تلك رؤية لم تكن عشوائية جاد بها فكري لحظة فراغ: وإنما كانت نتيجة تحليل طويلة وتأمل في أحد نصوص الرسول عليه الصلاة والسلام حين سأله ابن مسعود:( أي الذنب أعظم ؟ قال:أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قال: ثم أي قال: أن تقتل ولدك من أجل أن يطعم معك: قال ثم أي قال: أن تزني بحليلة جارك) أخرجه البخاري. ولأنه الرسول عليه الصلاة والسلام: فهو(لا ينطق عن الهوى) حتى في حديثه العابر يضع مؤشرات لا يفهمها إلا من يتوغل فيها. فحين أشار لتلك المعاصي كان مجمل قوله يدل أن الروح مرتبطة بعمل الجسد والجسد مرتبط بعمل الروح.

وتحليلي لنصه وفق رؤيتي المتواضعة كانت كالتالي:(أن تجعل لله نداً وهو خلقك). المعصية الجسدية هنا هي(أفعال لشرك). ولدت من معصية روحية وهي(عدم الإخلاص)(أن تقتل ولدك من أجل أن يطعم معك). المعصية الجسدية(القتل) المعصية الروحية(عدم التوكل على الله).
(أن تزني بحليلة جارك). الزني كله محرم: لكنه عليه الصلاة والسلام هنا خص(الزنى بزوجة الجار) المعصية الجسدية هي(الزنى) المعصية الروحية هي(الخيانة). منزلة اللسان في القرآن الكريم


vمنزلة اللسان في السنة المطهرة  :

عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليسكت» عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: «الصلاة على وقتها» قلت: ثم ماذا يا رسول الله؟ قال: «أن يسلم الناسُ من لسانك» عن أبي موسى رضى الله عنه قال : قلت : يا رسول الله ! أيُّ المسلمين أفضل ؟ قال : «من سلم المسلمون من لسانه ويده» عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله ما النجاة؟ قال: «أملك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك» لقد جاء أعرابي وقال : يارسول الله : دلني على عمل يدخلني الجنة , فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : أطعم الجائع , واسق الظمآن وأمر بالمعروف وانه عن المنكر, فإن لم تطق فكف لسانك إلا من خير) صحيح أخرجه الإمام أحمد . عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة» وقال رجل ما أخوف ما تخاف علي يا رسول الله ؟ فقال : هذا , وأشار إلى لسانه ) حديث صحيح رواه الترمذي عن الحارث بن هشام رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبرني بأمر أعتصم به؛ فقال: رسول الله: «أملك هذا وأشار إلى لسانه» عن أبي هريرة رضى الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : «إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزلُّ بها إلى النار أبعد ما بين المشرق والمغرب» عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله: (لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، ولا يدخل الجنة رجل لا يأمن جارُه بوائقه) قال معاذ رضي الله تعالى عنه : ( يا رسول الله : وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال : ثكلتك أمك يا معاذ , وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ) عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه مرّ على بغل ميت فقال لبعض أصحابه: (لأن يأكل من هذا حتى يملأ بطنه، خير له من أن يأكل لحم رجل مسلم) سُئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال : ( تقوى الله وحسن الخلق , وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار. فقال : الأجوفان : الفم والفرج )

vآفات اللسان وآثرها في أخلاقيات الناس :

أثر آفات اللسان على هدم العلاقات الاجتماعية

كم من كلمة قالت لصاحبها دعني لذا وجب أن تكون سمة المؤمن كما ورد في الحديث الشريف(ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش البذيء). لو تأملنا في كل عباده أمرنا بها سواء كانت صلاة جماعة أو صيام أو زكاة أو حج أو صلة رحم أو غيرها من العبادات لوجدنا القاسم المشترك بينها هي هدف واحد هو:(الألفة والمحبة بين المسلمين):. لذا كان جديراً بمثل آفات اللسان التي تورث العداوة والبغضاء بين الناس: وأن يخصص الله لهم عقوبة شديدة في الآخرة عوضاً عن عقوبة الدنيا التي سأوردها بعد قليل، عن أبي حذيفة عن عائشة(رضي الله عنها) قالت قلت للنبي صلّى الله عليه وسلّم: حسبك من صفية كذا وكذا – تعني قصيرة – فقال:"لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته“. وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:"لّمّا عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس، يخمشون وجوههم، وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل: قال:هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم) سنن أبي داود: وأيضاً عن المستورد بن شداد رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:"من أكَلَ برجلٍ مسلمٍ أُكْلةً فإن الله يُطعِمُهُ مثلها من جهنم، ومن كُسِيَ ثوباً برجلٍ مسلمٍ فإن الله يكسوه مثله من جهنم، ومن قام برجلٍ مقام سمعةٍ ورياءٍ؛ فإن الله يقوم به مقام سُمعة ورياء يوم القيامة". أخرجه أبو داود.
 ولا عجب: أليس الله حين وصف الوليد بن المغيرة في كتابه الكريم ذماً له قال(همازٍ مشاءٍ بنميم) وتقدمت هذه الصفة كل الصفات الكريهة الأخرى فيه ككافر ومعتدٍ على رسول الله عليه الصلاة والسلام:! أليست الغيبة أشد من الزنا.. لربما الزاني يتوب صاحبه فيغفره الله له، ولكن المغتاب يبقى ذنبه معلقاً حتى يغفر المُغتاب لآكل لحمه:ألم يأتِ في حديث أبي هريرة قصة ماعز الذي جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وطلب منه أن يطهِّره من الزنا فأعرض عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى قالها أربعاً فلما كان في الخامسة قال:"زنيتَ؟ قال: نعم. ثم سأله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى ثبت عنده زنا ماعز فأمر برجمه فرجم. فسمع النبي صلّى الله عليه وسلّم رجلين يقول أحدهما لصاحبه: ألم ترَ إلى هذا الذي سترالله عليه فلم تدعه نفسه حتى رُجِمَ رَجمَ الكلب، ثم سار النبي صلّى الله عليه وسلّم حتى مر بجيفة حمار فقال:"أين فلان وفلان؟ انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار قالا: غفر الله لك يا رسول الله وهل يؤكل هذا ؟ قال صلّى الله عليه وسلّم:"فما نلتما من أخيكما آنفاً أشدُّ أكلاً منه، والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها". كل هذه الأحاديث المنفرة والمرهبة جعلتنا نتساءل لمَ هذا الذنب بالذات ؟!!! لم تأتِ سوره في القرآن إلا وقد تناولته وعيداً:! ولم يكن مجلسٌ لرسول الله عليه الصلاة والسلام إلا ووعظ عنه تنفيراً:!
الجواب بسيطٌ جداً: ذنب اللسان بعيداً عن النظر في عقوبة الآخرة: هو الهادم الأول للقاسم المشترك بين العبادات التي نؤديها وعليها: هو المُسقط لروح العبادة ذاتها فلا ينالنا منها إلا التعب وحسب! ألم يقل الرسول عليه الصلاة والسلام(من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) رواه أحمد، والبخاري، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة، وابن حبان:

