مهارات التواصل الإقناعي
أربعة نماذج للمحادثة، تحدث حينما
يحاول الناس التأثير على بعضهم البعض:
· نموذج الإقناع: وفيه
يحاول أحد الطرفين إقناع الطرف الآخر بتبني أو الموافقة على موقفه.
· نموذج التفاوض: إذا
لم تستطع إقناع الطرف الآخر بقبول موقفك قبولاً كلياً يمكنك عندئذ أن تبدأ التفاوض
والمعتاد في التفاوض أن يتنازل هذا الطرف قليلأً وذاك قليلاً وهو ما يتسبب في إيجاد
حل وسط في نهاية المفاوضة.
· نموذج التعصب: يحدث
هذا التعصب عقب اتخاذ كل من الطرفين مواقف ثابتة، ورفضه التحرك دون اعتبار لما يطلبه
الطرف الآخر. ويعد هذا الأثر، أثر التعصب، شائعاً، فيمكنك أن تشاهد شخصين ذوي انتمائين
مختلفين وهما يتجادلات بشأن مواقفهما الثابتة وترى أن كل طرف يكرر مضامينه في محاولة
لإقناع الطرف الآخر بالتزحزح عن موقفه، بيد أن كل منهما لا يبدي مرونة بل يتشبث كل
منهما بمواقفه.
· نموذج الاستقطاب: يحدث
هذا حينما تتسع الهوة كلما استمر الحديث، ودائماً ما يحدث الاستقطاب حينما يقوم كل
طرف بمهاجمة موقف الطرف الآخر دون نزاهة، رافضاً الاستماع إلى حجة الآخر وبينما يحاول
كل طرف إثبات صحة موقفه يحدث الاستقطاب.
نظريات الاتصال الإقناعي وتوظيفها في الإشهار
نظريات الاتصال الإقناعي
إن الاتصال الإقناعي لا ينطلق
من فراغ بل من قاعدة نظرية تتجسد من خلال العديد من النظريات.
نظرية التاءات الثلاثة
حسب ميشال لوني (michel le
nid) فإن الاتصال الإقناعي والتأثير في سلوك الأفراد
يتم عبر ثلاثة مراحل وهي التوعية،التشريع والتتبع أو المراقبة.فكلها تبدأ بحرف التاء
ومن هنا جاء أسمها.
المرحلة الأولى: هي التوعية وتتضمن آليات
الإقناع اللساني والتوضيح وتعزيز كل ذلك بالبراهين المقنعة التي تنساب إلى عقول المتلقين،ويشترط
في كل معلومات المرسل أن تكون بسيطة حتى يسهل فهمها وإدراكها،كما يشترط فيها عدم التناقض
لتنال المصداقية كما يجب أن تكون صياغة الرسالة وتحديد محاورها بصورة واضحة حتى تكون
أكثر إقناعا،إذ يجب فهمها دون الحاجة إلى بذل جهد زائد من المتلقي.
كما يشترط في التوعية حتى تكون
فعالة الموضوعية وعدم التحيز أو الانطلاق من أفكار ذاتية أو مسبقة في التعامل مع الجمهور
والتي يمكن أن تقف في مسار التوعية وتمنع المرسل من الوصول إلى أهدافه.
المرحلة الثانية: هي التشريع،تظهر أهمية
هذه المرحلة في الحملات الإعلامية العمومية،لكنها غير مؤثرة في الاتصال الاشهاري،فهي
تنص على إدراك أن التوعية لا تلبي الغرض لوحدها،فهي تبين مخاطر الموضوع وفوائده،لكن
التشريع يلعب دورا إيجابيا في ممارسة نوع من الضغط على المتلقي من أجل مسايرة المرسل
فيما يدعوا إليه.
المرحلة الثالثة: هي مرحلة التتبع،إذ لابد
للمرسل أن يعرف أين وصل من أهدافه،فحسب ميشال لوني فإن نجاح عملية الإقناع والتأثير
مرتبط بالمتابعة والمراقبة للعملية ككل،لأن الإنسان بحاجة إلى التذكير والتأكيد باستمرار
حتى في أموره اليومية البسيطة.
