ما يستثنى من الميتة ( ميتة البحر ، الجراد )
حُرمة
الميتة وحِلّ نوعين منها حرّم الله -سبحانه- على عباده في دين الإسلام أكل الميتة من
الأنعام، وقد ذكر الشيخ الطاهر ابن عاشور -رحمه الله- في حكمة ذلك التحريم؛ أنّ الحيوان
عادةً لا يموت، إلّا إن أُصيب بعلّةٍ من العلل، والعلل إذا أصابت البدن تركت في لحم
الحيوان جزءاً منها، فإذا أكلها الإنسان كان في ذلك نقلاً لهذه العلّة إلى جسمه، وقد
تختلط جراثيمها في دمه، وإذا وقفت دورة الدم في الحيوان غلبت أجزاؤه الضارة على أجزائه
النافعة، ولهذا السبب شرع الله سبحانه الذكاة الشرعية، فالحيوان المذكّى فيها يموت
من غير علّةٍ، كما أنّ دمه حينها يُراق، ممّا يجعل لحمه نقياً في الغالب من الجراثيم،
وعامّة ما يخشى منه المرض، ولعلّ ذلك هو السبب في ذهاب الإمام مالك رحمه الله- إلى
أنّ ذكاة الأم ذكاةً لجنينها أيضاً، فالجنين متصلٌ بأجزاء أمه، واستفراغها لدمها استفراغٌ
لدمه أيضاً، ممّا يؤدي إلى موته بموتها، فيسلم بذلك من علّة الميتة، وقد استثنى الشرع
من تحريم الميتة نوعان منها؛ هما: ميتة البحر من الحوت والسمك، وميتة الجراد. وقد ورد
في حلّ الحوت والجراد من الميتة حديثٌ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال فيه:
(أحلتْ لنا ميتتانِ ودمانِ، فأمّا الميتتانُ: فالحوتُ والجرادُ، وأمّا الدمانُ فالكبدُ
والطحالُ)، كما قال الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- عن البحر: (هو الطَّهُورُ ماؤُهُ
الحِلُّ مِيتَتُهُ)، وأمّا حِلّ أكل الجراد، فقد استدلّ العلماء له بما ورد عن عبد
الله بن أبي أوفى، حين قال: (غزَوْنا معَ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- سبعَ غزَواتٍ
أو سِتّاً، كُنَّا نأكُلُ معَه الجَرادَ)، أما الكبد والطحال فقد ثبتّ حِلّهما بالإجماع.
مَيتةُ البَحرِ
مَيتةُ
البَحرِ طاهرةٌ، سواءٌ كان الموتُ بسبَبِ آدميٍّ، أو طفا على الماءِ، وهذا مَذهَبُ
الجُمهورِ: المالكيَّة ، والشَّافعيَّة ، والحنابلة
، وهو مذهَبُ الظَّاهريَّة .
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قوله
تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ
[المائدة: 96]
وجهُ الدَّلالة:
أنَّ
طعامَ البَحرِ المذكورَ في الآيةِ هو ما مات فيه؛ وإباحةُ اللهِ تعالى أكلَه، دليلٌ
على طهارَتِه .
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
1-
عن أبي
هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((سأل رجلٌ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال:
يا رسولَ الله، إنَّا نرَكَب البحرَ، ونحمِل معنا القليلَ مِنَ الماء؛ فإنْ توضَّأْنا
به عَطِشنا، أفنتوضَّأ بماءِ البَحرِ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: هو
الطَّهورُ ماؤُه، الحِلُّ مَيتتُه)) .
وجه الدَّلالة:
أنَّ
قولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الحِلُّ مَيتتُه)) يشمَلُ جَميعَ مَيتاتِ البَحرِ ، سواء ٌكان سمكًا أو غيره، وما كان حلالَ الأكْلِ،
فهو طاهِرٌ.
2-
عن جابرٍ
رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((غزَوْنا جيشَ الخَبَط وأُمِّرَ أبو عُبَيدة، فجُعْنا جُوعًا
شديدًا، فألْقى البحرُ حوتًا مَيِّتًا، لم نَرَ مِثلَه، يُقالُ له: العنبرُ، فأكَلْنا
منه نِصفَ شَهرٍ، فأخَذ أبو عبيدةَ عَظمًا من عِظامِه، فمرَّ الرَّاكِبُ تحتَه، فأخبرني
أبو الزُّبَيرِ، أنَّه سمع جابرًا يقول: قال أبو عُبَيدةَ: كلوا، فلمَّا قَدِمنا المدينةَ
ذكَرْنا ذلك للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: كُلوا رِزقًا أخرَجَه اللهُ، أطعِمونا
إنْ كان معكم، فأتاه بعضُهم بعضوٍ فأكَلَه)) .
وجه الدَّلالة:
أنَّ
الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أكَل منه، وأمَرَهم بالأكلِ منه، وهذا صريحٌ في
إباحةِ مَيتةِ ما ألقاه البَحرُ ؛ وما أُبيحَ
أكلُه، فهو طاهِرٌ.
مَيتةُ الجَرادِ
مَيتةُ
الجَرادِ طاهِرةٌ، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّةِ ، والمشهور مِن مَذهَبِ المالكيَّة ، والشَّافعية ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك.
الأدلَّة مِن السُّنَّةِ:
1 - عن عبدِ اللهِ بنِ أبي أَوْفَى رَضِيَ اللهُ
عنه قال: ((غزَوْنا معَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَبعَ غزَواتٍ أو سِتًّا،
كُنَّا نأكُلُ معَه الجَرادَ)) .
2-
عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، قال: ((أُحِلَّتْ لنا مَيتتانِ ودَمَانِ: الجرادُ والحِيتانُ،
والكَبِدُ وَالطِّحالُ)) .