       أثر آفات اللسان الاجتماعية

 1 - نفور المجموعة الواحدة أياً كانت(عائلة / أصدقاء / زملاء عمل) من بعضهم البعض، وربما قطيعتهم لبعض مهما كانت صلتهم وقوة إصرهم، ألا يكفينا قوله تعالى(لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك)؟
 2- كثرة التبجح على المقربين بالكلام أو الاعتداء عليهم بغيبة أو نميمة أو جدلٌ غير مهذب تخلف ذكرى سيئة لم نكن يوماً نرجوها عند الآخرين، فكيف فيمن نحب ونُجل كما أن مثل هذا الكلام قد يمحو كل معروف بادرنا به يوماً تجاه الآخرين وكأن شيئاً لم يكن فلا يتذكرون إلا سيئاتنا.
 3- مهما توسمنا خيراً في أن من حولنا سيختلق الأعذار لنا لبذاءة اللسان لعلمه ببياض قلوبنا إلا أننا ذات يوم سنُصدم بردة فعله، وقد نخسر كل شيء نحبه:حيث إن لكل إنسان منا طاقة مهما بلغ صبره وعلا حُلمه..
 4- القذف والغيبة والنميمة والعدوان على الآخرين باللسان هو نوعٌ من أنواع الظلم، والظلم يعجل الله عقوبته في الدنيا قبل الآخرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع:(أَيُّهـا النّاسُ إِنَّ دمائكم وَأَموالَكُم وَأَعراضَكُم عَلَيكُم حَرامٌ كَحُرمَةِ يَومِكُم هذا فِي شَهرِكُم هذا فِي بَلَدِكُم هذا إِنَّ اللهَ حَرَّمَ الغَيبَةَ كَمـا حَرَّمَ المَالَ وَالدَّمَ) فالمسلم:((من سلم المسلمون من لسانه ويده)) رواه مسلم.
       5 - الحديث في عيوب الآخرين أو ممارسة سلطة اللسان بإطلاقٍ دون الحد منها تجعل العيون تحدق على بذيء اللسان وتبحث من ورائه حتى تفضحه في حين هو يحاول ستر نفسه بتسليط الضوء على عيوب الآخرين.
(من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله)رواه الترمذي.
(ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته). رواه ابن ماجة:
 والقاعده التي يجب أن تكون نصب أعيننا دوماً(كما تدين تدان): ألم يقل الشافعي رحمه الله:إذا شئت أن تحيا سليما من الأذى: وعيشك موفور وعرضك صين لسانك لا تذكر به عورة امـرئ: فكلك عـورات وللناس ألســن وعينك إن أبدت إليك مساوئاً: فصنها وقل ياعين للناس أعين وعامل بمعروف وسامح من اعتدى:وعاشر ولكن بالتي هي أحسن وحين حدوث ذلك سيعم اللغط ويكثر الكذب ويُستباح القذف لأغراضٍ شخصيه مسقطين بذلك أمر الله واعتبار الظلم وحدوثه قال السخاوي:(وقد روينا عن إمام دار الهجرة مالك بن أنس - رحمه الله - أنه قال: أدركت بهذه البلدة - يعني المدينة - أقواماً لم تكن لهم عيوب، فعابوا الناس؛ فصارت لهم عيوب، وأدركت بها أقواماً كانت لهم عيوب، فسكتوا عن عيوب الناس؛ فنُسيت عيوبهم).
 فرحم الله عبدًا عرف قدر نفسه، فوقف عند حدّه.
 6- الكذب والغيبة والنميمة والقذف وغيرها من آفات اللسان تجعل المجتمع متخاذلا عن كل إيجابي منشغلٌ بسفاسف الأمور وحياكة الأساطير. وتسيطر عليه ثلاثية ممقوتة تتمثل في الشك والتخاذل والجحود.