إن عملية المتابعة على عكس المرحلة
السابقة تجد مكانها في الاتصال الإشهاري،فهي تمكن المرسل من مواصلة بث رسائله أو إلغائها
واستبدالها بأخرى.
نظرية التنافر المعرفي
هذه النظرية أتى بها ليون فستنجر(leon festinger) في 1962،تنطلق من فكرة أن الإنسان
كيان نفسي يسعى دائما إلى انسجام مواقفه وآرائه والمواضيع التي يتلقاها مع شخصيته وبنيته
النفسية،فنظرية التنافر المعرفي ترمي إلى كون الإنسان يتعارض ويقاوم كل شيء يتعارض
وبناءه المعرفي.
تتركز هذه النظرية على أن الفرد
يحاول بذل مجهود من أجل الحفاظ على توازنه النفسي من خلال جعل هذه العناصر أكثر توافقا،فالتنافر
هو حالة من حالات الدافعية بحيث تدفع الفرد إلى تغيير سلوكاته وآرائه،فوفقا لصاحب النظرية
فإن هناك ثلاثة أنواع من العلاقات بين عناصر معرفتنا.
1.
علاقة
اتفاق بين هذه العناصر.
2.
قد لا
تكون هناك علاقة اتفاق بين هذه العناصر.
3.
قد تكون
هناك علاقة تناقض وتعارض بين هذه العناصر.
إذ يضطر الفرد غي الحالة الأخيرة
إلى إلغاء هذا التناقض أو التقليل من حدته إما بتبني العنصر الجديد والاستغناء عن القديم،أو
عن طريق خلق نوع من الانسجام أو مقاومة العنصر الدخيل عن طريق التجاهل والتغافل عن
مصدره أو تصنيفه ضمن العناصر غير المنطقية التي لا يمكن التعاطي معها أو حتى التفكير
فيها.
في هذا الإطار،يأتي ليون فستنجر
بثلاثة أمثلة يظهر غيها التناقض المعرفي في أجّل صوره وهي اتخاذ القرار،آثار الكذب
وآثار الإغراء.
اتخاذ القرار: إن تخيير الإنسان بين شيئين
يضطره إلى ترك بديل واحد بالضرورة،لكن بعد اتخاذ القرار يرى بعض الخصائص الجيدة في
البديل المتروك،في سبب التنافر المعرفي ولقضاء على هذا التعارض أو التقليل من حدته
أمام الفرد حلين،الأول يحتم عليه إقناع نفسه بأن البديل المتروك غير جذاب وأن خصائص
البديل المختار لا تملك قوة التأثير في قراره.أما الثاني فيلجأ فيه إلى تبرير اختياره
من خلال إعطاء مجموعة من العوامل التي تؤيده كالمبالغة في وصف خصائص البديل المختار.
آثار الكذب: يظهر التعارض هنا إذا أقدم
الفرد على القيام بما يخالف العناصر والمواقف التي يؤمن بها وتتوقف قوة التنافر على
عنصرين،الأول كلما تعارض قوله وقراره مع اعتقاده الشخصي كلما زاد التنافر بينما في
الثاني تقل قوة التنافر كلما سعى الفرد إلى تبرير رغم معارضته الداخلية لها.
آثار الإغراء: في هذه الحالة يظهر لدى
الفرد ميولا داخليا للحصول أو فعل شيء يخالف اعتقاده،تتعدد هنا أسباب النفور كأن يكون
بعيد المنال أو مخالفة صريحة لمعتقداته أو غير مشروع أو يورطه في مشاكل لا نهاية لها..
نظرية التحليل المعرفي للإعلام
تنطلق هذه النظرية من كون الإنسان
كائن عاقل، بحيث يقوم العقل تلقائيا بالتفكير في أي عنصر جديد بوضعه في ميزان المنطق
والمعتقد من خلال تحليل المعطيات والمعلومات المكونة للعنصر الجديد لمعرفة مدى قوته
ومنطقيته وموافقته للبيئة التي يعيش فيها.
لقد أتى بهذه النظرية الباحث مارتن
فيشباين(martin fishbien)،حيث
يركز على العامل المعرفي في عملية الإقناع وتغيير الاتجاهات وتعديلها.فالمعلومات المكونة
للعنصر الجديد الذي يصل إلى إدراك المتلقي هي التي تدفعه إلى التعامل معه أو إلغائه.
نظرية التوازن المعرفي
تشير هذه النظرية إلى مفهوم أساسي
يشكل حاجة إنسانية باعتباره شخصية متشكلة من تناسق مجموعة من المركبات،هذه الأخيرة
تفرض على الفرد خلق نوع من التوازن حتى يعيش حياة طبيعية،إذ يصبح معها التوازن حاجة
نفسية ومطلب له أهميته.يسعى الفرد إلى الحفاظ عليها وحتى إيجادها إن فقدت.
ويرى صاحب هذه النظرية أن مفهوم
حالة التوازن هو وجود مواقف معينة،أين تصبح معها الوحدات الإدراكية والتجارب الوجدانية
تعمل دون ضغط,أي أن يخلق الفرد التوازن والانسجام بين مكونات شخصيته.أي التوازن بين
المستوى الداخلي والسلوك العلني.
لقد قدم هيدر فريتز(fritz heider) أول نماذج التوازن التي تركز على
العلاقات القائمة بين ثلاثة عناصر.شخص"ش"وشخص آخر"ف" وشخص أو شيء
آخر"أ".لقد اهتم هيدر بمدركات "ش" وما يمثله"ف"و"أ"
والعلاقات التي تربط العناصر الثلاثة .
كما يركز هيدر من خلال نظريته
على نوعين من العلاقات بين الناس والأشياء.
1.
علاقات
متصلة بالمشاعر.
2.
علاقات
متصلة بالوحدة.
علاقات متصلة بالمشاعر( sentiment relation):هي نتيجة للطريقة التي
نشعر ونقيم بها الأشياء.وتتضمن مشاعر الحب والإعجاب والقبول ونقيض هذه المشاعر.
علاقات متصلة بالوحدة(unit reletion):تركز هذه العلاقات على الوحدات
التي تتشكل من خلال الربط بين مجموعة من العناصر.فعلى سبيل المثال الرجل وزوجته عبارة
عن وحدة،شأنه في ذلك شأن الأستاذ وطلبته.وترتكز هذه العلاقات حسب هيدر على عدة أساسات
كالتماثل(الهداف في فريق كرة القدم)والاتصال(المؤلف والكتاب)أو الملكية(الرجل وكلبه).
تتجسد هذه النظرية في الإشهار
من خلال سعي الفرد إلى الحصول على الرضا المطلوب الذي يحقق له توازنه الداخلي،فهو يهدف
بتعامله مع المنتجات إلى إرضاء نفسه بالدرجة الأولى.والمحافظة على العلاقات التي تربطه
بمحيطه الخارجي.
نظرية العلاقات الاجتماعية
تنطلق هذه النظرية من افتراض أهمية
العلاقات الاجتماعية بين الأفراد داخل جماعة واحدة أو حتى بين عدة جماعات أولية في
تعامل الفرد مع الرسائل الاشهارية.فهذه الرسائل تمر عبر العلاقات الاجتماعية لتصل بصورة
واضحة إلى إدراك الفرد.
في هذا الإطار ولإثبات دور الفئات
الاجتماعية والعلاقات السائدة بينها،قام كل من لازار سفيلد وقودين وبيرلسون عام
1940 بإعداد دراسة،اختاروا لها عينة من مدينة إيري كاونتي بولاية أوهايو الأمريكية.حيث
ضمت 600 شخص كما حددوا عينة إضافية تحقيقية للحكم على مدى صدق النتائج المتوصل إليها.إلا
أن الموضوع كان سياسي يهدف إلى معرفة ميول الأفراد أثناء التصويت معتمدين في ذلك على
عدة محددات كالسن والجنس والانتماء السياسي,حيث خلصوا إلى أن الفرد بحكم انتمائه إلى
جماعة معينة لديه ميولا كاملا لسلوك علني محدد.
كما تظهر أهمية هذه النظرية إلى
جانب أهميتها في الاتصال السياسي في الاتصال التجاري،فالفرد قبل أن يختار منتوج معين
يقوم باستشارة أفراد جماعته التي ينتمي لها خصوصا مع السلع البرتقالية والصفراء,فمن
غير المعقول اتخاذ الفرد لقرارات نهائية عشوائيا تكلفه غاليا وتدفعه إلى الندم.