 أثر آفات اللسان على المجتمع التعليمي والثقافي خاصة

وسنتطرق بقليلٍ من تفصيل لأثر الغيبة والنميمة والقذف والجدل وقول الزور على
 المجتمع التعليمي والثقافي خاصة:
 1 - تعزيز الأنا وتهميش دور الجماعة على حساب العمل فعلى سبيل المثال: في مجتمعات شبه مغلقة، عملت عبر منظوماتها التنشيئية على تقنين ترتيبات تكاد تكون محنطة، تعيد إنتاج هالة تقديس فئة بعينها، إما لسنهم أو مركزاهم الاجتماعية أو الإدارية أو العلمية: على حساب تقويم من هم أصغر منهم عمريا أو مركزيا.
 2- فقدان الثقة في قواد أو في أعضاء المجتمع العملي الذي تنتشر به مثل هذه الآفة ويشيع فيهم أحاسيس التوجس والتناكر(إن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا) متفقٌ عليه مما يجعل الإنسان لا يقدم على المكان بارتياح بل بتثاقل شديد وضغط نفسي كبير وحذر شديد ممن كان من الواجب أن يمضي معهم نصف يومه ومن المفترض أن يصبحوا معا كعائلة واحدة فيصبح أداء العمل كعادة أقرب منه إلى العبادة: ومن هنا ينتج التقصير وسيجد له صاحبه مبررات كثيرة لضغوطٍ تكاد تخنق حركته في ساعات العمل فتجبره على مثل هذا التصرف.
 3- انتشار الظلم والبخس في سبيل الانتصار للذات إن لم يوجد ربٌ حكيم للعمل، وتوارى العدل تحت أجنحة المصلحة.
 قال يزيد بن ميسرة:"الكذب يسقي باب كل شر، كما يسقي الماء أصول الشجر".
 4- انتشار الحسد والكراهية والحقد والدسائس والمكائد.
 5- عدم البركة في العمل قال عليه الصلاة والسلام:(الكذب ينقص الرزق) وقال:(إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه).
 6- آفات اللسان حين تنبت في مجتمع فإنها تؤهل الأرض لخصوبة معاصي عدة ذميمة كالرشوة مثلاً والاعتداء على حقوق الآخرين بغير وجه حق.
 7- انتزاع الورع من المجتمعات التعليمية وهي أحوج ما تكون إليه حيث إنها لا تنفصل عن التربية بل هي الوجه الآخر له: قال الحسن بن صالح: فتشنا الورع فلم نجده في شيء أقل منه في اللسان.
 8- اعتياد المجتمع الثقافي والأدبي على مثل هذه الخصال كسمة من سماتها تُسقط هيبتها وتُعدم فائدتها إلا من لغطٍ وسخط ينقصها ولا يزيدها.. قيل لبعض الحكماء: ما الحكمة في أن ريح الغيبة ونتنها كانت تتبين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تتبين في يومنا هذا ؟ قال: لأن الغيبة قد كثرت في يومنا، فامتلأت الأنوف منها، فلم تتبين الرائحة وهي النتن ويكون مثال هذا، مثال رجل دخل دار الدباغين،لا يقدر على القرار فيها من شدة الرائحة وأهل تلك الدار يأكلون فيها الطعام ويشربون الشراب ولا تتبين لهم الرائحة، لأنهم قد امتلأت أنوفهم منها، كذلك أمر الغيبة في يومنا هذا..

دور المربين وأرباب الفكر في معالجة آفات اللسان فيمن حولهم

وللمربين دور كبير في معالجة آفات اللسان، وسأتطرق لبعض الوسائل هنا وإلا فالوسائل عديدة لمن أصلح النية لله:.
 1 - التربية على مبدأ(لست ملاكاً ولا شيطاناً): فالملائكة عقول بلا شهوة، والشياطين شهوة بلا عقول والإنسان جزء منه عقل وجزء منه شهوة، فمن غلب عقله على شهوته فهو أقرب للملاك، ومن غلبت شهوته على عقله فهو أقرب للشيطان..(وآفات اللسان هي من أعظم الشهوات التي يستلذ به اللسان) وحين يتيقن الآخر بأنه طبيعي جداً أن يخطئ ويصيب وليس ذلك عيباً ولكن العيب أن يعلم بمواطن الخطأ ويستمر مُضياً إليه: سيجد أريحية كبيرة في أن يتقبل نفسه الأمارة بالسوء ويصلحها بالتي هي أحسن..
 2-اختراع ألعاب مع من حولهم لتأصيل المعنى في النفوس وغرس المبادئ الصحيحة بجو من المرح: مثلاً: كأن يطلب المربي أو المفكر بأن يقوم من حوله في إغماض عيونهم ثم يقول لهم سأسألكم سؤالا فإن كانت الإجابة بنعم ارفع يدك بدون أن تفتح عينك.
 - هل قمتِ يوماً بغيبة إحدى صديقاتِك الجالسات هنا ؟
 - النتيجة ستكون أشبه بالصاعقة: فكل الموجودين رافعين أيديهم:
 الآن يطلب منهم فتح عيونهم وأيديهم مرفوعة ليقوموا باكتشاف حقيقة مؤلمة تُشعرهم بالخجل..
 - هل قمتِ يوما ًبالكذب من باب أن تعطي لنفسكِ هالة من التميز ؟
 - أيضاً النتيجة مزرية: وهكذا:.
 هذه اللعبة ليست عوناً على الكذب بمنطق(الموت مع الجماعة أرحم) ولكنها من منطلق مصارحة الذات كوسيلة للمكاشفة والمصارحة بين المجموعة الواحدة من خلالها سيستشف الشخص عدة أشياء:.
 1- التعود على المسؤولية ومجابهة نتيجة الخطأ دون حرج
 2- ليس عيباً أن أعترف بخطئي فكل الناس يخطؤون.
 3- كما أنا اغتبت أحدهم ونممت عليه هنالك من قام بغيبتي والنميمة بحقي فـ(كما تدين تُدان).
 4- الواجب حين اكتشاف الخطأ إصلاحه بأي ثمن حتى لا ألقى الله وليس على وجهي مضغة لحم وحتى لا يقتص الله مني في الدنيا قبل الآخرة ولا أتعرض لدعوة مظلوم بسبب زلة لسان..
 5- التعرف على الطريقة المثلى لتصحيح الخطأ، ومن ثم تعلم الطريقة المثلى لانتقاد الآخرين: فقد قال بعض الحكماء: إذا رأيت من أخيك عيبا فإن كتمته عنه فقد خنته، وإن قلته لغـيره فقد اغـتبته، وإن واجهته به فقد أوحشته: فقيل كيف نصنع ؟ قال: تُكني عنه وتعـرض به في جملة الحديث.
 6- تدريب النفس على تقبل المخطئين بحقنا والصفح عنهم لنكون نحن أفضل منهم ونلبسهم جمائل عفونا مقابل إساءتهم، ونجعل أبواب قلوبهم مشرعةٌ للندم بلا حدود فقد روي عن الحسن البصري: أنه كان يحب الرُطب، وقد علم أن هناك رجلا اغتابه بالأمس فقال لغلامه اذهب إلى فلان وأهده هذا الطبق وقل له: إن سيدي علم أنك أهديته حسناتك بالأمس وهو يهديك هذه الرطب اليوم على حبه لها: وقال له رجل إنك تغتابني فقال ما بلغ قدرك عندي أن أحكمك في حسناتي:
3- تعويد من حولنا على اعتماد الحساب في كل شيء في حياتهم من باب الإيمان بقاعدة(وكل شيء أحصيناه) كسُنة كونيه تعودهم على النظام مثلاً: اقتراح التجربة ليوم واحد فقط أن ترافقنا الورقة والقلم نخط خطاً فيها كل
ما ذكرنا الرسول عليه الصلاة والسلام: نهاية اليوم: نحسب عدد الخطوط، لنفترض أنها كانت 15 نقوم بعملية حسابية بسيطة(صلاة على الرسول عليه الصلاة والسلام X عدد صلوات الملائكة علينا حين نصلي على الرسول صلاة واحدة)
والأمر نفسه(ورقه وقلم) نسجل فيها كل مرة نغضب ونتفوه بكلمة سيئة أو غيبة أو قذف أو جدل: نهاية اليوم نحسب سيئاتنا كاملة.. من منطلق الإيمان بـ(مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرةٌ ولا كبيرة إلا أحصاها) كوقفة قصيرة لحساب النفس تكشف القدر الحقيقي للشخص عند الله لننشغل بأخطائنا عن أخطاء الآخرين.. فمن لا يعرف عيوب نفسه فلا قدر لنفسه عنده..
 4- عدم اللجوء إلى العقاب الشديد لأن الخوف من العقاب من أهم الدوافع التي تجعل الشخص يلجأ إلى الكذب، وأن يكون العقاب –إذا حدث – عقاباً معتدلاً يتناسب مع نوع الخطأ، وأن يعرف الشخص بالأسباب التي أدت إلى اتخاذ القرار بعقابه.
 5-أن يكون المربي وصاحب الفكر قدوة لهم.
 6- نتجنب وضع الشخص عمداً في المواقف التي تشجعه على الكذب و تضطره للدفاع عن نفسه من باب استكشاف المجهول، فإذا اعترف الشخص بخطيئته لا نعاقبه البتة، لأن العقاب يشجعه على الكذب و لا يشعره بالأمن و الطمأنينة نحونا، بل نكافئه على الصدق رغم العواقب الوخيمة التي خلفتها ذنوب لسانه، و نبصره بأهمية الصدق ومغبة تلك الذنوب:
7- هجر كل من يتصفون بتلك الصفات من منطلق الإيمان بقاعدة(من تكلم بالآخرين لديك فلا تأمنه من أن يتكلم بك أمام الآخرين) فهي عادة يمارسها ولا يكلها..
8- انتهاج منهج أبي حنيفة في عقاب النفس وردعها عن ذنوب اللسان. فقد جعل على نفسه أن لا يحلف بالله في عرض كلامه إلاّ تصدق بدرهم فحلف فتصدق به ثم جعل أن يتصدق بدينار، فكان إذا حلف صادقا في عرض الكلام تصدق بدينار: ولعلها وسيلة سهلة في تأديب النفس.. فهل من مشكلة إن عقدنا العزم على أن نأخذ عهداً مع الله أن نقوم بصدقة ندفعها بمبلغ ندفعه نحن مُسبقاً في كل مرة نسيء فيها استخدام ألستنا أو نهجر الكلمة الطيبة ونلازم الكلمة الفظة الغليظة التي تجرح شعور من حولنا كنوعٍ من التأديب لأنفسنا: لنجرب وسنرى النتائج: فالمعروف سهلٌ جداً إن عودنا أنفسنا عليه لأننا بالأساس مفطورون عليه فلنبادر نحن في تأديب أنفسنا قبل أن يؤدبنا الآخرون على جُرم أقوالنا اللا مسؤولة ولنسأل نحن أنفسنا دوماً قبل أن نبادر بأي كلمةٍ نقوم باستدراكها أمام الناس: هل من اللباقة والضرورة أن أتكلم لأقطع هذا الصمت؟:((فليقل خيراً أو يصمت)).