نظرية التنظيم الاجتماعي
تنطلق هذه النظرية أيضا من افتراض
أساسي يرتبط بطبيعة الإنسان،فهو كائن اجتماعي بطبعه،إذ يميل إلى الاجتماع مع بني جنسه
والانضواء تحت لواء جماعة بشرية معينة متفقة مع حاجاته ودوافعه واتجاهاته النفسية.
إن الفرد لا يمكنه العيش بمفرده
من منطلق عدم قدرته على تلبية جميع حاجاته مع تنوعها.فلا يمكن مثلا أن يكون منتجا ومسوقا
ومستهلكا في الوقت نفسه،فإن كان منتجا فهو في حاجة إلى من يصمم له رسائل إشهارية وإلى
غير ذلك.
كما أن الجماعات مهما كانت طبيعتها
لا يمكن أن تحافظ على استقرارها واستمرارها هكذا عفويا،بل يجب أن تضع مجموعة من القواعد
المتعارف عليها من جميع أفرادها."فهذه النظرية تقوم على فكرة أساسية وهي أن الأفراد
في الجماعات الإنسانية تنظمهم قواعد تنظيمية معينة يفهمها الأفراد ويتعاملون على أساسها،كما
تتيح لهم قدرا أكبر لفهم أدوارهم وواجباتهم وحقوقهم والسلوك الذي يجب أن يتبعوه.وهذه
القواعد التنظيمية هي التي تؤدي إلى نماذج سلوكية معينة,تسمى في مجموعها بالتنظيم الاجتماعي.أي
تنظيم سلوك الفرد الاجتماعي".
إن التنظيم الاجتماعي يعني ضبط
العلاقات من خلال تحديد الأدوار والحقوق والواجبات.فعملية الضبط الاجتماعي مهمة جدا
في عملية الإقناع.فإذا ما أردنا أن نقنع مؤسسة ما بشراء منتجاتنا فما علينا إلا أن
نعمل على إرضاء المدير وهو المخول باتخاذ القرار في هذا التنظيم الاجتماعي(المؤسسة)
وما على فريق العمل إلا تطبيق ما يتخذه المدير من قرارات.من هذا المنطلق كان على المعلن
أن يدرس طبيعة الجماعات المستهدفة والعلاقات القائمة بين أفرادها إذا ما أراد الحصول
على اقتناعهم.
نظرية التأثير الانتقائي
إن تطور العلوم الإنسانية أثبت
أن وسائل الإعلام هي جزء بسيط من المجتمع الكلي، فالفرد قبل أن يتعرض إلى هذه الوسائل،تعرض
إلى تأثير عوامل أخرى مرتبطة بالتنشئة الاجتماعية.
تجسدت هذه الفكرة من خلال ما توصل
إليه ميلفن دفلر وزميلته روكتش بناءا على فكرة أن الطاقة الاستيعابية للفرد لا يمكنها
أن تستوعب الكم الهائل من الرسائل التي يتعرض لها يوميا.فهو لا يدرك كل ما يتلقاه،بل
ينصب تفكيره على إدراك وفهم الرسائل التي تحتوي على مفاهيم تهمه أو على الأقل هو في
حاجة إليها.فالمواضيع لا تفرض على المتلقي وإنما يختار ما يريد ويترك ما لا يحتاج إليه
وتتجسد هذه النظرية من خلال عدة مفاهيم.
التعرض الانتقائي:يشير إلى حرية
المتلقي في اختيار ما يتعرض له،فهو لا يتعرض إلى جميع الرسائل التي تبث عبر وسائل الإعلام
بل يهتم ببعضها ويهمل الأخرى.
الإدراك الانتقائي: يرتبط هذا
العنصر بالمواضيع التي اهتم لها الإنسان،فهو لا يدرك كل ما يتلقاه بل يركز إدراكه على
بعض المواضيع التي اختار التعرض لها.
التذكر الانتقائي: يعمل الفرد
على التركيز على بعض مدركاته لتخزينها في ذاكرته ليقوم بعملية استرجاعها متى أراد ذلك.
التصرف الانتقائي: هو آخر عنصر
من عناصر نظرية التأثير الانتقائي.فهو يعني حمل المتلقي على عملية الفعل مع ترك الحرية
في كيفية التصرف.
إذن هذه أشهر النظريات التي يتوسل
بها المعلن من أجل إقناع المستهلك،فهي عبارة عن معطيات ومحاور يرتكز عليها لتصميم رسالته
الاشهارية التي تضمن له تسويق جيد لمنتوجه سواء أكان سلعة مادية أو خدمة.
للإقناع عدة تعريفات منها :
استخدام المتحدث أو الكاتب للإلفاظ
والإشارات التي يمكن أن تؤثر في تغيير الاتجاهات والميول والسلوكيات .
تعريف آخر: عمليات فكرية وشكلية
يحاول فيها أحد الطرفين التأثير على الآخر وإخضاعه لفكرة أو رأي .
تعريف ثالث: تأثير سليم ومقبول
على القناعات لتغييرها كلياً أو جزئياً من خلال عرض الحقائق بأدلة مقبولة وواضحة .
ويظهر جلياً من التعريفات السابقة
أن الإقناع فرع عن إجادة مهارات الاتصال والتمكن من فنون الحوار وآدابه .وتتداخل بعض
الكلمات في المعنى مع الإقناع مع وجود فوارق قد تكون دقيقة إلى درجة خفائها عن البعض
؛ ومن أمثال هذه الكلمات : الخداع ، الإغراء ، التفاوض. فبعضها تهييج للغرائز وبعضها
تزييف للحقائق وبعضها مجرد حل وسط واتفاق دون اقتناع وهكذا
.
إن مخاطبة العقول والقلوب فن لا
يجيده إلا من يمتلك أدواته، وإذا اجتمعت مع مناسبة الظرف الزماني والمكاني أثرت تأثيراً
بالغاً، ووصلت الفكرة بسرعة البرق. وهكذا كانت طريقة القرآن في تلمس حاجات الوجدان
وأيضاً من عوامل نجاح الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام- في إقناع الناس برسالتهم، وما
عليك إلا أن تتأمل في أحاديث الرسول- صلى الله عليه وسلم- لتستلهم منها كنوزاً في فقه
الدعوة، يقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه
عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة". ووصولاً إلى تحقيق الهدف من الدعوة فإن مما تحسن
العناية الشديدة به نشر ثقافة الإقناع وفنون الحوار وفن الاستماع وتقمص شخصية الآخر
في محاولة لفهم دوافع موقفه.. وهذه لا يعني بطبيعة الحال الدخول في أي حوار وطرح القضايا
الشرعية للاستفتاء العام؛ لإن هذا يدل على شخصية ضعيفة وانهزام أمام ضغط الواقع.
إن هناك من يخاطب الناس على أنهم
فئة واحدة أو أن لديهم القناعات نفسها التي لديه ولذا تراه يخاطب نفسه في آخر الأمر.
وأرى أن الشباب مثلاً بحاجة إلى من يجيبهم على كثير من الأسئلة الملحة التي تواجههم
بطريقة تناسب تفكيرهم وتتعامل بشكل صحيح مع المنطلقات الفكرية التي تربوا عليها، ونحتاج
أن نقوم بدراسات لمعرفة أكثر الأساليب تأثيراً عليهم. إن الدورات التي تتناول مهارات
الاتصال وفنون الحوار والإقناع وطرق التأثير متوفرة على شكل كتب أو أشرطة سمعية ومرئية،
فقط تحتاج من المربي أو الداعية أن يوجه اهتمامه إليها ويعنى بتقوية الخير والعلم الذي
يحمله بهذه المهارات البالغة التأثير على القلوب. ولدينا من الخطباء والمحاضرين من
استطاع أن يصل إلى شريحة كبيرة من الناس بسبب حرصه على العناية بهذه المهارات التي
ربما تكون عند البعض فطرية وعند الآخرين تحتاج إلى تنمية.
كما أقدم اقتراحاً بإنشاء مراكز
ثقافية تقدم دورات في فن التأثير على الآخرين وفن الخطابة وأصول الحوار ووسائل الإقناع
وفن التعامل مع المخالف كما يقدم أيضاً دورات في فن كتابة المقال الدعوي وهكذا، وتكون
هذه الدورات مجانية أو برسوم رمزية وتكون متاحة على مدار العام ويستفيد منها المهتمون
بأمور الدعوة من خطباء ومحاضرين، ومن خلالها أيضاً تدفع المراكز إلى الساحة شباباً
مثقفاً يبادر إلى ابتكار وسائل جديدة لإيصال العقيدة والعلم والفكر الصحيح إلى جمهور
الناس على اختلاف شرائحهم.