من آفات اللسان

الكذب:

·      آثار الكذب:

تقدّم أنّ للذنوب آثاراً في الدنيا قبل الآخرة، فكما أنّ الذي لا يتصدّق لا يزيد الله في رزقه، والذي لا يصل رحمه لا يزيد الله في عمره، والعاقّ لوالديه يسلّط الله عليه أولاداً يعقّوه، كذلك هو الأمر بالنسبة للكذب، ومن أهم آثاره أنّه:
1. يورث الفقر: رُوِي عن أمير المؤمنين عليه السلام: "اعتياد الكذب يورث الفقر"12.
2. الكذب مفتاح الشرّ: عن الإمام الباقر عليه السلام: "إنّ الله عزّ وجلّ جعل للشرّ أقفالاً، وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب، والكذب شرّ الشراب"13.
3. ذهاب الإيمان: إنّ الكذب يؤدّي إلى خراب الإيمان، فلا يذوق الكاذب طعم الإيمان، رُوِي أنّه سُئِل النبي صلى الله عليه واله: يكون المؤمن جباناً؟ قال: "نعم، قيل: ويكون بخيلاً؟ قال: نعم، ويكون كذّاباً؟ قال: لا"14.
4. ذهاب بهاء المؤمن: عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "قال النبي عيسى بن مريم عليه السلام: "من كثر كذبه ذهب بهاؤه"15.
5. يؤدّي إلى النفاق: رُوِي عن النبي صلى الله عليه واله: "الكذب بابٌ من أبواب النفاق"16.
6. اللعنة والهلاك: قال تعالى: ﴿قُتِلَ الْخَرَّاصُون﴾17، والخرّاصون أي الكاذبون، وقُتل أي لُعِن وهلِك.
7. اسوداد الوجه يوم القيامة: قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ﴾18.

·      علاج الكذب:

علاج الكذب مسألة بغاية الأهمية، وينبغي أن يبدأ الفرد بنفسه حتَّى يؤدّي بالتدريج إلى علاج هذه الآفة في المجتمع؛ لأنّ المجتمع لو ترك الكذب واتجه في معاملاته وسلوكياته إلى الصدق، لزال الظلم واستقام أمر المجتمع.

·      من الأمور التي ينبغي العمل عليها للتخلّص من هذه الآفة:

1. التعرّف على جذور الكذب؛ لكي يعالج الكذب من جذوره، فإن كانت المشكلة ضعف الإيمان، فيجب عليه تقوية دعائم الإيمان، وإذا كان الدافع هو الحسد والتكبّر، فعليه معالجة المشكلة من خلال معالجة الكِبر والحسد، وهكذا...
2. التأمّل والتفكّر في الآيات والروايات التي ذمّت الكذب، فاعتبرته مفتاح كلّ شرّ، وبيّنت آثاره السلبية على الفرد والمجتمع، لما لهذا التفكّر من عامل مهمّ ومساعد لترك هذا العمل المذموم.
3. قوّة الشخصية؛ لأنّ أحد دوافع الكذب هو ضعف الشخصية والشعور بالدونية، فالكاذب يريد جبران نقصه من خلال الكذب، ولهذا لا يتورّع عنه.
4. العلاج العملي للكذب، ويمكن من خلال الترويض الدائم للنفس ومجاهدتها، والعمل على خلاف رغبتها، حتَّى تقلع عن هذا الفعل القبيح. فالنفس ميّالة بطبيعتها إلى ما تحب، وينبغي أن لا يدع الإنسان نفسه لما تهواه وتريده، بل عليه أن يوقفها عند حدّها، وأن يحاسبها فيما لو أقدمت على الكذب، إلى أن يتخلّص من هذه الرذيلة شيئاً فشيئاً.