وإليك نموذجاً نبوياً يتعلق بهذا
الموضوع أورده سلمان الفارسي -رضي الله عنه- قال: "كنت مع رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- تحت شجرة، فأخذ منها غصناً يابساً، فهزه حتى تحات ورقه (أي سقط) فقال:
"يا سلمان: ألا تسألني لم أفعل هذا؟" قلت: لم تفعله؟ فال: إن المسلم إذا
توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى الصلوات الخمس تحاتت خطاياه كما تحات هذا الورق، ثم قرأ
)وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين("
[هود،114]. لقد كان ضرب المثل الحي وسيلة عظيمة لتوصيل القناعة وترسيخ المفهوم.
إن تعلم تعبيرات الوجه والعناية
بنظرات العين والاهتمام بالمظهر ربما يمثل نصف الطريق نحو إقناع الآخرين كما يقول الأستاذ
محمد ديماس في كتابه الجيد "فنون الحوار والإقناع".
كيف تقنع الآخرين بفكرة ؟
أولاً :
لابد أن تكون مقتنعا جدا من الفكرة التي تسعى لنشرها، لأن أي مستوى من التذبذب سيكون
كفيلا أن يحول بينك وبين إيصال الفكرة للغير.
ثانياً :
استخدم الكلمات ذات المعاني المحصورة والمحددة مثل: بما أن، إذن، وحينما يكون .. الخ،
فهذه الألفاظ فيها شيء من حصر المعنى وتحديد الفكرة ، ولتحذر كل الحذر من التعميمات
البراقة التي لا تفهم أو ذات معاني واسعة.
ثالثاً :
ترك الجدل العقيم الذي يقود إلى الخصام يقول أحدهم ( إذا أردت أن تكون موطأ الأكناف
ودودا تألف وتؤلف لطيف المدخل إلى النفوس، فلا تقحم نفسك في الجدل وإلا فأنت الخاسر،
فإنك إن أقمت الحجة وكسبت الجولة وأفحمت الطرف الآخر فإنه لن يكون سعيدا بذلك وسيسرها
في نفسه وبذلك تخسر صديقا او تخسر اكتساب صديق، أيضا سوف يتجنبك الآخرون خشية نفس النتيجة).
رابعاً :
حلل حوارك إلى عنصرين أساسيين هما :-
1.
المقدمات
المنطقية: وهي تلك البيانات أو الحقائق أو الأسباب التي تستند إليها النتيجة وتفضي
إليها.
2.
النتيجة:
وهي ما يرمي الوصول إليها المحاور أو المجادل ، مثال على ذلك : المواطنون الذين ساهموا
بأموالهم في تأسيس الجمعية هم الذين لهم حق الإدلاء بأصواتهم فقط، وأنت لم تساهم في
الجمعية ولذلك لا يمكنك أن تدلي بصوتك ..
خامساً:
اختيار العبارة اللينة الهينة ، والابتعاد عن الشدة الإرهاب والضغوط وفرض الرأي.
سادساً:
احرص على ربط بداية حديثك بنهاية حديث المتلقي لأن هذا سيشعره بأهمية كلامه لديك وأنك
تحترمه وتهتم بكلامه، ثم بعد ذلك قدم له الحقائق والأرقام التي تشعره كذلك بقوة معلوماتك
وأهميتها وواقعية حديثك ومصداقيته.
سابعاً:
أظهر فرحك الحقيقي – غير المصطنع - بكل حق يظهر على لسان الطرف الآخر، وأظهر له بحثك
عن الحقيقة لأن ردك لحقائق ظاهرة ناصعة يشعر الطرف الآخر أنك تبحث عن الجدل وانتصار
نفسك.
الإقناع القوة المفقودة !
تروي بعض الأساطير أن الشمس والرياح
تراهنتا على إجبار رجل على خلع معطفه ؛ وبدأت الرياح في محاولة كسب الرهان بالعواصف
والهواء الشديد والرجل يزداد تمسكاً بمعطفه وإصراراً على ثباته وبقاءه حتى حل اليأس
بالرياح فكفت عنه ؛ واليأس أحد الراحتين كما يقول أسلافنا . وجاء دور الشمس فتقدمت
وبزغت وبرزت للرجل بضوئها وحرارتها فما أن شاهدها حتى خلع معطفه مختاراً راضياً...
إن الإكراه والمضايقة توجب المقاومة
وتورث النزاع بينما الإقناع والمحاورة يبقيان على الود والألفة ويقودان للتغيير بسهولة
ويسر ورضا . إن الإقناع كما هو الحوار لغة الأقوياء وطريقة الأسوياء ؛ وما ألتزمه إنسان
أو منهج إلا كان الاحترام والتقدير نصيبه من قبل الأطراف الأخرى بغض النظر عن قبوله .
والقرآن والسنة وهما نبراس المسلمين
ودستورهم وفيهما كل خير ونفع قد جاءا بما يعزز الإقناع ويؤكد على أثره ، فآيات المحاجة
والتفكر كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها وكالملك الذي حاج إبراهيم عليه السلام
في ربه وكمناقشة مؤمن آل فرعون قومه ؛ وأما الأحاديث فمن أشهرها حديث الشاب المستأذن
في الزنا ؛ وحديث الرجل الذي رزق بولد أسود ؛ وحديث الأنصار بعد إعطاء المؤلفة قلوبهم
وتركهم ؛ كل هذه النصوص مليئة بالدروس والعبر التي تصف الإقناع وفنونه وطرائقه لمن
كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
عناصر الإقناع
1. المصدر: ويجب أن تتوافر فيه صفات منها
· الثقة: ويحصل عليها من تأريخ المصدر إضافة إلى مدى
اهتمامه بمصالح الآخرين .
· المصداقية: في الوعود والأخبار والتقييم .
· القدرة على استخدام عدة أساليب للإقناع : كلمة،
مقالة، منطق، عاطفة ، ...
· المستوى العلمي والثقافي والمعرفي .
· الالتزام بالمبادئ والقناعات التي يريد إقناع الآخرين
بها .
2. الرسالة: لابد أن تكون
· واضحة لا غموض فيها بحيث يستطيع جمهور المخاطبين
فهمها فهماً متماثلاً .
· بروز الهدف منها دون حاجة لعناء البحث عنه .
· مرتبة ترتيباً منطقياً مع التأكيد على الأدلة والبراهين .
· مناسبة العبارات والجمل حتى لاتسبب إشكالاً أو حرجاً
ولكل مقام مقال .
· بعيدة عن الجدل واستعداء الآخرين ؛ لأن المحاصر
سيقاوم ولا ريب !
3. المستقبِل: ينبغي مراعاة ما يلي
· الفروق العمرية والبيئية
.
· الاختلافات الثقافية والمذهبية .
· المكانة العلمية والمالية والاجتماعية .
· مستوى الثقة بالنفس
.
· الانفتاح الذهني
.
يعتمد نجاح الإقناع على :
1.
القدرة
على نقل المبادئ والعلوم والأفكار بإتقان
.
2.
معرفة
أحوال المخاطبين وقيمهم وترتيبها .
3.
الجاذبية
الشخصية بأركانها الثلاثة : حسن الخلق ، أناقة المظهر ، الثقافة الواسعة .
4.
التفاعل
الإيجابي الصادق مع الطرف الآخر .
5.
التمكن
من مهارات الإقناع وآلياته من خلال إمتلاك مهارات الاتصال وإجادة فنون الحوار مع الالتزام
بآدابه .
6.
التوكل
على الله ودعائه مع حسن الظن به سبحانه .
ما يجب عليك فعله قبل الإقناع :
1.
الإعداد
الكامل فالأنصاف إتلاف للجهد ومضيعة للأوقات
.
2.
البدء
بالأهم أولاً خشية طغيان مالا يهم على المهم
.
3.
اختيار
التوقيت المناسب لك وللطرف الآخر .
ما يجب عليك فعله في أثناء الإقناع :
1.
توضيح
الفكرة بالقدر الذي يزيل اللبس عنها .
2.