·      الغيبة :

قال تعالى: ﴿وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحيمٌ﴾19.
تعتبر الغيبة من أشدّ الأمراض الاجتماعية الفتّاكة التي تقضي على المجتمع وتحولّه إلى أحزابٍ وفئاتٍ متناحرةٍ، يأكل بعضها بعضاً، حتَّى عبّرت عنها بعض الروايات بأنّها الآكلة في دين الرجل كالآكلة في جسد الإنسان. ولقد صوّر القرآن الكريم في هذه الآية الكريمة جريمة الغيبة بصورة بشعة ومقزّزة للنفس، لم يصوّر غيرها من المحرّمات بهذه الصورة، وهي ليست تشبيهاً ولا صورة خيالية، بل هي الصورة الملكوتية للغيبة، والتي لو كشف الغطاء عن أعين الناس لرأوا ولعاينوا الحقيقة كما هي بقوله تعالى: ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخيهِ مَيْتاً﴾.

·      الآثار الدنيوية والأخروية للغيبة:

للغيبة آثار تظهر في عالم الدنيا، وفي البرزخ، ويوم القيامة:
1. عذاب النار: قال أنس: أمر رسول الله صلى الله عليه واله الناس بصوم يوم، وقال: "لا يفطرنّ أحد حتَّى آذن له، فصام الناس حتَّى إذا أمسوا، جعل الرجل يجيء، ويقول: يا رسول الله، ظللت صائماً، فأذن لي لأفطر، فأذِن له، حتَّى جاء رجل، فقال: يا رسول الله، فتاتان من أهلك ظلتا صائمتين، وإنّهما تستحيان أن تأتيانك، فأذن لهما أن تفطرا، فأعرض عنه، ثمّ عاوده، فأعرض عنه، ثم عاوده، فقال: إنّهما لم تصوما، وكيف صام من ظلّ هذا اليوم يأكل لحوم الناس؟! اذهب مُرهما، إن كانتا صائمتين أن تستقيئا، فرجع إليهما فأخبرهما، فاستقاءتا، فقاءت كلّ واحدة منهما علقة دم، فرجع إلى النبي صلى الله عليه واله فأخبره، فقال: والذي نفس محمد بيده، لو بقيتا في بطونهما لأكلتهما النار"25، وهذا لا يعني أن الصوم باطل شرعاً، بل المقصود هو عدم كمال الصوم على مستوى الثواب الأخروي، وهنالك فرق بين صحة الصوم وقبوله عند الله تعالى.
2. المغتاب يأكل من لحمه يوم القيامة: فعن نوف البكالي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "اجتنب الغيبة؛ فإنها إدام كلاب النار، ثمّ قال: يا نوف، كذب من زعم أنّه وُلد من حلال، وهو يأكل لحوم الناس بالغيبة"26، ولا منافاة بين أن يأكل لحم الميتة، أو أن يأكل لحم جسده.
3. الفضيحة يوم القيامة: عن رسول الله صلى الله عليه واله: "... ومن مشى في غيبة أخيه وكشف عورته، كانت أول خطوة خطاها وضعها في جهنم، وكشف الله عورته على رؤوس الخلائق".
4. العذاب في البرزخ: عن رسول الله صلى الله عليه واله: "مررت ليلة أُسْرِي بي على قومٍ يخمشون وجوههم بأظافيرهم، فقلت: يا جبرئيل، من هؤلاء؟! قال: هؤلاء الذين يغتابون الناس، ويقعون في أعراضهم".
5. الفضيحة في الدنيا: إنّ بعض مراتب الغيبة يدفع بصاحبها إلى الفضيحة في عالم الدنيا، عن إسحاق بن عمّار، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "يا معشر من أسلم بلسانه، ولم يُخْلِص الإيمان إلى قلبه، لا تذمّوا المسلمين، ولا تتّبعوا عوراتهم؛ فإنّ من تتبّع عوراتهم تتبع الله عورته، ومن تتبّع الله عورته يفضحه ولو في بيته".
6. الدخول في ولاية الشيطان: الغيبة تؤدّي إلى خروج المغتاب من ولاية الله تعالى، والدخول في ولاية الشيطان، فلا يكون من أهل النجاة والإيمان، عن الإمام الصادق عليه السلام: "ومن اغتابه بما فيه، فهو خارج من ولاية الله، داخل في ولاية الشيطان".
7. لا يُغفر الله للمغتاب حتَّى يرضى صاحب الغيبة: إنّ معصية الغيبة أشدّ من كافة المعاصي، وإنّ آثارها أخطر من آثار الذنوب الأخرى؛ لأن الغيبة مضافاً إلى أنّها تمسّ حقوق الله تعالى، فهي تمسّ حقوق الناس أيضاً، ولا يغفر الله تعالى للمغتاب حتَّى يرضى صاحب الغيبة، عن النبي صلى الله عليه واله: "يا أبا ذر، إياك والغيبة، فإنّ الغيبة أشدّ من الزِّنا" قلت: ولِم ذاك يا رسول الله؟! قال: "لأنّ الرجل يزني فيتوب إلى الله، فيتوب الله عليه، والغيبة لا تُغفر حتَّى يغفرها صاحبها"31. ولو أن الإنسان - والعياذ بالله - مات وعليه حقوق الناس، كان أمره صعباً جداً؛ إذ إنّ علاقة الإنسان في حقوق الله تكون من الكريم الرّحيم، الذي لا يتطرَّق إلى ساحته القدسيّة شيء من البغض، والضغينة، والعداوة، والتشفّي، ولكنّه في حقوق العباد قد يرتبط بإنسان فيه تلك الصفات الفاسدة، ولا يتجاوز عنه بسرعة، أو لا يرضى عنه نهائياً.