المنطقية
والتدرج .
3.
العناية
بحاجات الطرف الآخر .
4.
تفعيل
أثر المشاعر .
ما يجب عليك فعله بعد الإقناع :
1.
دحض الشبهات
والرد على الاعتراضات .
2.
التأكد
من درجة الإقتناع من خلال إخبار الطرف الآخر أو مشاركته في الجواب عن الاعتراضات أو
حماسته للعمل المبني على إقتناعه .
3.
التفعيل
السلوكي المباشر .
قواعد الإقناع
· أن يكون القيام خالصاً لله سبحانه وتعالى لا يشوبه
حظ نفس .
· الالتجاء لله بطلب العون والتوفيق ووضوح الحق .
· وجود متطلبات الإقناع الرئيسة وهي :
o
الاقتناع
بالفكرة . وضوحها .
o
القدرة
على إيضاحها . القوة في طرح الفكرة .
o
توافر
الخصال الضرورية في مصدر الإقناع .
4.
معرفة
شخصية المتلقي وقيمه واحتياجاته مع تحديد ترتيبها . وقد ينبغي عليك تقمص شخصيته لتتعرف
على دوافعه ووجهة نظره .كما يجب معرفة حيله وألاعيبه حتى لا تقع في شراكها
5.
حصر مميزات
الفكرة التي تدعو إليها مع معرفة مآخذها الحقيقية أو المتوهمة وتحليل المعارضة السلبية
المحتملة وإعداد الجواب الشافي عنها . وأعلم أن أسلم طريقة للتغلب على الاعتراض أن
تجعله من ضمن حديثك .
6.
اختيار
الأحوال المناسبة للإقناع : زمانية ومكانية ونفسية وجسدية ؛ مع تحين الفرصة المناسبة
لتحقيق ذلك .
7.
تحليل
الإقناع إلى :
· مقدمات متفق عليها كالحقائق والمسلمات .
· نتائج منطقية مبنية على المقدمات .
8.
الابتعاد
عن الجدل والتحدي واتهام النوايا ، لأن جعل الطرف الآخر متهماً يلزمه بالدفاع وربما
المكابرة والعناد .
9.
إذا كنت
ستطرح فكرة في محيط ما : فروج لها عند أركان ذلك المحيط قبل البدء بنشرها .
10. تعلم أن تقارن بين حالين ومسلكين لتعزيز فكرتك .
11. حدد مسبقاً متى وكيف تنهي حديثك .
12. لخص الأفكار الأساسية حتى لا تضيع في متاهة الحديث
المتشعب .
13. اضبط نفسك حتى لا تستثر ؛ وراقب لغة جسدك حتى لاتخونك .
14. أشعر االطرف المقابل باهتمامك من خلال :
· ربط بداية حديثك بنهاية حديثه ما أمكن .
· تعزيز جوانب الاتفاق
.
· إشعره بمحبتك وعذرك إياه
.
عوائق الإقناع
1.
الاستبداد
والتسلط: لأن موافقة الطرف الآخر شكلية تزول بزوال الاستبداد.
2.
طبيعة
الشخص المقابل : فيصعب إقناع المعتد برأيه وتتعاظم الصعوبة إذا كان المعتد بنفسه جاهلاً
جهلاً مركباً .
3.
كثرة
الأفكار مما يربك الذهن.
4.
تذبذب
مستوى القناعة أو ضعف أداء الرسالة من قبل المصدر
.
5.
الاعتقاد
الخاطئ بصعوبة التغيير أو استحالته : وهذه نتيجة مبكرة تقضي على كل جهد قبل تمامه .
6.
اختفاء
ثقافة الإشادة بحق من قبل المصدر تجاه المستقبل
.
وقفات مهمة:
1.
ماكان
الرفق في شيء إلا زانه .
2.
الصدق
في الحديث خلة حميدة يكافئ عليها الصادق حتى لو كان في حديثه ما لا ينبغي ؛ فلا تعارض
بين تصحيح الخطأ ومكافأة الصادق .
3.
سوف تمتلك
مهارة الإقناع بدراية وتمكن من خلال متانة المعرفة وسلامة الممارسة؛ وإذا وجدت الموهبة
فخير على خير وإلا فالمقدرة وحدها تفي بالغرض.