·      علاج الغيبة :

إنّ علاج هذا المرض الأخلاقي الخطير يحتاجُ إلى مجاهدةٍ كبيرةٍ، ومتابعةٍ دقيقةٍ، ولا بدَّ من رعاية الأمور الآتية للوقاية من الوقوع في هذا المرض أو علاجه:
- أن يفكّر في الآثار المفيدة التي تترتب على معالجة هذه الموبقة، ويقارنها مع الآثار السيّئة التي تترتَّبُ على الغيبة.
- أن يفكّر ويتأمَّل في الرِّوايات التي تحدّثت عن الآثار الغيبيَّة لهذه المعصية.
- أن يفكّر في الآثار الدنيويّة للغيبة، كسقوط الإنسان من أعين النّاس.
- من النَّاحية العمليَّة فلا بدّ من كفِّ النَّفس عن هذه المعصية لبعض الوقت مهما كان صعباً، ولجم اللسان، والمراقبة الكاملة للنَّفس، ومعاهدة النَّفس بعدم اقتراف هذه الخطيئة، ومراقبتها، والحفاظ عليها ومحاسبتها.
- معالجة العوامل والأسباب والجذور التي تؤدّي بالشَّخص أن يرتكب الغيبة، كالحسد، والحقد، والأنانيَّة، وحبّ الانتقام، والتكبّر، والغرور، وأمثال ذلك.
- أن يفكّر ويستحضر دائماً هذه الحقيقة، وهي أنّ الغيبة حقّ الناس؛ لأنها تتسبَّب في هدم سمعتهم، والذَّهاب بماء وجوههم.

·      القذف :

- قال تعالى:  [ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ] النور: 23.
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلَّ الله عليه وسلم قال  :( اجتنبوا السبع الموبقات). قيل : يا رسول الله وما هنَّ؟ قال: ( الشرك بالله والسحر، وقتل النفس التي حرَّم الله إلاَّ بالحقِّ، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولِّي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات). البخاري ومسلم.

·      النميمة :

آثاره النميمة :

 -  التفرقة بين الناس.
-  قلق القلب .
 - عار للناقل والسامع.
 - حاملة على التجسس  لمعرفة أخبار الناس.
 - حاملة على القتل وعلى قَطْع ارزاق الناس .

 حكم النميمة :

فهي محرمة بإجماع المسلمين وقد تظاهرت على تحريمها الأدلة الصريحة من الكتاب والسنة وإجماع الأمة وهي كبيرة من كبائر الذنوب.
 فإذا رأيت من نفسك إيذاء لأخيك أو أختك في الله بالغيبة أو بالسب أو بالنصيحة أو بالكذب أو غير هذا ، فاعرف أن إيمانك ناقص وأنك ضعيف الإيمان ، لو كان إيمانك مستقيما كاملا لما فعلت ما فعلت من ظلم أخيك.

 عقاب النميمة :

جاء في الحديث: ” لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ نَمَّامٌ” رواه البخاري ومسلم.
قال تعالى : (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ . هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) (سورة القلم:10،11)
النَّمَّامُ شُؤْمٌ لَا تَنْزِلُ الرَّحمة على قوم هو فيهم.
النميمة من الأسباب التي توجب عذاب القبر لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير ثم قال بلى كان أحدهما لا يستتر من بوله وكان الآخر يمشي بالنميمة متفق عليه . في حديث أحمد: ” شِرَارُ عباد الله المشَّاءون بالنَّميمة المُفرِّقون بين الأحبَّة البَاغون للبرآء العَيْب”. فالمسلم الصادق أيها الإخوة: له وجه واحد حيثما كان وله لسان واحد لا ينطق إلا بما يرضي ربه عز وجل.

 ماذا نفعل اذا سمعنا أشخاص يسعون في النميمة ؟

عدم الجلوس معهم ؛ لقول الله سبحانه وتعالى : وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. وقوله عز وجل : وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان.( خرجه الإمام مسلم في صحيحه .

·      علاج النميمة :

1- يكون بتوعية النمَّام بخُطورة النميمة، بمثل ما سبق من الآيات والأحاديث والحكم، والتنفير منها بأنها صِفَة امرأة لوط، التي كانت تَدُل الفاسقين على الفجور، فعذَّبها الله كما عذَّبهم.
 2- واجب السامع  عدم تصديق  النميمة ؛  لأن النمام فاسق والفاسق مردود الشهادة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (سورة الحجرات:6) كذلك يجب عليه أنْ يَنْصَحَهُ قِيامًا بالأمر بالمعروف والنهْي عن المنكر، وأن يَبْغضه لوجه الله؛ لأنه مبغوض من الله والناس، وألا يَظن سوءًا بمَن نَقل عنه الكلام، فالله يقول: (يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) ( سورة الحجرات )
 3- أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاما تظهر المصلحة فيه، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه، لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، بل هذا كثير وغالب في العادة وفي الحديث المتفق على صحته قال عليه الصلاة والسلام: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت(( قال الإمام الشافعي: إذا أراد الكلام فعليه أن يفكّر قبل كلامه فإن ظهرت المصلحة تكلم وإن شك لم يتكلم حتى يظهر.

·      أسباب آفات اللسان وشيوعها بين طوائف كثيرة من الناس يدرك أن مرد ذلك إلى أمور أظهرها:

أولاً: ضعف الوعي بالآثار والنتائج المترتبة على آفات اللسان في الدنيا والآخرة في حق صاحب اللسان وفي حق المتعرض لأذى اللسان، أو نسيان ذلك قبل الوقوع في الخطأ، ويؤكد هذه الحقيقة قول المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها - وفي حديث آخر ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت - يزل بها أو يهوى بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب).
ثانياً: ضعف الإيمان عند بعض الناس، فإن الإيمان حارس يحرس فكر الإنسان من غلبة جند الشيطان وتزيين شياطين الإنس، فإذا ضعف الحارس ضعفت المقاومة وسقط المحروس في أسر الغزاة. والإيمان له محكات، وحركة اللسان واحدة منها، ولذا لما جاء أحد الصحابة رضي الله عنه يسأل النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أخوف ما تخاف عليّ؟) أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه ثم قال: هذا!
ثالثاً: تجاهل ضوابط التلقي، مثل التثبت وفهم المقصود الصحيح وعدم الاكتفاء بالظواهر، فيحكم المرء على الناس بفهمه. قال الشاعر:
وكم من عائب قولاً سليماً
وآفته من الفهم السقيم
ولكن تأخذ الأفهام منه
على قدر القرائح والفهوم
وقد يحكم على القول بموجب الجزء الذي ظهر له أو نقل إليه، وإن كان ما خفي عليه لو بحث عنه وتثبت منه يزيل ما تولد عنده من غبش لأن الظاهر نصف الحقيقة، وليس هو الحقيقة كاملة، وقديماً قيل: وما آفة الأخبار إلا رواتها.
رابعاً: الإيغال في إحسان الظن بالنفس فوق قدرها، وفي سوء الظن بالناس بما ليس فيهم، فما أكثر ما نقول: إننا نخاف من عذاب الله بسبب فعل فلان وذنبه، ولكننا ننسى أو نتناسى أفعالنا وذنوبنا، يقول بعض السلف عن هذا: (إن الناس خافوا الله من الناس وأمنوه على ذنوبهم).
خامساً: التعود على فحش القول والعادة مستحكمة في النفس، ولذا قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من ودعه - أي تركه - الناس اتقاء فحشه) وإن ضحكوا له ومدحوه.

العــــــــــــــــــــــلاج

هناك عدة أمور يمكن وصفها بالعلاج المفيد ومن أهمها ما يأتي:
أولاً: الإكثار من ذكر الله تعالى والاستغفار والتوبة وقراءة القرآن والتذكير بالخير في مجالسنا، والأخذ على يد مروجي الإشاعات الضارة، والافتراءات الباطلة.
ثانياً: الوعي بأن الإشاعات المغرضة وانتقاص العلماء وولاة أمور المسلمين وأمرائهم خطر يهدد كيان الوطن ويضعفه في مواجهة الأعداء الحقيقيين .
ثالثاً: إشغال أنفسنا بالقراءة المفيدة المتنوعة في شتى العلوم والمجالات، وإشغال مجالسنا بالمسابقات العلمية المفيدة والمناقشات الفكرية النافعة في المعاش والمعاد.
رابعاً: أن نقنع أنفسنا بأن البلاء موكل بالمنطق فإن كثيراً من الناس كانوا معافين فلما أطلقوا لألسنتهم العنان بالحديث في عيوب الناس ابتلاهم الله بما تكلموا به مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تُظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله - أو يرحمه - ويبتليك).
خامساً: تربية أنفسنا وتربية غيرنا على فضيلة التواضع فإن المتواضع الذي عرف قدر نفسه حري أن يغفر عيوب الناس وأن يتجاوز عن أخطائهم.
سادساً : وأخيراً ودوماً: أن نضع نصب أعيننا دوماً تذكر النتائج والآثار المترتبة على أقوالنا وأن نتذكر أن ألسنتنا شهود علينا ومن مصلحتنا ألا يشهدوا علينا إلا بخير قال الله عز وجل:
(يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (24) (سورة النور. ) اسأل الله تعالى أن يجعل عملنا خالصاً لوجهه الكريم وأن يجعل ما قولنا حُجةً لنا لا علينا يوم العرض عليه
وأخيراً ماكان من توفيقاً وصواباً فمن الله وما كان من خطاءٍ فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء 0
وأخيرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِ العالمين وصلى الله وبارك على نبيه محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين 

ثمرات حفظ اللسان

1- الفوز برضوان الله.
2- أن صاحبه من أفضل المسلمين، لحديث أبي موسى -رضي الله عنه- قال: "قلت يا رسول الله: أي المسلمين أفضل؟ قال عليه الصلاة والسلام: (من سلم المسلمون من لسانه ويده)" [متفق عليه].
3- أنه من أحب الناس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأقربهم منه مجلسًا يوم القيامة.
4- أنه قد أُضمن الجنة كما في الحديث: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه، اضمن له الجنة) [البخاري].
5- أنه ناجٍ من عذاب الله تعالى، لقوله عليه الصلاة والسلام: (من صمت نجا) [الترمذي وصححه الألباني].
6- أنه من أفضل المجاهدين، كما في الحديث: (أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل نفسه في ذات الله) [الطبراني وصححه الألباني].
7- العلاقة الطيبة مع الخلق.
8- إراحة النفس من المتاعب والهم والمشاكل.
9- الفوز بحب الله تعالى، وحب أهل السماء، ووضع القبول في الأرض.

·      السلف الصالح مع اللسان :

- ذكر الإمام مالك في الموطأ عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه دخل على أبي بكرٍ الصديق -رضي الله عنه- وهو يجبذ لسانه، أي: يجره بشدة، فقال عمر: "مـه !! غفر الله لك"، فقال أبو بكرٍ -رضي الله عنه-: "إن هذا أوردني الموارد".
- قال رجل: رأيت ابن عباس آخذًا بثمرة لسانه وهو يقول: "ويحك, قل خيرًا تغنم واسكت عن شرٍّ تسلم، فقال له الرجل: يا ابن عباس, مالي أراك آخذاً بثمرة لسانك وتقول كذا وكذا؟ قال ابن عباس: بلغني أن العبد يوم القيامة ليس هو على شيءٍ أحنق منه على لسانه"، يعني لا يغضب على شيءٍ من جوارحه أشد من غضبه على لسانه، والأثر أخرجه ابن المبارك وأحمد وأبو نعيم وأحمد في كتاب الزهد.
- وقال عبد الله بن أبي زكريا: "عالجت الصمت عشرين سنة فلم أقدر منه على ما أريد"، وكان لا يدع يعاتب في مجلسه أحد, ويقول: "إن ذكرتم الله أعنـّاكم, وإن ذكرتم الناس تركناكم".
- وكان طاووس بن كيسان –رحمه الله- يعتذر من طول السكوت ويقول: "إني جربت لساني فوجدته لئيمًا راضعًا".
- وذكر هناد في كتابه الزهد بسنده إلى الحسن أنه قال: "يخشون أن يكون قولنا (حميد الطويل) غيبة"، لأنهم بينوه ونسبوه أنه طويل.
- وأخرج وكيع في الزهد وأبو نعيم في الحلية من طريق جرير بن حازم قال: "ذكر ابن سيرين رجلا، فقال: ذلك الرجل الأسود، -يريد أن يعرّفه-، ثم قال: أستغفر الله, إني أراني قد اغتبته".
- وكان عبد الله بن وهب -رحمه الله- يقول: "نذرت أني كلما اغتبت إنسانًا أن أصوم يومًا، فأجهدني –يعني تعبت– فكنت أغتاب وأصوم أغتاب وأصوم.. فنويت أني كلما اغتبت إنسانًا أن أتصدق بدرهم، فمن حب الدراهم تركت الغيبة".
- قال النووي في [الأذكار]: "بلغنا أن قس بن ساعدة وأكثم بن صيفي اجتمعا, فقال أحدهما لصاحبه: كم وجدت في ابن آدم من العيوب؟ فقال: هي أكثر من أن تحصى, والذي أحصيته ثمانية آلاف عيب, فوجدت خصلة إن استعملتها سترت العيوب كلها، قال: ما هي؟ قال: حفظ اللسان!!".
- قال إبراهيم التيمي: "أخبرني من صحب الربيع بن خثيم عشرين عامًا ما سمع منه كلمة تُعاب".
- وقيل للربيع: "ألا تذم الناس؟ قال: والله إني ما أنا عن نفسي براضٍ فأذم الناس؟! إن الناس خافوا الله على ذنوب الناس, وأمنوه على ذنوبهم".
- وقال حماد بن زيد: "بلغني أن محمد بن واسع كان في مجلس فتكلم رجل فأكثر الكلام, فقال له محمد: ما على أحدهم لو سكت فتنقى وتوقى".
- وقال بكر بن المنير سمعت أبا عبد الله البخاري يقول: "أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدًا".
والبخاري له كتب في الجرح والتعديل، ويقول الذهبي في السير معلقًا على قول البخاري هذا: صدق رحمه الله.. ومن نظر في كلامه في الجرح والتعديل علم ورعه في الكلام في الناس وإنصافه فيمن يضعفه فإن أكثر ما يقول –يعني أشد ما يقول البخاري إذا أراد أن يجرِّح رجلا– يقول: منكر الحديث, سكتوا عنه, فيه نظر, ونحو هذا، وقلّ أن يقول فلان كذاب, أو كان يضع الحديث, حتى إنه قال: إذا قلت: فلان في حديثه نظر؛ فهو متهم واهن, وهذا معنى قوله "لا يحاسبني الله أني اغتبت أحدًا"، وهذا هو والله غاية الورع" انتهى كلام الذهبي.

أقوال طيبة في ذم اللسان، والأمر بحفظه:

1- المؤمن يُقلُّ الكلام ويكثر العمل، والمنافق يكثر الكلام ويقل العمل.
2- لا أندم على ما لم أقل، وقد أندم على ما قلت.
3- ما لم أتكلم بالكلمة، فأنا أملكها، فإن تكلمت بها ملكتني.
4- الصمت عبادة من غير عناء، زينة من غير حلي، هيبة من غير سلطان، به تستغني عن الاعتزاز، وبه تستتر عيوبك.
5- ليس في الجسد مضغتان أطيب من القلب واللسان إذا طابا، ولا أخبث منهما إذا خبثا.
6- من كثر كلامه، كثر سقطه.
7- القلوب كالقدور تغلي بما فيها، وألسنتها مغارفها.
8- من العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام والظلم والسرقة وشرب الخمر، ومن النظر المحرم وغير ذلك، ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه، حتى ترى الرجل يُشار إليه بالدين والزهد والعبادة، وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله، لا يلقي لها بالا، يزل بالكلمة الواحدة أبعد مما بين المشرق والمغرب.
9- لا حج ولا رباط ولا جهاد أشد من حبس اللسان.

الخاتمة :

فليحذر الإنسان من لسانه وليعمل جاهداً أن يكون لسانه قائده إلى الجنة وموصله إلى رضوان الله، فإن كل ما يقول محسوب، إما له أو عليه، قال _تعالى_: "مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ" وجاء في الحديث أن معاذ بن جبل _رضي الله عنه_ قال للنبي _صلي الله عليه وسلم_: "يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم" وقد عرّف النبي _صلي الله عليه وسلم_ المسلم الحق الذي استسلم لله ظاهراً وباطناً، فقال: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" وإن شهوة الكلام من أكثر الشهوات غلبة للناس حتى لا تكاد تجد من يكبح جماحها، وما النجاة إلا لمن وفقه الله فألزم لسانه حدود ما أراد الله _تعالى_، عن عقبة بن عامر قال: "قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك" قال أبو عيسى هذا حديث حسن.

فإذا كان اللسان أول أسباب النجاة فانظر إلى واقعنا لتعرف مقدار الناجين ثم لا تعجب ممن هلك كيف هلك ولكن العجب ممن نجا كيف نجا، ولذا فإن الجوارح كلها تعنف اللسان وتوبخه كل صباح وتذكره أن نجاة سائر البدن به إن استقام، وهلاك الأعضاء كلها به إن انحرف، عن أبي سعيد الخدري رفعه قال: "إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان فتقول اتق الله فينا فإنما نحن بك فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا".

وقد كان السلف على ما بهم من حرص في كلامهم يتهمون ألسنتهم، وروي أن عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_ رأى أبا بكر الصديق _رضي الله عنه_ وهو يمد لسانه بيده، فقال له: ما تصنع يا خليفة رسول الله؟! قال: هذا أوردني الموارد، إن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قال: ليس شيء من الجسد إلا يشكو إلى الله اللسان على حدته.
فهل نحن عن آفات اللسان منتهون ولشهوة اللسان كابحون ولما يرضي ربنا طالبون؟


المصادر والمراجع :

كتاب تقويم اللسان للحافظ ابن الجوزي
كتاب اليوم الآخر للدكتور عمر سليمان الأشقر
كتاب آفات اللسان في ضوء الكتاب والسنة لسعيد بن علي بن وهف القحطاني
كتاب الفرج بعد الشدة لإبراهيم بن عبد الله الحازمي(الجزء الرابع)
كتاب طريقة لتصنع من ابنك رجلا لـ أكرم مصباح عثمان
موقع عبد الدائم الكحيل للإعجاز العلمي في الكتاب والسنة
المنتدى الرسمي للشيخ محمد العريفي


هل اعجبك الموضوع :
التنقل السريع